حينَ يَكتُبُ الكونغرسُ وصايتَهُ على لُبنان، سيادتُنا خَطٌّ أحمَر
السبت 6 ديسمبر, 2025بقلم د. ليون سيوفي – باحثٌ وكاتبٌ سياسي، ومرشّحٌ سابقٌ لرئاسةِ الجمهوريّةِ اللبنانيّةِ
في لحظةٍ سياسيّةٍ تزدادُ فيها الضُّغوطُ على الدولةِ اللبنانيّةِ، وصلَت رسالةٌ من مجموعةٍ من أعضاءِ الكونغرسِ الأميركي، من الحزبين الجمهوريّ والديموقراطيّ، مُوجَّهَةٌ إلى رئيس الجمهورية وإلى رئيسِ الحكومةِ. جاءتِ الرسالةُ بصيغةٍ تُشبهُ الإنذارَ المُباشِر، تُطالِبُ بنزعِ سلاحِ «حزبِ الله»، ولو باستخدامِ القُوّةِ إذا لَزِمَ الأمرُ، مُحمِّلَةً الحكومةَ اللبنانيّةَ مسؤوليّةَ «اقترابِ لُبنان من حربٍ مُجدَّدة»، ومُهدِّدَةً بصعوبةِ استمرارِ الدعمِ الأميركيِّ إذا لم تُنفَّذ هذه المطالبُ.
هذهِ الرسالةُ ليست موقفًا دبلوماسيًّا عابرًا، بل نَصًّا يحملُ طابعَ الوِصايةِ مكتوبًا بلُغةٍ فَوقيّةٍ، يتعامَلُ مع لُبنان وكأنَّه دولةٌ بلا سيادةٍ، أو مساحةٌ قابلةٌ لإعادةِ الضبطِ وفقًا لمصالحِ الآخرين. إنّها مقاربةٌ تتجاهلُ الواقعَ السياسيَّ والأمنيَّ المُعقَّد، وتتخطّى حدودَ المصلحةِ الوطنيّةِ، وتَسعى إلى فَرضِ خياراتٍ خطيرةٍ على الدولةِ قد تفتحُ البابَ أمامَ صِدامٍ داخليٍّ يُهدِّدُ السِّلمَ الأهليَّ برُمّتِه.
اللافتُ في الرسالةِ أنّها تُحمِّلُ الدولةَ اللبنانيّةَ وحدَها مسؤوليّةَ ما يجري، وتَتغاضى عَمدًا عن الخُروقِ الإسرائيليّةِ اليوميّةِ لِلسيادةِ اللبنانيّةِ، وعن استمرارِ الاعتداءاتِ التي تُبقي الجنوبَ في دائرةِ التوتّرِ. فكيفَ يُطلَبُ من لُبنان فَرضُ ترتيباتٍ داخليّةٍ بالقُوّةِ، فيما يعجزُ المجتمعُ الدوليّ عن فَرضِ وقفٍ للاعتداءاتِ الخارجيّةِ؟ وكيفَ يُلامُ لُبنان على واقعٍ يُصاغُ خارجَ حدودِه أكثر ممّا يُصاغُ داخلَها؟
إنّ ما تَسعَى إليه واشنطن عبر هذه الرسالةِ هو دفْعُ لُبنان إلى حلٍّ أمنيٍّ أحاديٍّ، بمعزلٍ عن رؤيةٍ وطنيّةٍ شاملةٍ، ومن دون أيِّ ضماناتٍ حقيقيّةٍ للاستقرارِ. إنّه ضَغطٌ يهدفُ إلى إعادةِ تشكيلِ الداخلِ السياسيِّ بالقُوّةِ، وجَعْلِ الدولةِ طرفًا في صراعٍ داخليٍّ مفتوحٍ، من دون الاعتبارِ لمسؤوليّتها في حمايةِ الوحدةِ الوطنيّةِ ومنعِ الانفجارِ الداخليّ.
لكنّ لُبنان ليسَ ساحةً للتَّجارِبِ، ولا مساحةً فارغةً يمكنُ إعادةُ صياغتِها بإملاءاتٍ خارجيّةٍ. فحمايةُ السِّلمِ الأهليِّ، وتعزيزُ المؤسّساتِ، وتحصينُ القرارِ الوطنيِّ، هي أولويّاتٌ تَتقدّمُ على كلِّ الرسائلِ القادمةِ من وراءِ البحارِ. والدولةُ اللبنانيّةُ ليست مُلزَمةً بأن تكونَ أداةً في يدِ أحدٍ، بل هي مُلزَمةٌ بأن تُديرَ ملفّاتِها بما يَنسجمُ مع مصلحتِها العُليا ووحدتِها الداخليّةِ.
ولُبنان قادرٌ على أن يردَّ، بوضوحٍ ومسؤوليّةٍ...
نحنُ مَن نُحدِّدُ مصيرَ وطنِنا، ونحنُ مَن نُديرُ شؤونَنا الداخليّةَ بما يَحفظُ وحدتَنا واستقرارَنا. فاتركونا نَعملْ بسلامٍ، نُرمِّمْ دولتَنا ونَحمي سيادتَنا بعيدًا عن الضُّغوطِ والوَصاياتِ. فسيادةُ لُبنان خَطٌّ أحمرُ لا يخضعُ للمساومةِ.
وفي زمنٍ تتكاثرُ فيه رسائلُ التهديدِ، تبقى الحقيقةُ أنّ خيرَ لُبنان يُصنَعُ في لُبنان، وأنّ مستقبلَه لا يُكتَبُ في واشنطن ولا في أيِّ عاصمةٍ أخرى، بل على طاولةٍ وطنيّةٍ تُديرُها إرادةُ أبنائِه وحدهم..