الفهلوة والعولمة

الأربعاء 11 مايو, 2022

لا ريب ان قدم تاريخ الأمم وحضارتها لا يضمن ابدا حاضرها ورفاهيتها وتقدمها، فمن يفتخر بأجداده يجب عليه ان يسلك مسلكهم ويطرق طريقهم وينهج في منهجهم، فالرفاهية تصنع ولا تستورد من الخارج ابدا،الرفاهية التي اقصدها انا صناعتها يجب ان تكون محلية ومصرية الصنع، كما ان صناعتها تستوجب العرق والاتقان والضمير ونبذ كل اشكال الفهلوة،فالرفاهية لا تنالها الشعوب كون جدودها الاولين كانوا متقدمين وأصحاب علما عظيما ولديهم الاهرامات والمسلات والطب والتحنيط،وما ذنب الاجداد طالما ان احفادهم لم يحفظوا ويحافظوا على هذا الإرث، وطالما لم يطورا من أنفسهم حيال ذلك العلم،
حمدا انهم سافروا للعالم الاخر، فلو كان اجدادنا احياء الان لماتوا مجددا من الحسرة مرة أخرى وعادوا إلى توابيتهم، قبل ان تتلوث أذانهم وعقولهم بأغاني المهرجانات، عوضا عن اناشيدهم الدينية وابيات الشعر التي حفظتها البرديات خاصتهم،لقد أصبحنا نعيش في عالم الفهلوة وتشغيل الدماغ والمكسب السهل ثم نشتكي من قسوة الحياة وتأمر الدول علينا،يا سادة نحن من يتأمر علينا، فمنا المؤامرة والينا تعود نتائجها!
فالتاجر الذي يبغى المكسب السريع هو سارق، والعامل الذي يهوى الوظيفة المريحة لن ينتج إلا كسله وتدلى كرشه، والمحامي الذي يهوى تلفيق الأدلة هو مجرم خريج حقوق، والمهندس الذي يغش في مواد البناء بيوته لن تدوم وقد يسقط احداها على راسه، والطبيب الذي نجح بالواسطة هو قاتل مأجور، يا سادة نحن لا تتآمر علينا الدول فنحن كفيلين بأنفسنا،وان لم نقلص ونقتنص من ذلك الفساد فالقادم أسوأ، فألد أعداء الانسان هو نفسه، وان فسد الداخل فلا جدوى من اصلاح الخارج، ولو أجريت كل عمليات التجميل المتاحة! لذا فان قسوة الحياة التي نشتكي منها الان هي صناعه محلية تسمى الفهلوة، فنحن في الحقيقة نتامر على أنفسنا ثم نشتكي من المؤامرات وموائمات الدول الأخرى، لان من عيوب الفهلوة انها سلعة تنتج عندنا ثم نستخدمها نحن فقط، فهي للأسف سلعة لا يمكن تصديرها للشعوب الأخرى،
انها تنتج منا والينا تعود كدائرة بلا نهاية ولا بداية،
والحل ان نخرج من تلك الدائرة الفهلوية إذا اردت ان تتقدم وان تقضي على كل الاشكال غير الحضارية والمجتمعة تحت مسمى الفهلوة،في اعتقادي ان أفضل ما يمكننا ان ننتجه محليا هو الضمير،انه السلعة التي تندرج اسفلها كافة السلع الأخرى فإذا ما نجحنا في انتاج تلك السلعة لصرنا انجح الشعوب وأكثرها رفاهية، كما انها سلعة قابلة للتصدير الخارجي لان الجودة ينتجها الضمير والسلعة السيئة هي نتاج الفهلوة،لذا الاهتمام بإتقان الصناعة والزراعة والعلم وتقديم الخدمات العالية في السياحة وكافة المجالات هو الحل،
الاتقان ونبذ الفهلوة, ان نحترم أنفسنا وان لا نجعل حضارتنا وتاريخنا يخجلان منا،فنحن الشعب الذي كان يسمع لام كلثوم وقصائدها والان صار لنا في المهرجانات الغنائية فنا ومجالا وساحة!
فلو سمعت ام كلثوم ما نسمعه الان لماتت كمدا، وقال لسان حالها انهم ليسوا شعبي ولا بلدي ولا الناس اللذين كنت اعرفهم واعيش بينهم،
فقد سرقت بلدنا واغرقت بكافة ألوان الفهلوة، طالما ما لم نصقل خبرتنا العلمية والصناعية فلن نتحصل على الرفاهية ابدا،
وطالما نستورد خبزنا وطعامنا من باقي الشعوب فسوف نظل تحت وطأتهم وتحكمانهم وان ندفع لهم وبعملتهم المحلية،
فمن ملك خبزك ملك حياتك أيضا!
وأخيرا من عيوب الفهلوة انها تمتد للأجيال القادمة ويتوارثها الأبناء والاحفاد، لذا لا شك ان صناعة الضمير تبدأ من البيت ودور العبادة،
ان الضمير هو السلعة الأساسية التي تلد كل السلع الاخرى،
كما اقترح على الدولة ان تضع تلك السلعة)الضمير( ضمن مقرارات التموين كسلعة أساسية مثل الدقيق والزيت!
فبدونها يموت الانسان ويعيش على الفهلوة التي هي الموت الحقيقي للشعوب وان كانوا يرقصون على موسيقى واغاني المهرجانات،