التربية ج (٦)

الخميس 24 مارس, 2022

نستكمل ما بدأناه عن التربية وحديثنا عن التربية النفسية:
7- الإقناع بالأدلة والإشعار بعظم الخطأ:-
وهذا ما رأيناه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم مع الذي كان يسأله عن الزنا فأقنعه بالمنطق وعظم الخطأ في حق الغير أن هذا خطأ وجعله يكره أن يعود إليه.
فعند استخدام المنع بكلمة (لا) بشكل دائم ومطلق دون إيجابية بالإقناع يولد السلبية مع الطفل والنفور من الأهل بل الأفضل هو أن نستخدم الإقناع بالخطأ الذي يقع من النشء أو عند رفض شيئاً ما، وما هو الأفضل ولماذا رفضنا. فيكون هذا أفضل وسيلة لإقامة حوار مثمر ومقنع مع الطفل وبداية لإنشاء صداقة وصراحة بين الأهل والأبناء.
8- الثناء والمدح وعدم النقد كثيراً لإعطاء الثقة والأهمية:-
-قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر:-
(ونعم الرجل عبد الله).
وكان النبي يشيد بهم لتزيد ثقتهم في أنفسهم وإحساسهم بالاحترام فكان يقول عن الشاب معاذ بن جبل مشيداً بمكانته العلمية:-
(أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل).
واختار النبي قبيل موته أسامة بن زيد رغم صغر سنة وكان عمرة 17 عاماً لقيادة جيش إلى الشام به كبار الصحابة أمثال أبو بكر وعمر بن الخطاب وهذا لتحفيز الشباب على الجهاد طالما بهم القدرة على القيادة.
وكان زيد بن ثابت كاتب الوحي للنبي وهو في عمر13 عاماً وتعلم اللغة السريانية والعبرية فكان ترجمان النبي لمقدرته وكفاءته.
وكان عتاب بن أسيد ولاه النبي مكة بعد فتحها وكان عمرة 18 عاماً.
ليدفعهم ويشجعهم ويحثهم على العمل في الحياة وأعمال الخير، وتأكيداً على استخدام الكفاءة مهما كان السن. فكلما تم الثناء على المتعلم كان هذا حافزاً له وإعلاء لفكره وتقويته لإظهار رأيه وإعطاءه الثقة والدافع للنجاح والتعلم والتقدم في حياته، أما العكس إن حدث فلا يوجِد بداخل النشء والفرد سوى الطاقة السلبية والاستنفار من الأهل.
فيجب تشجيع الأطفال وعدم التسفيه من أعمالهم وأفكارهم وعدم نهرهم عند عدم فعل الشيء على أكمل وجه، فيجب إبراز الصفات الإيجابية والتشجيع للأطفال حتى عند الإخفاق فنحتويه ونشجعه لعمل الأفضل إلا إذا كان الطفل لا يبالي فهنا يستخدم أسلوب الثواب والعقاب والذي سنأتي لشرحه في النقاط القادمة. فمثلاً إذا لم يحصل الطفل على الدرجة النهائية بالامتحان نعلمه أن هذا جيد، ولا ننهره حتى يتشجع للعمل على الوصول للأفضل. فيجب على الأهل دعم الأطفال لتحقيق أهدافهم وذاتهم وحلمهم حتى يصلوا له مهما كانت قدراتهم فيجب على الأهل مساعدتهم وتشجيعهم.
9- عدم التوبيخ والانتقاد:-
-قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر عندما عاير أحدهم بأمه:-
(إنك أمرؤ فيك جاهلية).
 فلا يصح معايرة الغير بشيء فواجهه النبي بعيب به حتى لا يعود لمثل هذه الفعلة كأسلوب تعليمي.
فالتوبيخ باستمرار وبشدة يجعل من المتعلم يجبن ويخاف أن يظهر برأيه فتأتي بنتيجة عكسية غير مرجوة وإنما الأفضل هو التعليم وتصحيح الخطأ بالحسنى وبالمواجهة السليمة.
10- الهدوء بالتربية والتوجيه:-
-قال الله تعالى:-
(وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ).
من المهم أن يكون الإرشاد من الأهل والمدارس بالحسنى والصوت الهادئ وليس بارتفاع الصوت والمجاهرة حتى يتقبل الطفل النقد والتخطيء.
فعند التأديب بالتوجيه والتربية لابد من الهدوء مع الطفل حتى لا يحدث عصبية ويكون التصرف مع النشء سليم فالقسوة والعصبية تؤدي لنتائج عكسية. والتأديب المقصد به التربية وليس الضرب والعنف والإهانة لمنع العنف سواء جسدياً أو لفظياً.
فلا يصح أن نصرخ على الطفل ونطلب منه الهدوء بالتعامل مع رفاقه، ولا تكون التربية بالضرب لتأتي التربية، وإنما ستأتي بشخص قلق ومشتت وناقم على المجتمع وتحوله لشخص عنيف ومستبد برأيه بعد ذلك أو شخص متقبل للاستبداد والكبت والقهر. هذا غير أنه لن يتقبل النصح والتربية إذا كان بأسلوب فظ وبعنف أسري عليه.
وأيضاً الأسلوب في التوجيه لا يكون بطريقة آمرة وإنما بطريقة طلب وتوعية إلى الأصوب والأصلح وإظهار ما هو سبب أن يكون هذا الأمر هو الأصلح، وبوضع خيارات أمام النشء ليتعود على التفكير السليم واختيار الأصلح له ولماذا يختاره وكيف يختار، وليتعلم أسلوب الحوار والنقاش وتقبل الرأي الآخر.
وقد وضحت لنا في الآيات القرآنية وأحاديث النبي التي ذكرناها في التربية وفي باب الحياة الاجتماعية كيف يكون الحديث وكيف يكون الطلب بتوعية وبتسبيب المنهيات وغيرها للناس لإتباع تعاليم الدين والفكر الإسلامي وليس بالأمر بدون توعية وتذكير.
11- التقارب بين الأهل والأطفال:-
من المهم أن لا يوجد حواجز بين الأهل والأطفال ولو باللعب كما كان يفعل النبي مع الأطفال فكان يجالسهم ويلاعبهم ويبكي على عصفور الطفل فكل هذا يقربهم من بعضهم.
فعندما وجد النبي طفل يبكي لاعبه ولاطفه ليشعر الطفل بالاهتمام ويتعلم اخراج المشاعر من داخله ويتعلم الحوار مع الآخرين. فيبنى التقارب والصداقة مع الأطفال.
فلابد من إعطاء مساحة للحوار بين الأهل والأبناء من أجل كسب الثقة والاحترام والمصارحة بينهم، والاستماع والإنصات الجيد لهم ولأسئلتهم ولمشاكلهم وهموهم وقصص حياتهم حتى لو بسيطة مع معالجة أخطائهم بطريقة لينة ودون عنف، والعمل على زيادة هذه المساحة من الصداقة والحوار بينهم خاصة وقت المراهقة لكي يتقبل الطفل منذ نشأته نصائح الأهل.
وهذا حتى عندما يصل الطفل لمراحل عمرية متقدمة يكون التقارب والصداقة مع الأهل دافع لهم أن يصارحوا أهاليهم بكل مشكالهم وما يمكن أن يحدث لهم مع أصدقائهم، وليجدوا صدى لمن يسمعهم، كما أنه يساعد على أن يتقبل الشاب في سن المراهقة رأي أهله في حياته ومجرياتها. ولكي يستطيع الأهل معرفة أين هو ومن يصادق وما هي تصرفاته. فيحدث مصارحة وتقارب للمسافات وتقليل الفجوة بين الأهل والأبناء في هذه المرحلة العمرية الحرجة.
فيجب التواجد بحياة الطفل دون سيطرة كاملة عليه.