التكامل العربي الاستراتيجي.. والمصالحة الشاملة !!
في عالم يموج بالمستجدات وينزف ألما من صراعاته وأزماته المتصاعدة ،ويعج بالمشكلات حصاد الاستقطاب الحاد ، أمسي وأصبح التقارب العربي ضرورة عصرية تتجاوز آفاق وحدود الأماني والتطلعات !. ووفقا لمعطيات التاريخ والحاضر والمستقبل أتصور أن حلم التكامل العربي ،التحرر والتوحد ليس صعب المنال ،ومن الآمال العريضة التي تحيا بها المني المصالحة العربية الشاملة ، والإلتفاف حول كلمة سواء والتكاتف لمواجهة الأزمات والتحديات ، في ظل عالم اليوم الزاخر بالتكتلات والحسابات وترقب مرحلة ما بعد كورونا وما بعد حرب أوكرانيا وما بعد أزمات الطاقة والغذاء، لتتشكل معالمه وكافة ملامحه من جديد!. وبالمفهوم الاستراتيجي الواسع فإن عالم اليوم لم يعد يعترف إلا بلغة القوة ،استراتيجيا، اقتصاديا وعسكريا، ومن الحكمة اتخاذ خطوات جادة لدعم التضامن التكامل العربي، قبل أن يخرج العرب من التاريخ بعد سنوات الخريف الطويلة التي أعقبت سنوات الربيع العربي الواهم. وقد شهدت الفترات السابقة على مستوى القمم العربية محاولات جادة لرأب الصدع،وتجاوز الخلافات، ويجب أن يفعل التوحد العربي علي المستوي الثقافي والاجتماعي والإستراتيجي ويعاد النظر من جديد في أطروحات حرية التبادل التجاري وحريات التنقل والإقامة وتفعيل اتقاقيات السوق العربية المشتركة،وغيرها. وفي تقديري أن الشعوب العربية في انتظار إتمام مصالحة عربية شاملة، وبرعاية الجامعة العربية بيت كل العرب والتي بدأتها مصر والسعودية والإمارات بإنهاء حالة الجفاء مع دولة قطر. وجاء الحصاد مثمرا ومبهرا في التوحد العربي حول هدف واحد وقيم واحدة، شاهدنا أزهي صوره وأبدعها خلال فعاليات مونديال قطر والذي كان وما يزال حديث الدنيا وأنموذجا للتميز والتقارب، بروح عربية وإسلامية ،وبهوية متفردة. إن التكامل العربي والمصالحة الشاملة ضرورة دهرية لتدراك أخطاء حالة الإنقسام السياسي البغيض ، والتي أفادت الأخرين من أنصارقوي نشر الفوضي الخلاقة وقدمت الدول العربية الواحدة تلو الأخري كلقمة سائغة علي مائدة اللئام أرباب المصالح الكبري في الشرق الأوسط الجديد. ورغم جراحات سنوات ثورات الخراب وتداعياتها المرة ،فما يزال النظام العربي الرسمي يحمل جوهرا أصيلا من الروح والإرادة والمقدرات ،ما يؤهله للعودة للمشهد وحجز مقعد في خريطة عالم اليوم. وفي تقديري أن المصالحة المأمولة يجب أن تكون مختلفة هذه المرة، كاستراتيجية عمل سياسية، لتحديد أسس المصالح العربية، وآليات حمايتها، ووضع إطار سياسي موحد يكون الالتزام به مضموناً ،والإخلال به موضع تصارح وتفاهم وليس موضع ريبة وتلاعب، ذلك أن ذاكرة الشعوب العربية مثقلة بحراحات الماضي وسئمت حالات الترهل والغموض والتشتت والضبابية ، وكذلك فإن العالم أصبح يتعاطى مع اللافاعلية العربية على أنها مؤشر لعدم الجدية والمصداقية!. ولا يمكن أن نتصور مصالحة مقنعة إذا لم تتوافر عناصر الإرادة الصادقة وحسن النوايا ، وقبلها إجراء مصالحات سياسية مع أبناء الوطن الواحد. ولاتزال أمام العرب فرص تاريخية لتحقيق التكامل الشامل وإعادة إصلاح ما أفسدته ثورات الربيع العربي التي تحولت بفعل فاعل إلي خريف أسود طويل، قوض المقدرات وأحبط الأماني والتطلعات. وهناك أيضا تحديات أخري أهمها حجز مقعد في النظام العالمي الجديد ، وإقامة علاقات دولية دون وصاية أو تبعية، وإحياء دور الجامعة العربية، وتبني استراتيجيات إقليمية منفتحة ومتوازنة وغير إقصائية، وإيجاد حلول سياسية ناجعة للملفات العربية الشائكة في فلسطين وسوريا وليبيا واليمن ولبنان وتونس ،ورأب الصدع في العلاقات السياسية بين المغرب والجزائر، واستيعاب الأزمات السياسية بالعراق والسودان وما يستجد من قضايا وملفات. وبعد صراع العملات وأزمات الدولار أتصور أنه من الحكمة إعادة النظر في السياسات العربية النقدية، وتفعيل ما يعرف بسلة العملات وتشجيع التبادل التجاري بعملات الدول العربية ،تمهيدا للخروج من هيمنة الدولار وضغوطه المتواصلة وتقليل الاعتماد عليه إلي أدني المستويات،وخاصة بعد إعلان البنك المركزي الروسي اعتماد الجنيه المصري وبعض العملات العربية كعملات رسمية في التداول،وعلي نفس الشاكلة تدرس الصين والهند ودول أخري!.. ولعل السياسة المتوازنة للدول العربية الكبري تجاه أزمة أوكرانيا،والدعوة المتعقلة تركت أثرا مهما في معادلات السياسات الدولية، ورسائل لمن يهمه الأمر لمن يهمه الأمر شرقا وغربا!. ولا ريب أن التكامل الاستراتيجي بمفهومه يتضمن تصورات استشرافية،وبرامج عصرية تنموية مشتركة لتحقيق الاستدامة ،والاستفادة القصوى من الموارد البشرية والثروات المتنوعة التي تزخر بها أمتنا العربية،علاوة علي المزيد من دعم عناصر البناء الثقافي والوجداني وتقوية ركائز القومية العربية والهوية الحضارية الأصيلة ..وإنا لمتطلعون !.