د.احمد ابوالعلا يكتب الطبيب المزيف... عندما يصبح الغش بوابة لدخول كليات القمة

الاثنين 21 يوليو, 2025

في كل مرة أستقبل فيها طبيب امتياز جديد داخل المستشفى، أتذكر مقولة شهيرة: "العلم أمانة... ومن خانها، خان الأرواح."

لكني للأسف، صرت أرى هذه الخيانة تتجسد أمامي بأكثر من وجه وأكثر من موقف. شباب في مطلع العمر، يحملون لقب "دكتور"، لكنهم لا يملكون الحد الأدنى من المعرفة أو الحضور الذهني أو حتى اللغة العلمية التي تؤهلهم لفهم ملف مريض.

والسؤال المؤلم الذي لا أجد له إجابة شافية: كيف وصلوا إلى هنا؟

الجواب يأتيني من زملائي ومن الواقع المُر: بعضهم دخل كلية الطب على أكتاف الغش، عبر لجان مشبوهة، وتسريبات امتحانات، وصفقات مجموع لا علاقة لها لا بالاجتهاد ولا بالاستحقاق.

ظاهرة أصبحت معلومة للجميع، وبدأت تفرز نتائج كارثية. طلاب يحصلون على 98% في الثانوية العامة، ثم يرسبون في أول سنة جامعية، أو ينجحون بشق الأنفس ولا يملكون الجرأة لفتح صدر مريض أو قراءة تحليل بسيط.

والأدهى من ذلك أن بعض أولياء الأمور لم يعودوا يكتفون بالصمت، بل صاروا شركاء فاعلين في الجريمة. نرى اليوم من يقف خارج اللجان يحمل ميكروفونًا، يلقّن أبناءه الإجابات علنًا، دون خوف أو خجل، بل أحيانًا تحت حماية وتواطؤ بعض ضعاف النفوس.
تحوّلت بعض الشوارع المحيطة باللجان إلى أسواق للغش العلني، يخرج فيها الصوت أعلى من الضمير، وتُلقى فيها المعلومة لا لتُفهَم، بل لتُنسَخ في ورقة الامتحان.

هؤلاء لا يُظلمون فقط حين يكتشفون الحقيقة متأخرًا، بل يُظلم معهم المجتمع كله. لأن الخطأ في مهنتنا لا يُقاس بدرجة الامتحان، بل يُقاس بحياة إنسان.

كم من شاب صادق، اجتهد بعرقه، وحُرم من دخول الكلية التي يستحقها لأن مقعده ذهب إلى "متفوق بالتسريب"؟
وكم من مريض وقع بين يدي طبيب بلا علم أو كفاءة، دُفع به إلى هذه المهنة قسرًا، لا حبًا ولا استحقاقًا؟

إنني أكتب هذا المقال لا من برج عاجي، ولا من منصة أكاديمية، بل من قلب غرفة الكشف، ومن واقع المناوبات الليلية، ومن آلاف الحالات التي نرى فيها أثر التعليم الزائف على المنظومة الصحية.

أقولها صراحة: إذا أردنا أن ننقذ كلياتنا ومهنتنا، علينا أن نواجه هذه الفوضى بشجاعة.
نحتاج إلى نظام قبول أكثر عدلًا، إلى اختبارات قدرات حقيقية، إلى تنسيق لا يُبنى فقط على درجات، بل على استعداد علمي ونفسي وإنساني للمهنة.

فليس كل من غش ليحصل على 100% يصلح لأن يكون طبيبًا، كما أن ليس كل من حصل على 80% فاشل.

إنني أُحمّل وزارة التعليم العالي ووزارة التربية والتعليم مسؤولية مشتركة، ليس فقط في الرقابة على الامتحانات، ولكن في حماية المجتمع من نتائج الغش التي تخترق مهنة الطب والهندسة والتمريض والصيدلة.
نحن بحاجة إلى نظام يحمي "الحق في التفوق"، ويحرس "الكرامة في التعليم"، ويعيد الاعتبار لقيمة اسمها: الاجتهاد.

فإذا ضاعت تلك القيمة... فلا تسأل بعدها عن الضمير ولا عن الطبيب ولا عن الوطن.

قبل أيام، استدعاني أحد الأطباء الجدد لمتابعة حالة طارئة في الطوارئ. مريض يُعاني من هبوط حاد في الدورة الدموية، وكل ما كان يحتاجه الأمر: تشخيص أولي سريع، وتحاليل محددة، وسرعة تصرف.
سألته: "إيه رأيك؟"
فنظر إليّ في ارتباك وقال: "هو الضغط ممكن يكون ليه علاقة بالكبد؟"
لم أجب... فقط نظرت إلى المريض، ثم إلى هذا الطبيب، وتذكرت أن هذا الجيل لا يحتاج فقط إلى تدريب طبي، بل إلى إنقاذ أخلاقي وتعليمي من البداية.