كنوز السمراء.. وخطايا الاتحاد الأفريقي!!

الثلاثاء 23 أغسطس, 2022

في زمن التكتلات الدولية والحرب الأممية الجديدة ، أصبح لزاما أن يعاد التفكير في تعظيم فعالية الاتحاد الافريقي،لمواجهة هموم وأوجاع المزمنه والمستجده، فقد أصبح منظمة "ديكورية" لا تحرك ساكنا ولا تسكن متحركا،واكتفت بمجرد إجتماعات ومباحثات من آن لآخر ذرا للرماد في الأعين دون قرارات ملزمة وتوجهات تنموية مشهودة وفاعلة، كما نري في التنظيمات الإقليمية المشابهه بمختلف أرجاء العالم.
 
الاتحاد "المسكين" حل بديلا لمنظمة الوحدة الأفريقية،حيث تأسس في بدايات الألفية الجديدة، بديربان بجنوب افريقيا وتحديدا في 9 يوليو 2002،وهو منظمة دولية تتألف من 55 دولة أفريقية،وتتّخذ أهم قراراتها في اجتماع نصف سنوي لرؤساء الدول وممثلي حكومات الدول الأعضاء من خلال ما يسمى بالجمعية العامة للاتحاد الأفريقي،ويضطلع بمهام استراتيجية تتعلق بتعظيم التعاون والتوافق بين دوله،لكن تجارب الواقع،تؤكد إخفاقه في حسم النزاعات الأفريقية،وإيجاد آلية لتعزيز سبل التبادل التجاري بين دول القارة،وإقتراح عملة جديدة، قد تسهم في تخفيف حدة ووطأة هيمنة الدولار، وسيطرته علي أسواق المال.

واعتقد أن فشل الاتحاد الافريقي في إدارة ملف سد النهضة خلال ما يزيد عن عشر سنوات خير دليل علي تراجع دوره بلا مبرر ، وهو النموذج الأسوء لتعاطي دول الاتحاد مع أهم القضايا التي تمس أمن ومستقبل شعوب القارة.

 وقد تسلمت السنغال رئاسة الاتحاد منذ عدة شهور ووعدت باتخاذ خطوات فاعلة لتحريك المياه الراكدة في هذا الملف المعقد وإقناع أثيوبيا بالعودة لطاولة التفاوض العادل وتوقيع اتفاق ملزم ،وفي إطار زمني محدد وفقا لدعوة مجلس الأمن الدولي في هذا السياق، لكن ذهبت التطلعات والأماني كما ذهبت مثيلاتها من قبل أدراج الرياح،ولا حياة لمن تنادي في وقت كانت الشعوب الأفريقية تتوق لدور أكبر وإنجاز مهمات تنموية وسياسية تأخذ بأيديها نحو التحرر السياسي،والخروج من قيود التبعية الاقتصادية.

وعلاوة علي الإخفاق السياسي والفشل في اتخاذ قرارات فاعلة، مايزال الاتحاد الإفريقي "محلك سر" ولا يأبه كثيرا بالمتغيرات الدولية  والتداعيات الأممية للحرب الدولية الاقتصادية المستعرة علي هامش الصراع الروسي الأوكراني ولا يكترث بتبعاتها الصعبة وتأثيراتها المتوقعة.

وأتصور أنه علي رأس الخطايا الاستراتيجية  التي اقترفتها دول الاتحاد جريمة إغفال الإستغلال الأمثل للموارد الطبيعية،وخاصة في هذا التوقيت الحرج، مع تصاعد الأزمات الأممية،وعلي رأسها أزمات الغذاء المتوقعة.
وقد كشف
تقرير أزمات الغذاء السنوي مؤخرا عن الحقيقة المرة لتداعيات الأزمات وآثارها علي دول القارة السمراء ،التقرير نشرته  الشبكة العالمية لمكافحة أزمات الغذاء (GNAFC) وهي تحالف دولي للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والوكالات الحكومية وغير الحكومية التي تعمل معًا لمعالجة أزمات الغذاء.

أكد التقرير أن أزمة الغذاء وصلت إلى مستوى قياسى هذا العام بتعرض 193 مليون نسمة لأزمات غذائية حادة فى 53 دولة، بزيادة 40 مليونا عن العام السابق ،كما أشار إلى أن معظم هؤلاء هم من أبناء القارة الأفريقية، ولديها من الموارد الطبيعية وأهمها المياه والأراضى الزراعية والمراعى والثروة الحيوانية ما يجعلها كفيلة بتوفير الغذاء لنصف سكان العالم، على رأس هذه الدول الكونغو المنكوبة الديمقراطية صاحبة ثانى أكبر نهر فى العالم وثانى أكبر مساحة (2.5 مليون كم2)، وأثيوبيا صاحبة ال 936 مليار م3 من حصيلة الأمطار و12 حوضا نهريا و 46 بحيرة و150 مليون فدان أراضى خضراء زراعية ومراعى وغابات و 100 مليون رأس بقر وأغنام، وايضا السودان وجنوب السودان، وكلها دول مائية وزراعية،
وانضم إليها دول غنية بترولياً مثل ليبيا ونيجيريا وأنجولا،وهذا ما أكده التقرير.

وأتصور أن الاتحاد الافريقي لابد أن يكون لديه تفسير لهذه المعادلة الصعبة،فكل المؤشرات تؤكد أن السمراء قارة غنية ،لكن شعوبها فقيرة،ولعل السبب الرئيسى للأزمات الغذائية هو غياب التكامل والتعاون الفعال بين دول القارة ،وعدم الاستقرار الأمنى،وسوء استغلال الموارد الطبيعية،وماحدث فى إقليم التيجراى بأثيوبيا ليس ببعيد حيث يواجه أكثر من 350 ألف نسمة شبح المجاعة الشديدة، علاوة علي تقارير أخري تتحدث عن تعرض أكثر من 20 مليون أثيوبي لمخاطر المجاعة ،بسبب سوء إدارة الموارد.

أفريقيا تحتاج إلى ثورة تنموية حقيقية فى الطاقة والزراعة والصناعة والتعليم والصحة لمواجهة أزمات الغذاء ولن يتحقق لها ذلك إلا بالإرادة الجماعية للتحرر من الهيمنة الغربية وإقامة علاقة متوازنة مع دولة العالم وعدم الانحياز للمعسكر الشرقي أو الغربي ،وحجز مقعد جديد في النظام العالمي الجديد الذي سيتشكل حتما في زمن ما بعد نهاية الصراع في أوكرانيا.

في تقديري أن السمراء بما لديها من كنوز الطاقة النظيفة المتجددة ومئات الملايين الصالحة للزراعة ،بإمكانها تحقيق الاكتفاء الذاتي،وأن تصبح سلة غذائية جديدة لدول العالم وعلي رأسها القمح ،وبديلا استراتيجيا لدول كالولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا والهند وكندا ،وغيرها لو أحسن استغلال ثرواتها الطبيعية، والعمل الدؤوب لتعظيم التعاون وتدشين مشروعات مائية مشتركة ،علاوة علي تطوير شبكات الربط الكهربائي وإنتاج الطاقة الجديدة وتصدير الفائض لدول أوروبا وآسيا، وغيرها من المشروعات.

والخلاصة أن الاتحاد الإفريقي في حاجة ماسة لإعادة تصحيح المسار وتفعيل دوره وصياغةإستراتيجية جديدة لأهدافه، ومصر يمكنها أن تؤدى دورا كبيرا في هذا الشأن الحيوي، لايقل عن دورها التاريخي فى تحرير الشعوب الأفريقية فى الستينيات
 ،وهذا ماتنتظره أفريقيا من مصر، وتنتظره مصر أيضاً ،فهى السوق الواعد ومصدر الخامات الزراعية والمعدنية،وقد كانت من أهم الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الإفريقية في مايو عام 1963 ،وجدير بها أن تتبوأ صدارة المشهد، وإحياء دورها التاريخي الفاعل في إنعاش اتحاد السمراء ،والخروج من هذا المأزق تدراك كل الخطايا قبل فوات الأوان!.