صدمة "أوميكرون" .. وفجوة اللقاحات

الأربعاء 8 ديسمبر, 2021

 

لم تتخلص دول العالم بعد من آثار الموجات المتلاحقة من 
متحورات الكوفيد الشرس ، حتي ظهرت صدمة المتحور "أوميكرون" ليعيد ترتيب الكثير من الحسابات والسياسات الإجراءات علي كافة الأصعدة المحلية والدولية.

فإلي أين تأخذنا جائحة كورونا الغامضة بعد وفاة ما يزيد عن 5 ملايين شخص ، وإصابة ما يقترب من 300 مليون بمختلف أنحاء العالم .. وهل تقف البشرية بكل ما أوتيت من علم عاجزة أمام جموح  الفيروس وتحوراته المستمرة ؟!

ومن جديد ومع ظهور "أوميكرون" قفزت لسطح الأحداث تساؤلات أخري عديدة حول طبيعة هذه التحورات 
كما عادت الأذهان للتفكير من جديد في منبع وأسباب هذه المأساة من الأساس، التي أسهمت في تغيير نمط الحياة علي سطح المعمورة بتداعيات وآثار عديدة ، كما تزايدت التكهنات أنها من صنع البشر ، لتنفيذ اهداف إقتصادية وسياسية وديمجرافية لصالح منظمات وجهات غير معلومة الهوية!!

ووفقا للأبحاث العلمية وبعيدا عن فكرة  تصنيع الفيروس  معلميا فإن قضية تحور الكوفيد الغامض هو أمر طبيعي في عالم الفيروسات ،لكن توظيف وإستثمار  الأزمة والمنافسة المحمومة بين الدول الكبري وشركاتها العملاقة لتوفير اللقاحات والأدوية، ستلقي بظلال سلبية علي مستقبل الجائحة المجهول !!

وقد أصبحنا بالفعل في عصر "بيزنس كورونا" ،فقد تحولت قضية تصنيع اللقاحات والأدوية المساعدة لتجارة رابحة ربما تزيد عن تجارة الأسلحة والمخدرات، تدر مليارات الدولارات،
ولاغرابة أن تحدث التحورات المتتالية أصداء عديدة علي أسواق اللقاحات والأدوية والبورصات العالمية وأسعار البترول ومستلزمات الأدوية، وغيرها.

وقدتزايدت أبعاد الصدمة في وقت كان الناس يأملون أن تنتهي الغمة وتتراجع بعدها موجات  العدوي المتنامية، وعلي الجانب الآخر أثار التراشق والتناطح والإتهامات المستمرة بين الولايات المتحده الأمريكية والصين حالة من التوجس والقلق، وذلك حول الأسباب الحقيقة  لإنتشار الوباء وإمكانية توظيف الحروب البيولوجية والجرثومية لتغيير صورة النظام العالمي الجديد.

ومن جديد عادت قضية تفاقم أزمة اللقاحات و غياب العدالة في التوزيع والتفاوت الكبير بين دول العالم الأول والدول الساعية للنمو 
فقد وصلت نسبة الملقحين في بعض الدول الكبري لأكثر من 70 % في حين لم تتجاوز نسبة ال10% في بعض الدول النامية ومتوسطة الدخل
وهناك بعض الدول الفقيرة لم تتلق  اللقاحات حتي الآن وفقا لبعض التقارير ،أو وصلتها أعداد قليلة جدا، كدولة مثل بورندي وهناك مشاهد مرعبة أخري بإفريقيا جراء نقص الأمصال، فمثلا كينشاسا، المدينة الضخمة التي يبلغ عدد سكَّانها 12 مليون نسمة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، قُدِّمَ للعاملين في مجال الرعاية الصحية أقل من 40 ألف جرعة لقاح فقط. 
وفي أوغندا،وفي وغيرها هناك نقص حد يؤشر لنتائج خطيرة .

 وبينما توزع الولايات المتحدة والدول الغنية الأخرى جرعاتٍ ثالثة الآن، لكن البلدان منخفضة الدخل والغالبية العظمى منها في إفريقيا، فقط 2.2% من الناس هم مَن تلقوا جرعةً واحدة !

ويعود السبب بشكلٍ أساسي إلى نقص الإمدادات من برنامج التطعيم الدولي الذي كافَحَ من أجل تأمين ما يكفي من الجرعات، وتفاقم هذا النقص بسبب عدم كفاية البنية التحتية، وتبدل السياسات والمصالح وإستمرار النزاعات المسلَّحة. 

وأتصور أن تصاعد فجوة اللقاحات كما ترصدها كل المؤشرات ستضر حتما بإقتصاديات العديد من الدول ،وستفتح  الباب لتأثير مدمر للسلالات المتحورة .
وفي تلك البلدان التي تفتقر إلى اللقاحات، تستمر الجائحة في إحداث فوضى في الأرواح وسبل العيش، وفي بعض الأماكن تتسبَّب في تعطيل الاقتصاد والمكتسبات الاجتماعية لجيلٍ كامل ، وقد يسمح التفشي المستمر للفيروس في تلك الأماكن بأن يتحوَّر إلى سلالاتٍ مقاوِمة للقاحات المتاحة حاليا !.

ولو عدنا بالذاكرة مع بداية ظهور اللقاحات وفي وقت متزامن اعتبارا من شهر نوفمبر 2020،  فقد حذرت وزارة منظمة الصحة العالمية من غياب العدالة الإنسانية في توزيع اللقاحات ، وضرورة أن تضطلع الدول الكبري بتقديم مساعدات عاجلة لتسهيل وصول اللقاحات لمختلف دول العالم لمحاصرة تفشي هذه الجائحة الأممية ،
ومع الهجمات الشرسة المتتالية لكوفيد 19، صدمتنا منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة  مؤخرا بإعلان الأرقام الحقيقية لمن تلقوا التطعيمات بالدول الكبري مقارنة بالدول المتأخرة محدودة الدخل ،كما كشفت عن عمق الفجوة بين دول العالم الأول وما دونه في فرص الحصول علي اللقاحات.

وقد أصابت تحذيرات
منظمة الصحة العالمية مؤخرا دول العالم بالهلع من مخاطر المتحور أوميكرون مؤكدا أن سلالة أوميكرون من المرجح أن تنتشر على مستوى العالم مما يشكل خطرا عالميا "مرتفعا للغاية"، وحثت المنظمة التابعة للأمم المتحدة في توصية فنية للدول الأعضاء وعددها 194 دولة على الإسراع بتطعيم الفئات ذات الأولوية و التأكد من وضع خطط لتخفيف الأزمات للحفاظ على الخدمات الصحية الأساسية ،وإجراء المزيد من الأبحاث حول المناعة المكتسبة بعد الإصابة.

وتخشي معظم الدول  تكرار سيناريو الغلق الكامل بعد تفاقم معدلات الإصابة  بجنوب أفريقيا وفرض قيود السفر والحظر ، مما قد يعود بالعالم 
لسيناريو العام الأول لكورونا وإصابة قطاعات إقتصادية عديدة بالشلل. 
 خاصة مع ظهور حالات متفرقة بالعديد من دول أوروبا كألمانيا   وهولندا والدانمارك وألمانياوفرنسا والبرتغال ،وأيضا إكتشاف حالات بإستراليا وغيرها، وإعلان اليابان غلق حدودها مع الأجانب.

لقد أصبح العالم بأممه التي تدعي أنها متحدة أمام إختبار دهري جديد ،إما تكون أو لا تكون، فالخطر يهدد الجميع كبارا وصغار علي حد سواء، ولابد من  التعاون الصادق والتكاتف الفعال لتجاوزه ودرء مخاطره المتزايدة، وإعادة توزيع وتوفير اللقاحات بصورة منطقية ومنصفة.