المطامع الخبيثة لإثيوبيا الحبيسة !!

السبت 27 يناير, 2024

لا يختلف اثنان من المنصفين أن دولة إثيوبيا أصبحت، وأمست دولة عدوانية مزعجة لا تحترم تعهداتها، وقواعد القانون الدولي والإنساني، وتؤهل نفسها مع مرور الوقت للعب أدوار سياسية قذرة، ستكشف عنها الأيام المقبلة لامحالة.

وقد تسببت بمواقفها المتعنتة، وإجراءاتها الأحادية المتعسفة في توقف وتعقد ملف سد النهضة، وإفشال كل جهود التوافق للتوصل لاتفاق عادل يضمن حقوق جميع الأطراف، وحتي إشعار آخر!.

وقبل عدة أشهر ،وبكل وقاحة كما هو معهود عنها أعلنت إثيوبيا علي لسان رئيس الوزراء آبي أحمد أن قضية النهر والبحر هما بالنسبة لها، قضيتا حياة أو موت، ولا ولن تألو جهدا في العمل لتحقيق طموحاتها التنموية والاقتصادية، وبأن يصبح لها موضع قدم علي شاطئ البحر الأحمر باعتبارها دولة حبيسة لا موانيء لها!.

وكما اعتادت أديس أبابا علي انتهاج الطرق الملتوية لتحقيق أطماعها. أبرمت اتفاقا مع المنشقين عن دولة الصومال فيما يعرف  ب"أرض الصومال" يسمح لها باستئجار منفذ بحري لها في منطقة ميناء بربرة.
 ويبدو أن أديس أبابا التي تعمدت كثيرا الإضرار بدول الجوار وفقا لحوادث تاريخية مشهودة لا تكترث كثيرا بالمواثيق والتعهدات الدولية، التي تحدد أطر العلاقات وسيادة الدول، وستبني مع الأيام جدارا من الخصومة الحادة مع جيرانها، سيؤدي لا محالة إلي توتر العلاقات وربما تفجير الأوضاع بمنطقة القرن الأفريقي.

 وفي تصرف يتصف بالحماقة السياسية والتهور، وقع رئيس الوزراء الإثيوبي مؤخرا  مذكرة تفاهم مع "رئيس" أرض الصومال "صومالي لاند" التي أعلنت انفصالها عن الصومال في مايو 1991، دون أن تحظى بأي اعتراف من أي دولة في العالم !.
وفي كلمته التي ألقاها في حفل التوقيع على مذكرة التفاهم، قال "رئيس" أرض الصومال موسى بيهي عبدي: "من المقرر أن تصبح جمهورية إثيوبيا الفيدرالية أول دولة أفريقية تعترف رسمياً بجمهورية أرض الصومال، والتي ستقوم  بتأجير 20 كيلومتراً من البحر لإثيوبيا، وستتمكّن إثيوبيا من استخدام ميناء بربرة.

وبحسب رؤية آبي أحمد، فإن مذكرة التفاهم تهدف إلى تحقيق الشراكة والتعاون، بين جمهورية إثيوبيا وأرض الصومال، لتكون إطاراً لتعزيز الشراكة الأمنية والاقتصادية والسياسية بين الجانبين، وتمهد الطريق لتحقيق تطلعات إثيوبيا في تأمين الوصول إلى البحر وتنويع وصولها إلى الموانئ البحرية.
كما كشفت مصادر إلى أن الاتفاق سيمكّن إثيوبيا من استئجار منفذ لاستخدامه كقاعدة عسكرية، ولأغراض تجارية لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بدولة أرض الصومال ومنحها حصة من أسهم في شركة الخطوط الجوية الإثيوبية، أو أسهماً في شركة الاتصالات الإثيوبية (إثيوتيليكوم).

وبطبيعة الحال أثار توقيع هذه المذكرة غضبة دولة الصومال التي استدعت سفيرها من أديس أبابا للتشاور، وأعلنت رفضها وإدانتها لمذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وأرض الصومال، ووصف بيان صادر عن مجلس وزرائها المذكرة بالباطلة، وأنها تمثل انتهاكاً لسلامة الصومال ووحدة أرضه، وأكد البيان أن أحداً لا يستطيع التصرف أو التنازل عن أي جزء منها.

يحدث هذا وسط هذه الظروف الدولية المتشابكة، وفي الوقت الذي لاذ فيه الاتحاد الأفريقي- الذي تستضيف أديس أبابا مقره- بالصمت  المريب!.

 وكما هو متوقع فقد  أدانت جامعة الدول العربية الخطوة الإثيوبية، ورفضت على لسان المتحدث بإسمها استغلال هشاشة الأوضاع الداخلية في الصومال لاقتطاع جزء من أراضيه.
كما استنكرت مصر عبر مختلف قنواتها السياسية والدبلوماسية الإعلامية هذه الخطوة وحذرت من المضي قدما في إتمام هذا الاتفاق الخبيث!.
وأكدت القاهرة أن الخطوة الثنائية الإثيوبية مع أرض الصومال، أدخلت منطقة القرن الأفريقي في شقاق جديد، وربما تؤدي لتوسعة الفجوات وزيادة حدة التوترات بينها وبين دول الجوار، وتقويض عوامل الاستقرار في المنطقة.

وشدّدت مصر على ضرورة احترام أهداف القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، ومنها الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء ووحدة أراضيها واستقلالها، وعدم تدخل أي دولة عضو في الشؤون الداخلية لدولة أخرى.

وقد أثار هذا الاتفاق  ردود أفعال إقليمية من دول عدة، إذ أدانته السودان وجيبوتي باعتباره، إخلالا بوحدة  دولة ذات سيادة وتتمتع بعضوية الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والأمم المتحدة.

والسؤال الذي يطرح نفسه..لماذا جاء هذا الاتفاق في هذا التوقيت، وما هي أهم أهدافه الاستراتيجية في ظل أزمة سياسية داخلية في إثيوبيا، التي تشهد حروباً وصراعات داخلية بين السلطة المركزية وعدد من الأقاليم ذات الثقل السياسي والديموجرافي، ومن أمثلتها الصراع مع الأورومو، والأمهرا والتجيراي، وبني شنقول، وغيرها..
 وهي صراعات تهدد وحدة إثيوبيا التي تمضي عبر مذكرة التفاهم هذه إلى الاعتراف بانفصال أرض الصومال عن الوطن الأم، دون اعتبار لانعكاس ذلك على أوضاع إثيوبيا الداخلية القابلة للتفاقم، والذي يمكن أن يفضي إلى التأثير السلبي على سلامة أراضيها ووحدتها.

كما يجيء التوقيع على هذه المذكرة، في ظل احتدام الصراع في البحر الأحمر، لا سيما بعد دخول اليمن، وبشكل رسمي مناصراً لفلسطين في مواجهة الحرب التي أشعلتها "إسرائيل" في غزة منذ ما يزيد عن 3 أشهر، وفي ظل محاولات غربية صهيونية تقودها أميركا لتشكيل تحالف دولي لتغيير خريطة الشرق الأوسط.
 
ولا ريب أن الخطوة التي اتخذتها إثيوبيا في الأول من هذا الشهر مع أرض الصومال، ستجدد الصراعات مع أديس أبابا، فالصومال ما يزال يطالب باسترداد إقليم "أوجادين" من إثيوبيا، ويواجه تحدي المحافظة على أراضيه الحالية من أي أطماع جديدة. 
كما ستنكأ الجراح المندملة التي سببتها مساعي أثيوبيا للاستئثار بالمياه والتحكم فيها، وتورطها قبل سنوات في بناء السدود دون تنسيق مع السلطات الصومالية، مما تسبب  في تجفيف منابع نهري  جوبا وشبيلي، وانخفاض  مسنوب المياه في العديد من فروعهما.

كما سيعيد للذاكرة الصراع مع أريتريا التي دخلت في حرب مع إثيوبيا بسبب الصراع على أراض أريترية، أثار قلقها تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي، الذي عبّر فيه عن مطامع بلاده في منفذ بحري، ودفعها إلى الاستعداد لما هو قادم.
أما السودان الذي استرد جزءاً من أراضيه في منطقة "الفشقة" من إثيوبيا، وما يزال جيشه رغم الحرب الدائرة في الخرطوم ودارفور يوجه فوهات بنادقه نحو إثيوبيا، بعد تعمدها الإضرار بالسدود السودانية، ورفض التنسيق أثناء فترات ملء خزان سد النهضة، علاوة علي تهديدها الدائم في استعادة أراضي "الفشقة"، وما حولها.
كما عبر جيبوتي عن مخاوفها من الأطماع والسياسات الإثيوبية
 التي لطالما اعتبرت إثيوبيا المهدّد الاستراتيجي للأوضاع فيها.

 أما مصر التي تربطها علاقات قوية بأرتيريا والصومال وجيبوتي والسودان، فترى في السياسات المتناقضة وغير المفهومة لإثيوبيا خطراً استراتيجياً عليها، خاصة بعد توقف مفاوضات سد النهضة ورفض إثيوبيا إبرام اتفاق قانوني ملزم ينظم عمليات ملء وتشغيل السد ليحفظ لدولتي المصب حقوقهما التاريخية، وليزيل مخاوفهما المشروعة.

وبتفحص المشهد خلال السنوات الأخيرة الماضية، فمنذ أن توج آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا بجائزة نوبل للسلام قبل عدة سنوات، وهو يقود أديس أبابا لدور إقليمي مشوب بالغموض، يعتمد علي غرس التوتر واستعداء دول الجوار ، ولتقمص نموذج عصري جديد أقرب لطريقة " تل أبيب"، وبالنهج الصهيوني الذي يعتمد علي الخداع الكذب، المراوغة، التلون، والمكر، الخبث السياسي، وقد يظنه أهل الأحباش دهاء سياسيا.

لقد أجادت أثيوبيا لعبة المكر والمناورات، فاستساغها أهل الغرب لتنفيذ أهداف صناعة الأزمات وخلق الفوضي.. وكانت البداية قبل سنوات مع منحه جائزة "نوبل" زيفا وبهتانا!.

أتصور أنه آن الأوان لوقف تجاوزات إثيوبيا ، ولتلجيم هذه الدولة "الحبيسة"، عن طريق تحرك سياسي لدي الاتحاد الإفريقي الصامت، ولدي مختلف المنظمات الدولية والأمم المتحدة لفضح مخططاتها ومساعيها لغرس الفتنة وجر منطقة  القرن الأفريقي لصراع غير محمود العواقب، ربما فقط يخدم المصالح الاستراتيجية للدول النفعية الكبري، صناع الفوضي الخلاقة!... ولله الأمر من قبل ومن بعد.