مأساة فلسطين.. والصيد في الماء العكر !!
ستبقي مأساة الشعب الفلسطينيي وجرائم الحرب التي تقترفها قوات الاحتلال الإسرائيلي بقعة حالكة السواد في جبين المجتمع الدولي الصامت الذي يكيل بمكيالين، ولا يريد أن يدرك الحقائق،إلا من خلال قناعاته ومنصاته الفاسدة.
كما كشفت مأساة غزة وازمات أهل فلسطين المزمنة والمستجدة عن الوجه القبيح لخيوط المؤامرة الغربية التي تستهدف تغيير الهوية العربية،واستكمال تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد وإشاعة الفوضي كما أفلحت من قبل في بث بذور الفرقة وتفتيت الكيانات العربية ،وتمويل ورعاية جماعات الظلام تحت شعارات دعم ثورات الربيع العربي ومساندة حركات الانتقال الديمقراطي.
لقد سقطت شعارات حقوق الإنسان والتحضر الغربي علي أعتاب الانحياز الأعمي للكيان الصهيوني المتجبر ،الذي لم يعد يلتفت لقوانين الأرض ولا السماء ، ولا لصرخات الضمير الإنساني المغيب.
ورغم تعاطف بعض الشعوب الغربية التي اقتنعت بعدالة قضية أهل فلسطين وبكافة حقوقهم المشروعة في الحياة الآمنة ووطن حر، لكن مؤشرات ومعطيات ومواقف دول الغرب تشي بالحقيقة المرة ،وسيظل الضمير الفاعل المؤثر معطلا ،حتي إشعار آخر!.
والأمر الغريب المستهجن أن محددات ومفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان لدي الغرب لها حسابات أخري ومعايير مزدوجة، تنتصر وفقا لقناعاتها ومصالحها وحساباتها الاستراتيجية للظالم المتغطرس ،وتتنكر للمظلوم المستضعف شاء من شاء،وأبي من أبي ،ولا مجيب لنداءات شرفاء بني البشر!.
كما أن فكرة الاصرار علي الكيل بمكيالين واجتزاء الحقائق ،وتقييم الأمور من منطلق قناعات فاسدة ،مع محاولة الصيد في الماء العكر وإلباس الصراع لباسا عقيديا وانحيازا أيديولوجيا ،لهو سكب المزيد من الزيت علي النيران المستعرة علي الأرض، وفي القلوب ..كمدا وحزنا!.
وفي تقديري أن كل المعطيات تؤكد أن تحالف أمريكا والقوي الغربية يسعون لاستثمار أحداث غزة لتنفيذ سيناريوهات ومؤتمرات معدة سلفا ،كما تستهدف إحداث المزيد من بؤر التوتر والقلاقل،والضرب في جميع الاتجاهات.
وتبدو القراءة للمشهد جلية لا تحتمل الكثير من التأويل والتبرير،بداية من حجب الحقائق عن الرأي العام العالمي ،ووصم المقاومة بالإرهاب والوحشية لوأد روح النضال وغبن أبناء الشعب الصامد ،والتغطية علي جرائم إسرائيل التي فاقت كل الحدود!..
واتفق مع رؤي بعض المحللين التي تذهب إلي أن الموقف الغربي الآن في محطة فارقة ،للحفاظ علي عقيدة التسلط والهيمنة الغربية والحفاظ علي صورة النظام العالمي ،ولو عن طريق الإعداد لمرحلة جديدة من الفوضي وتأجيج الصراعات ،للتغطية على فشل حزب الناتو الذريع في اوكرانيا وافغانستان والعراق،والعودة لتنفيذ سيناريو الفوضي الخلاقة وجر أطراف جديدة لحلبة هذا المخطط الخبيث.
ومن الصور الممجوجة لهذه التوجهات المغرضة استمراء الضغط علي مصر لقبول الأمر الواقع ،والموافقة علي خطة توطين الفلسطينيين في سيناء وتصفية قضيتهم للأبد، وتحويلها لساحة رحبة للإرهاب ،والجماعات المارقة،والقضاء على مشروعات تنمية وإعمار إقليم قناة السويس وسيناء ، مع التلويح بتقديم مساعدات اقتصادية لمصر والتخفيف من ديونها!.
وقد بدت هذه المؤشرات واضحة جلية في التفكير في إقامة الممر الاقتصادي وغرس بذور الشقاق بين دول العرب الفاعلة ،والذي تزامن مع صدور تقارير سلبية عن الاقتصاد المصر ي رغم النجاحات غير المسبوقة التي تحققت،والتلميح بتحريض صندوق النقد ضد القاهرة لرفض المراجعة لبرنامج الإصلاح ، والمماطلة في تقديم القروض والسعي الحثيث من جديد لتخفيض العملة لإحداث حالة من الفوضي والارتباك!.
كما أن هناك اتجاهات غربية داعمة لبث الشائعات والأكاذيب ،والتقارير الصحفية الموجهه ،هذا علاوة علي مانراه من وقاحات الكتائب الإليكترونية الممولة التي تبرر ممارسات وتجاوزات الكيان الصهيوني اللانسانية ،تلقي باللوم علي المقاومة،وتسعي
لتجنيد عملاء داخل البلاد وخارجها للسيطرة علي شبكات ومنصات التواصل.
إن مصر ستظل صامدة صمود ابطال وأهل فلسطين ،ولن تتنازل عن مواقفها السياسية الثابتة تجاه قضية فلسطين، وعبر مؤتمر القاهرة للسلام جاءت رسائل أرض الكنانة للقاصي والداني قوية ومدوية واضحة وضوح الشمس في قارعة النهار.
ومن صور الصيد في هذا المناخ الملبد بالغيوم تنشط أبواق غربية لمحاولة تشويه الصورة الذهنية للعرب والمسلمين ووصمهم بالتشدد والإرهاب وسفك دماء الأبرياء.
ولا أدري لما الاصرار على التصعيد،واستفزاز مشاعر المسلمين ،والسعي لمزيد من إثارة الفتن وتوسعة هوة الخلافات بين الأطراف المتصارعة، وتجسيد المواقف وردود الأفعال ،وكأنها قضية حياة أو موت بمعايير دنيوية نفعية ودينية عقدية إن لزم الأمر!.
ولذا لا نتعحب حين قال
" أنتوني بلينكن" وزير الخارجية الأمريكي عند وصوله تل أبيب فى بداية جولته، حينما قال : "أجئ إليكم اليوم ليس فقط بصفتى وزيرا للخارجية ولكن بصفتى يهودي" !.
وقال له الرئيس السيسى حينما قابله في القاهرة "لقد تحدثت وقلت أنك جئت بصفتك يهودي، اسمح لي أقول لك إنني مواطن مصري نشأت في حي جنبا إلى جنب مع اليهود في مصر، ولم يتعرضوا لأي شكل من أشكال القمع أو الاستهداف".
وكان درسا قويا ،ردا علي هذه السقطة المتعصبة اللادبلوماسية فى كلمات حكيمة ،موجزة لمن يدعون كذبا مكافحة العنصرية!.
والأمر المؤسف أن دعايات الأنظمة الغربي تتعمد أحيانا خلط الأوراق ، ونقل رسائل مزيفة عن حقيقة العرب وما يدينون به ويعتقدونه، عبر محاولات تشويه صورة العقيدة الإسلامية ووصم معظم العرب والمسلمين بالارهاب والتشدد، والرجعية وتتجاهل هذه الرسائل المغرضة حقيقة الدين الاسلامي الذي يتسم بالاعتدال والوسطية والسماحة والتعايش السلمي،والبحث عن القواسم المشتركة،واحترام معتقدات الآخرين وكافة القيم الإنسانية والأخلاقية السامية.
ورغم ضبابية المشهد وانحيازات النخبة الغربية الموجهة ،لكن من وقت لآخر تبدو تباشير الأمل، من ردود الأفعال الإيجابية لبعض مواطني الدولة الغربية وثلة من مفكريهم ونخبهم ، فقبل سنوات كشف السيناتور الأمريكي بول فندلي عبر سطور كتابه "الخداع" أساطير اليهود والصهاينة ودعاياتهم، ورصد الأضرار التي تلحق بالولايات المتحدة بسبب انحيازها إلي اسرائيل.
وشرح فندلي الخلفية التي دفعته ،كما أصدر كتاب "من يجرؤ علي الكلام "،الذي يلقي فيه أضواء كاشفة علي القوي الصهيونية الضاغطة في الولايات المتحدة، ومدي تأثيرها في صناعة القرار وفي سياستها الخارجية.
ويبقي الجدل مستمرا حول حقيقة نوايا الغرب،وكرد فعل طبيعي ،وما بين فكرة إعلان العداء والمقاطعة الاقتصادية والثقافية ،ولو بصورة تدريجية أو التعايش الإيجابي الحذر، تتابين الرؤي في الشارع العربي
،وحتي في أوساط النخب ،فالبعض يري ضرورة اتخاذ مواقف حاسمة ،والبحث عن إيجاد آليات جديدة للتواصل مع الآخر وخاصة مع الدول الرافضة للسلام وحل الدولتين ولو مؤقتا،والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني الجريح وتسهم بطرق مباشرة وغير مباشرة في تصفية قضية فلسطين قضية العرب الأولي..
و"الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
صدق الله العظيم.