راندا رزق تكتب رسالة الإمام
الدراما قادرة على إحداث نقلة حضارية في المجتمع بتسليط الضوء على القصص الهادفة، والأعمال المبدعة للفكر والعقل، والدراما لا شك تسهم ـ كذلك ـ في حركة السياحة بكافة صورها يوم أن توظف توظيفا حقيقا وواعيا؛ لأن العمل الفني حين ينتقي المكان الملائم والقصة الهادفة والأسلوب الحسن يسهم - دون ريب - في تصحيح الصورة الذهنية المأخوذة عن مجتمع ما، ويغري الآخرين بضرورة التعرف بشكل أكبر وبجانب أوسع على هذا البلد وأهله.
أما السعي وراء العمل الذي يجني من ورائه ثراءً ويحصد من خلاله عرضا لا يمكث في الأرض إلا بذكر طالح فهو سعي كالزبد الذي يذهب جفاء ولا يمكث في الأرض.
حقيقي إن تصوير الجانب السلبي الوارد في بعض الأعمال الدرامية مطلوب، لكن لا بد أن يكون ممزوجا بصورة حقيقية من عقاب يزيل به العمل حتى يستهجنه الجمهور، ويزدريه الناس، وينأى الشباب عن أن يقلدوا صاحبه، يوم أن يتم التركيز على استهجان الفعل السلبي لبطل القصة.
وتبقى الرسالة الحقيقة في القدرة على التفاعل المطلوب مع الحدث الإيجابي، والبعد عن السلوك المبتذل، حتى يوصف الإنسان بالطابع الحضاري ويتفاعل مع المسئولية المجتمعية.
وتشكل الأعمال الدرامية التاريخية والدينية قدرًا كبيرًا من وعي المتلقي حيث إن تحول المادة المقروءة أو المسموعة إلي حدث بصري ، لا شك يؤثر في الوجدان
وعود على بدء يدق صناع الدراما والأعمال الفنية ناقوس إحياء الأعمال التاريخية والدينية بعد فترة من العزوف عن الخوض غمار هذه الأعمال الفنية، وفي وقت تحتاج الدولة فيه إلى الوعي الفكري نحو التحرفات التي تسلكها الدولة لاستتباب الأمن المجتمعي والثقافي في المجتمع.
يغوص هذا المسلسل في أعماق شخصية الإمام الشافعي أحد رواد علم الفقه، وثالث الأئمة الأربعة، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، ومؤسس علم أصول الفقه، ويسرد هذا العمل قصة حياة الإمام الشافعي في إطار درامي مشوق منذ ميلاده حتى وفاته، وما تخللها من علم وأحداث ومواقف مثيرة للجدل خلال حياته ، وأرائه وأفكاره التي أثرت في تاريخ الأمة، وأهم المحطات في حياة هذا العالم الجليل، ورحلاته في طلب العلم حتى استقراره في القاهرة، التي أعاد فيها تصنيف كتاب الرسالة الذي كتبه للمرة الأولى في بغداد، كما أخذ ينشر مذهبه الجديد، ويعلِّم طلابه.
ومن المتعارف عليه أن حياة الشافعي اعتورتها أحداث عصيبة في نهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث الهجري حيث كانت مصر تشهد العديد من التحزبات والتعصبات بغرض الاستيلاء على السلطة في هذه الفترة، فجاءت مواقفه داعمة للمسئولية المجتمعية وبث الأمن الأمجتمعي والاستقرار السياسي.
وحينما دخل الإمام الشافعي مصر، أنشد في حب مصر، قائلًا:
لَقَد أَصبَحَت نَفسي تَتوقُ إِلى مِصرِ ** وَمِن دونِها أَرضُ المَهامَةِ وَالقَفرِ
فَوَاللَهِ لا أَدري أَلِلفَوزِ وَالغِنى ** أُساقُ إِلَيها أَم أُساقُ إِلى القَبرِ
فالدراما حين تكون هادفة تسهم بشكل كبير في وعي المجتمع، وتصحيح الصورة الذهنية لدى المجتمع.