حاتم صادق يكتب عام علي حرب اوكرانيا

الثلاثاء 14 فبراير, 2023

أيام قلائل وتدخل للحرب في أوكرانيا عامها الثاني علي التوالي، وعلي الرغم من كل التوقعات وتحليلات المراكز السياسية والاقتصادية الغربية من ان روسيا لن تتمكن من المضي قدما في تلك الحرب اكثر من عدة اشهر، الا ان الحقائق علي الأرض تثبت فشل جميع تلك التوقعات بدرجات متفاوتة.
مسار التحليلات في اغلبه اعتمد علي تاثير حزم العقوبات الغربية والأمريكية التي تم فرضها علي روسيا منذ بدء الازمة، وتوقع الجميع ان الدولة الروسية بما في ذلك النظام السياسي سينهار تحت وقع تلك العقوبات، لكن علي عكس ما هو متوقع جاءت النتائج صادمة، وتحتاج الي ضرورة مراجعة ليس فقط تلك التحليلات ولكن الأسلوب والركائز التي بني عليها تلك الدراسات.
فقد أظهرت العقوبات الغربية ضد روسيا فشلاً ذريعاً في وقف الحرب، وانحدر خطاب الزعماء الغربيين منذ بداية الحرب نهاية شهر فبراير الماضي إلى اليوم؛ من مصاف "تدمير الاقتصاد الروسي" إلى مصطلحات تتحدث عن البحث لروسيا عن مخرج.
ومنذ نهاية فبراير من العام الماضي، وافق الاتحاد الأوروبي على 9 حزم من العقوبات ضد روسيا، تشمل قيوداً مالية وتجارية، إضافةً إلى عقوبات فردية. وحالياً، تطبّق عقوبات الاتحاد الأوروبي الشخصية ضد روسيا على 1386 فرداً و171 منظمة. وقرر الاتحاد الأوروبي، قبل أيام، تمديد تطبيق عقوباته على روسيا 6 أشهر على خلفية الأزمة في أوكرانيا، فيما يحضّر إجراءات جديدة ضد موسكو.
وجاء إقرار رئيس الوزراء البولندي، ماتيوس مورافيتسكي، وهو الرجل الأشد عداءا لروسيا وبوتين، بأن العقوبات الأوروبية والأمريكية على روسيا "ليس لها تأثير يذكر". وقال في مقابلة مع صحيفة "إنتريا" المحلية، قبل ايام، إنّ "ما يلفت الانتباه هو أنّ روسيا هذا العام والعام المقبل سوف تتطور بشكل أسرع من ألمانيا، وذلك على الرغم من العقوبات". وأضاف أنّ "روسيا تعلّمت تجاوز العقوبات أولاً، وثانياً، قفزت أسعار المواد الخام بشكل أكثر"، مضيفاً أنّ "الميزانية الروسية تحقّق أرباحاً أكبر حتى من المبيعات الصغيرة".
وفي السياق ذاته، ذكرت مجلة "إيكونوميست" أنّ العقوبات الغربية المفروضة على الطاقة الروسية لم تضر بالاقتصاد الروسي على الإطلاق.وأشارت إلى أنّ العقوبات التي فرضت في شهر ديسمبر الماضي، لم تمنع مبيعات الخام الروسي، ولم تتوقف بل غيرت وجهتها فقط من أوروبا إلى الصين والهند.
وقبل أيام، أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" أيضاً أنّ مرونة الاقتصاد الروسي جعلت من الجهود التي تبذلها الدول الغربية لإضعاف موسكو بسبب حربها في أوكرانيا، جهوداً متعثرة.
وفي وقت سابق، حسّن صندوق النقد الدولي، في تقرير له، توقعاته لأداء الاقتصاد الروسي للعامين المقبلين، وفي عام 2024، سينمو الاقتصاد الروسي بنسبة 2.1%، وهو أفضل بنسبة 0.6% من توقعات أكتوبر للفترة نفسها.
الرئيس بوتين اكد إنّ الحسابات الأولية تشير إلى أن الاقتصاد الروسي تقلص بنسبة 2.5% خلال عام 2022 بأكمله - وهو أفضل بكثير من الانكماش بنسبة 33% في الاقتصاد الأوكراني العام الماضي. حتي صحيفة "واشنطن بوست" الامريكية اكدت هي الأخرى إن العقوبات على روسيا فشلت، معترفةً بصحة البيانات التي قدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول تطور أداء الاقتصاد الروسي.لكن الصحيفة تحاول تبرير هذا الفشل بالقول إنّ هدف العقوبات لم يكن الاقتصاد الروسي وإنما "إعاقة المجهود الحربي الروسي في أوكرانيا". بالرغم من أنها تعترف مثلاً بأن العجز التجاري الروسي لهذا العام هو أقل من نظيره في الولايات المتحدة.


المؤكد ان العقوبات الغربية على روسيا ارتدت سلباً عليها وعلى العالم كلّه، وباتت تهدد اليوم بركود اقتصادي مرعب، وكذلك تضخم بلغ مستويات قياسية في كل من أمريكا وبريطانيا والعديد من الدول الأوروبية، فدفع بأغلب المصارف المركزية حول العالم إلى رفع معدلات الفائدة من أجل امتصاص هذا التضخم. كما أدت إلى ارتفاع أسعار المحروقات والسلع وتكاليف الشحن والتأمين، التي باتت تلاحق المستوردين والحكومات الغربية التي تبحث عن مخرج لها قبل ان تواجه بانفجار اجتماعي إذا ما استمرت على هذا المنوال مستقبلاً.
هذا المخرج الذي تبحث عنه الدول الغربية وتحديداً الأوروبية، لا يبدو أنّه لروسيا تحديداً، وإنّما للدول الغربية نفسها التي لا تريد الاقتناع بأنّ العقوبات الاقتصادية لم تأتِ بأي نتيجة من أجل وقف الحرب.