أزمة النخبة الجامحة.. وفقدان الهوية والإنتماء!!

الأحد 17 أبريل, 2022

في بلادي تعاني نخب مصر ومثقفوها من أزمة إغتراب مفتعلة، وغير مبررة وحالة من الخصام الحاد والعداء مع المجتمع وهموم البسطاء وتطلعاتهم !.
وأتصور أن تخلي النخبة عن دورهم وعن الإضطلاع بمهمة التنوير الحقيقي ومساندة جهود البناء ، وتآليب المجتمع وقت الأزمات، هي جريمة مقصودة مكتملة الأركان مع سبق الإصرار لتحقيق غايات خبيثة هدفها نسف فكرة الهوية والانتماء، وما تحقق من إنجازات ،وفي زمن المحن والتحديات، متي يبلغ البناء تمامه إذا كنت تبني وغيرك يهدم !.

 وتعود فكرة النخبة لمصطلح "النخبوية" وهي الاعتقاد أو تبني فكرة أن الأفراد الذين يشكلون نخبة المجتمع ،هم مجموعة معينة من الناس ذوي أصول معينة ولديهم مستوى فكري مميز وثروة ومهارات وخبرات متنوعة،و هم الأكثر احتمالًا وكفاءةً في بناء المجتمع ككل، ولذلك يستحقون نفوذًا أو سلطة أكبر من سلطة الآخرين. 

إنَّ نظرية النخبة هي تحليل يعتمد على علم الاجتماع أو السياسة لتأثير النخبة في المجتمع ،حيث يعتبر أصحاب النظريات أن التعددية فكرة مثالية،وترتبط النخبوية ارتباطًا وثيقًا بالتقسيم الطبقي في المجتمع وما يسميه علماء الاجتماع بالتدرج الاجتماعي.

 كما يُستخدم مصطلح النخبوية في بعض الأحيان للدلالة على الحالات التي تُمنح فيها مجموعة من الأشخاص ،الذين يدّعون امتلاك امكانات عالية امتيازات إضافية على حساب الآخرين، وهو تمييز ممقوت في كل الأحوال!..

وبعيدا عن التأصيل  العلمي والاجتماعي والفكري ، 
أتصور أن النخب النموذجية من مختلف الفئات لها دور أساسي في تحقيق النقلة المعنوية والمادية المجتمع، التي تسهم في نهضته وتقدمه ،
والسعي لابتكار أفكار تنموية نافعة ،وإيجاد حلول غير تقليدية تسهم في إحداث التغيير والبناء، والشواهد كثيرة ، رموز ومعاول الهدم نطالعها يوميا عبر الفضائيات ومنصات التواصل.
، من آن لآخر  لا عجب أن تصدمنا أفكارهم الشاذة وجمحوهم الفكري ،الذي ضاعفت آثاره هموم الناس العصرية ومعاناتهم  وأوجاعهم ،وسط هذه الظروف الراهنة الملتبسة متلاحقة المتغيرات.

وما يهمنا في عصرنا الحاضر فئتين أساسيتن ، هما النخبة المثقفة ورجال الأعمال،  منوط بهما مسؤولية كبيرة في البناء المادي والمعنوي للمجتمع وتحصينه وقت الأزمات والملمات ، والحفاظ علي الهوية الوطنية الأصيلة.

لكن شواهد الأحداث تؤكد عمق أزمة النخب المعاصرة علي مستوي المفكرين المثقفين، إلا ما  القليل منهم، فقد تخلت عن دورها وتصدت لإثارة الفتن، والتشكيك في التراث وثوابت الدين والهوية، علاوة علي آفات الكبر والفصام المجتمعي ،والدعوة لأفكار متحررة تصطدم أحيانا مع العقيدة ،وما استقر لديه من قيم إيجابية وأعراف وعادات، مثلت سياجا قويا لحياة إجتماعية مستقرة ومتزنة.

وأحيانا تبث رسائل مضللة، غايتها تزييف الوعي، من خلال الدعوة لأفكار غريبة مسمومة ،تكرث الثقافة الاستهلاكية السائلة المنفتحة،
والأدهي أنهم يسهمون بقصد أو بدون وعي في تنفيذ مخططات هدم وتدمير المجتمعات من الداخل،وغرس قيم ومفاهيم سلبية للأسرة والحياة والوطن لدي عقول الشباب والأجيال الجديدة. 

كنت أتصور أن يخرج رموز من هؤلاء مدعي الثقافة والفكر الفلسفة، بالدعوة لمشروع حضاري ثقافي للحفاظ علي هوية الوطن وهوية الأمة العربية والإسلامية ،وإقتراح وسائل التحصين تجاه موجات العولمة والثقافات الواردة ومحاولة فرض نظام أممي جديد له ثقافته وادبياته وقوانينه الخاصة.
ولا أدري متي يتوقف هؤلاء عن مناقشة قضايا لها علاقة بالعقيدة والتراث ولماذا لا يقدمون للناس أفكارا  وإعلاما نافعا ، أو يوجهون سهام أفكارهم التنويرية تجاه الصهاينة أو تجاه المتعصبين المارقين عن طريق الحق والهداية أو تجاه المتلاعبين بأقوات الناس في صراع المصالح محليا وإقليميا وأمميا؟!.

أما نخب رجال الأعمال فقد افتقدنا النموذج الوطني الراشد، إلا ما رحم ربي 
، فقد كنت أتمني أن يضطلع هؤلاء، وأصحاب الثروات بمهامهم الوطنية والإنسانية والدعوة لمبادرات لخفض الأسعار والشراكة الجادة مع جهود الدولة والقوات المسلحة والشرطة والمساهمة الفعلية في تجاوز تداعيات حرب أوكرانيا المرة ،ورد الجميل لأهل المحروسة ، بدلا من إستغلال الأزمة وصنع أزمات أخري، والتربح ومضاعفة سعر بعض السلع الاستراتيجية ومواد البناء!.

ولو تتبعنا التاريخ سنجد أن النخب والمفكرين في كل بلدان الدنيا المتحضرة ،كانت وماتزال منارات للمعرفة ،ومصدر الرأي السديد ،الداعم الأساسي لفكرة الرقي وتحقيق جودة الحياة والنزوع لدنيا مثالية.
وعبر تاريخ مصر كانت النخبة داعما للهوية وغرس قيم الانتماء والوطنية ،لكن أزمة النخب المعاصرة أنها ترتدي ثياب التحرر ، والنفعية والتوحش الرأسمالي وتكريث أنماط الاستهلاك وخلق احتياجات لا حدود لها تصب في نهاية المطاف في صالحها.

والحق يقال أن الدولة بكافة أجهزتها تبذل جهودا حثيثة لتجاوز كافة التحديات ،والأزمات المتتالية ، علاوة علي دروها الأساسي في الحفاظ علي الأمن القومي والهوية الوطنية الأصيلة.
وأتصور أن للنخبة من  الإعلاميين والمثقفين والمفكرين دورا مكملا وداعما، ومهما لاتمام البناء القيمي الإيجابي، في هذه الآونة التي اختلط فيها الحابل بالنابل ،وتغيرت المعايير ، من خلال تغيير لغة الخطاب الإعلامي،وتدشين دعوات متفائلة لرفع الروح المعنوية، ورفض دعوات الإحباط ورسائل 
التشكيك و تضليل الرأي العام وإفساد عقيدة الناس والعبث في منظومة القيم الإيمانية.

وفي زمن الجمهورية الجديدة التي حققت معدلات تنموية هائلة وإنجازات حقيقية وغير مسبوقة شهد بها العالم شرقا وغربا ، أتصور أنه لا مكان بيننا لمثل هؤلاء المرجفين المتاجرين بقوت وعقول الناس، بعد أن لفظهم المجتمع واستقبح رؤاهم وأفكارهم ودعواتهم الهدامة، وأصبحوا نموذجا للمتطرفين الجدد الذين  يهددون أمن وسلامة الوطن.
ويجب أن تضع أجهزة الدولة حدا لتجاوزاتهم ، فقد تخطوا كل الحدود وكل الخطوط والضوابط الانسانية والمجتمعية وقفزوا علي كافة القيم المصرية الأصيلة ،وستبقي مصر آمنة و أقوي من كل المكائد.