نِداءٌ إلى الوعي المسيحيّ، الزعامة لا تُفرَض… بل تُنتَخَب في القلوب قبل الصناديق

الثلاثاء 16 ديسمبر, 2025

بقلم : د. ليون سيوفي
باحث وكاتب سياسيّ 

في لحظةٍ مصيريّةٍ من تاريخ لبنان، يصبح الصمت خطيئةً، ويغدو التردّد شراكةً غير مُعلَنةٍ في الانحدار. والمجتمع المسيحيّ، بما يَحمل من إرثٍ وطنيٍّ ودورٍ تأسيسيٍّ، مدعوٌّ اليوم إلى وقفة صدقٍ مع الذات، لا مع الأسماء.
قد يَستغرِبُ البعضُ حين أتناولُ المسيحيَّ أو غيرَهُ من الطوائف، لكنّني، ما دُمتُ أعيشُ في هذا الوطنِ المُثقَلِ بالطائفيّة، أجدُ نفسي أمامَ واجبٍ أخلاقيٍّ وسياسيٍّ لا يمكنُ التهرّبُ منه. فالطائفةُ في لبنان ليست تفصيلاً اجتماعيًّا عابرًا، بل مُكوِّنٌ فاعلٌ في تكوينِ السّلطة، وفي صناعةِ الخوف، وفي هندسةِ الانقسام. إنّ ذِكرَ الطوائفِ هنا لا يأتي من بابِ التمييز أو الاصطفاف، بل من بابِ التشخيصِ الصريحِ لعلّةٍ مزمنةٍ عطّلت قيامَ الدّولة، وحوّلتِ المواطنَ إلى تابعٍ، والحقوقَ إلى مِنَحٍ، والانتماءَ الوطنيَّ إلى شعارٍ هشّ. ومن دون هذا الاعترافِ الواضح، يبقى الخطابُ العامّ أسيرَ الإنكار، وتبقى المعالجةُ مجرّدَ دورانٍ في حلقةٍ مفرغة، لا تُنقذُ وطنًا ولا تُعيدُ كرامة
فكم من شخصٍ حاول أن يتزعّم الصفّ المسيحيّ منذ أيّام الحرب الأهليّة وما بعدها؟
منهم من صعد بفعل روابط القُربى مع أصحاب النفوذٍ والسلاحٍ، ومنهم من حاول فرض نفسه عبر الصفقات والتسويات، ومنهم من ظنّ أنّ الشارع يُشترى، وأنّ الزعامة تُورَّث أو تُفرَض بالأمر الواقع.
لكنّ الحقيقة التي لا يمكن القفز فوقها هي أنّ المجتمع المسيحيّ، بكامله، لم يتقبّلهم. فشلوا لا لأنّهم افتقروا إلى الدعم الخارجيّ، بل لأنّهم افتقروا إلى الشرعيّة الأخلاقيّة والشعبيّة. فانهارت مشاريعهم قبل أن تكتمل زعاماتهم، وسقطوا قبل أن تُختَبَر قدرتهم على القيادة. إذ تبيّن مرارًا أنّ الزعامة التي تُبنى على الصفقات تموت عند أوّل امتحانٍ، وأنّ من يراهن على النفوذ لا يصمد أمام الوعي.
لقد أثبتت التجربة أنّ الشارع المسيحيّ، رغم انقساماته، يملك حسًّا عميقًا في التمييز بين القائد والمدّعي. هو قد يصبر، وقد يساير، لكنّه لا يمنح ثقته كاملةً لمن لا يشبهه ولا يحترم كرامته.
من هنا، فإنّ النداء اليوم ليس بحثًا عن “زعيمٍ مسيحيٍّ” بالمعنى الضيّق، بل عن رجل دولةٍ. الزعيم المسيحيّ الذي ننتظره ليس منغلقًا داخل طائفته، ولا محصورًا بخطابها، بل محبوبًا ومحترمًا من جميع الطوائف، لأنّه صادقٌ، واضحٌ، غير عدائيٍّ، وغير متورّطٍ. رجلٌ يُطمئن شريكه في الوطن قبل أن يُطمئن بيئته، ويُجسِّد بفكره وسلوكه معنى الشراكة الوطنيّة الحقيقيّة.
المرحلة لا تحتمل زعاماتٍ تُدار من خلف الستار، ولا وجوهًا استهلكها الماضي، ولا قياداتٍ تخاف من قول الحقيقة. نحن بحاجةٍ إلى شخصٍ لا يخاف إلّا الخالق، لا يُساوم على الكرامة، ولا يطلب الزعامة مقابل صمتٍ أو تنازلٍ.
أيّها المسيحيّون،
الصحوة اليوم واجبٌ، لا خيارٌ.
اختاروا الرجل المناسب، لا الأكثر ضجيجًا.
اختاروا من يُحِبّه الناس، لا من يُفرَض عليهم.
اختاروا من يَجمع اللبنانيّين حول الدولة، لا من يَحصرهم في المتاريس السياسيّة.
فالزعامة الحقيقيّة لا تُصنَع بالدم، ولا تُشترى بالمال، ولا تُفرَض بالتحالفات. إنّها تُنتَخَب في الضمائر، وتُثبَّت بالفعل، وتدوم بالثقة.
وقبل فَوات الأوان…
اصحوا، واختاروا