حاتم صادق يكتب ارتباك في المشهد الايراني

الاثنين 6 فبراير, 2023

الارتباك هو عنوان المشهد السياسي والاجتماعي والامني في ايران، وبين فشل داخلي في مواجهة الثورة الشعبية المتفاقمة في المدن الايرانية ، وضربات عسكرية تستهدف العديد من منشآت البلد الحيوية، واخري سياسية يزداد تأزم الموقف خاصة بعد فشل المفاوضات النووية مع الغرب. وبدا ان “الهلال الشيعي” الذي أنشأته طهران في منطقة الشام يمر بمرحلة سيئة ويمكن أن تكون قاتلة، إذ تبدو هذه الدول المصنفة كـ”محور المقاومة” مع بداية العام 2023 مهددة أكثر من أي وقت مضى. وجاء استهداف بعض المنشآت الحيوية والاستراتيجية في أصفهان بواسطة مسيرات هجومية الأسبوع الماضي ليضع ملالي طهران في ازمة حقيقية تكشف مدي ضعف أدوات السلطة الحاكمة هناك ، في البداية اتهمت إيران فصائل كردية تتمركز في العراق بالضلوع في الهجوم. وقالت وكالة "نورنيوز" للأنباء، "دخلت المروحيات المسيرة التي استخدمت في تنفيذ العمل العدائي ضد المنشأة الدفاعية بأصفهان بمشاركة وتوجيهات الجماعات الكردية المناهضة للثورة المتمركزة في إقليم كردستان العراق". وبعدها في اقل من ٤٨ ساعة اعادت توجيه دفة الاتهام الي بوصلتها التقليدية -إسرائيل. وألقت باللوم على تل ابيب في الهجوم، متعهدة بالرد بعد ما بدا أنه أحدث حلقة في حرب خفية طويلة الأمد. هذا ببساطة يوضح حجم الضغوط التي يعاني منها نظام طهران.
”الهلال الشيعي” مصطلح سياسي ومذهبي ترفعه إيران للتغطية على أطماعها التوسعية، والتعبير عن طموحها في ابتلاع العراق وسوريا ولبنان لتجد لنفسها منفذاً على البحر المتوسط.
وبينما تخضع إيران وسوريا لعقوبات أميركية ودولية قاسية مرتبطة بالسياسة والاقتصاد، يتمتع العراق بوفرة من أموال النفط، إلا أنها ليست تحت سيطرته المباشرة للتصرف بها بالنظر إلى أنها تودع في البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في نيويورك.
وفي ظل العقوبات المفروضة على إيران، فإن الولايات المتحدة تمارس رقابة مشددة على حركة الأموال المتاحة لحكومة بغداد، بينما تم تشديد هذه الرقابة مؤخرا بما يكفي من أجل خنق النظام الإيراني، وذلك لدرجة أن بغداد اضطرت لدفع مشترياتها من طهران بالدينار، وهو ما أدى إلى تراجع حاد في قيمة الدينار العراقي وانهيار الريال الإيراني. 
اما سوريا، فهي بالنسبة لإيران في المرتبة الأولى في إستراتيجيتها الإقليمية والدولية، حيث أن السيطرة عليها تضمن لها محاصرة خصومها الخليجيين والأتراك ووضعهم بين فكي كماشة تمهيدا لعزلهم واعترافهم بالنفوذ الإيراني في الإقليم، وتقوية الموقف الإيراني دوليا باعتبارها القوة الأولى في الشرق الأوسط.
ومن جهة أخرى فإن السيطرة على سوريا تضمن تحويل فكرة مشروع الهلال الشيعي إلى حقيقة جغرافية اجتماعية راسخة ومعطى إستراتيجي متماسك يمكن توظيفه في إطار العلاقات الإقليمية والدولية، وقد انتبهت إيران للبعد السوري في هذه المعادلة لذا سعت بكل قوتها العسكرية والإعلامية لتغيير المعادلات على الأرض عبر العديد من الوسائل من ضمنها تغيير التركيبة الديمغرافية والعبث بالخريطة الاجتماعية عبر تهجير السوريين وإحلال مواطنين شيعة من أكثر من منطقة وما استتبع ذلك من محاولات لتدمير السجلات العقارية ودوائر النفوس وكل ما يثبت الملكية.
فهذا الهلال، الذي كانت إيران تستثمر فيه لعقود من الزمن، ينقلب عليها النظام الإيراني. فمن بيروت إلى بغداد، وصولاً إلى طهران، تواجه إيران خصمها الأكثر تعقيداً منذ سنوات المتمثل بالمتظاهرين الشيعة. وبالنسبة للجمهورية الإسلامية، يتواجد العدو في الداخل أيضاً، وهو الذي لا يمكن احتواؤه من دون حدوث اضطرابات عنيفة تضرب استراتيجياتها الخاصة وتحالفاتها السياسية في جميع أنحاء المنطقة.  
وربما لم تفكر إيران قط أن تحديها الرئيسي سوف ينبثق من المجتمعات الشيعية نفسها. فقد كان النظام في طهران يعتمد استراتيجية واحدة في جميع أنحاء المنطقة، تتمثل في: تعزيز الهوية الشيعية، وإغداق الأسلحة والمال على الوكلاء، واكتساب صورة الأب للشيعة من خلال الحلول محل الدولة ومؤسساتها. غير أن النظام لم يدرك قط أنه في أعقاب جميع تلك الاستثمارات في الموارد والشعب، وبعد تحقيق كافة تلك الانتصارات العسكرية في لبنان وسوريا والعراق، كان الشعب - وخاصة الشيعة - بحاجة إلى ترجمة عملية لتلك الانتصارات تتمثل بتوفير المزيد من موارد العيش - وليس القليل منها - وتأمين مستقبل أفضل لأطفالهم. لكن الواقع كان عكس ذلك تماماً. ففي ظل غياب رؤية اجتماعية -اقتصادية للعواصم التي تسيطر عليها إيران، لم تعد ظروف العيش مقبولة. وفي ظل تزعزع “الهلال الشيعي” تبذل إيران قصارى جهدها لإنقاذه. فخسارة هذا “الهلال” تعني فقدان القدرة على بسط النفوذ في الشرق الأوسط فضلاً عن خسارة الكثير من الموارد السياسية والمالية.