حقيقة صراع "الفشقة".. و"التغول" الإثيوبي !!
بمرارة العلقم في الحلقوم يبتلع العالم العربي كل يوم جريمة جديدة من جرائم أديس أبابا المتعددة بعدما اقترفته من تجاوزات في حق شعبها في تيجراي وأمهرة وغيرها.
أديس أبابا تصر علي تجاوز كل الخطوط الحمراء ،ولاتكترث باحترام دول الجوار وكافة المواثيق والأعراف الدولية التي تحدد أطر العلاقات بين الدول كما تحدد ضوابط
معاملة الأسري والتي حددتها اتفاقية جنيف وبروتوكولاتها الإضافية ،ومن قبلها كافة مواثيق الضمير الإنساني المغيب في زمن النفعية والتوحش!
ومن جديد تصاعدت حدة التوتر بين الخرطوم وأديس أبابا علي خلفية ما اقترفه الجيش الأثيوبي من جريمة قتل لسبعة من الجنود السودانيين وأحد المدنيين، تم اختطفاهم يوم ٢٢ يونيو الماضي.
وقد توعدت السلطات السودانية بالرد إثيوبيا،وقررت سحب السفير السوداني للتشاور واستدعاء السفير الإثيوبي للاحتجاج علي هذا التصرف الأهوج ،كما تقدمت بشكوى لمجلس الأمن ..لعل وعسى!!.
وأتصور أنها حلقة جديدة في مسلسل تجاوزات أديس أبابا ،فهي بالفعل جريمة حمقاء وأتصور أن لها أهداف خبيثة ستكشف عنها الأيام!!
وعلى النقيض تماما فإن الشعب السوداني استقبل ما يزيد عن 60 ألف من اللاجئين الإثيوبيين الفاريين من بطش قواتهم أحسن استقبال وشاركوهم من غذائهم رغم الصعوبات الاقتصادية التى تعانيها السودان، علاوة علي احتضانه لأكثر من مليوني مواطن إثيوبي ينعمون بمعاملة كريمة ويتقاسمون مع الشعب السوداني لقمة العيش ، وينتشرون فى شوارع وبيوت الخرطوم فى أمان وسلام !.
واعتقد أن إجترار مشكلات "الفشقة" القديمة هو تصعيد مرفوض لن يخدم الوضع المتأزم بين الخرطوم وأديس أبابا علي خلفية الاضرار المباشر بها وعدم التنسيق في مواعيد الملء والتشغيل مما تسبب العام الماضي في فيضانات وغرق الأراضي أمام سد الروصيرص وغيرها.
كما أن أثيوبيا تحلم بالاستيلاء علي "الفشقة" من جديد ، للاستفادة من أراضيها ومن مياه النيل الأزرق في الزراعة بعد تزايد مخزون سد النهضة ،علي حساب الانتقاص من حصة مصر ،وهي جريمة جديدة تعد لها مع سبق الإصرار والكيد والاستفزاز والترصد !.
وكل المؤشرات تؤكد ،وخبث نوايا قادة أديس أبابا، وتعمد افتعال الأزمات،وقد أضحت دولة عدوانية لها أهداف خبيثة وأطماع لا حدود لها ،رغم أنها تمتلك ما يزيد عن 150 مليون فدان صالح للزارعة يعتمد معظمها علي الأمطار الغزيرة المتساقطة معظم فترات العام ،والتي تتجاوز 950 مليار متر مكعب !.
وبالعودة لجذور المشكلة نجد أن السودان وإثيوبيا لديهما حدود مشتركة تمتد لأكثر من 1600 كيلومتر، وقد رُسِمت في أعقاب سلسلة من المعاهدات بين أديس أبابا وبريطانيا وإيطاليا خلال فترة الاستعمار.
لكن منذ عام 1995 دخلت مليشيات إثيوبية مدعوة بقوات حكومية إلى أراضي "الفشقة"، حيث يلتقي شمال غرب منطقة أمهرة الإثيوبية بولاية القضارف.
ويبلغ مساحتها ما يقرب من 600 كم، وهي أرض خصبة وغنية.
وتعد "الفشقة" إحدى المحليات الخمس المكونة لولاية القضارف بشرق السودان، والتي تضم نحو 2 مليون فدان، منهم مليون فدان، سمحت إثيوبيا لمزارعيها بزراعة المحاصيل فيها في ظل غياب أي اعتراض سوداني.
وهناك من اتهم الرئيس السوداني السابق عمر البشير بغض الطرف إلى حد كبير عن توغل الإثيوبيين في "الفشقة"، بسبب وجود صراعات أخرى في جنوب السودان ودارفور، كما أنه لم يكن يريد أي توتر مع أديس أبابا التي وفرت له الدعم داخل الاتحاد الأفريقي.
ومع تولي السلطات الانتقالية رفض المزارعون الإثيوبيين من أقلية الأمهرة الداعمة لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الانسحاب، من "الفشقة"، وهاجموا القوات السودانية مما أدى إلى مقتل العشرات.
وتقول وسائل إعلام إثيوبية إن المزارعين الذين دخلوا الفشقة ينتمون إلى عصابات الشفتا و بعض الميليشيات القبلية .
وقتلت هذه المليشيات العديد من المزارعين السودانيين وعمالهم من أجل الاستيلاء على آلياتهم ومعداتهم الزراعية، بعدما استولوا على الأراضى.
وقبل عام أعلن مجلس السيادة في السودان علي لسان محمد سليمان الفكي، أحد أعضائه أن "الفشقة" ليست أرضا متنازعا عليها مع إثيوبيا، لأنها أرض سودانية باعتراف العالم كله، وأن بلاده لا تريد حربا مع جيرانها.
وأوضح أن الإثيوبيين تواجدوا في 17 موقعا داخل السودان خلال الأعوام الماضية.
وأن الجيش انتشر على الحدود الشرقية ولن يسمح بوجود ميليشيات أو قوات نظامية من دولة أخرى.
كما انتقد الخطابات غير المتزنة من الإثيوبيين وتصريحات السفير الاثيوبي في السودان التي اتهم فيها الجيش السوداني بالاستيلاء على 9 مواقع تابعة لإثيوبيا، وبالقيام بأعمال عسكرية مفاجئة إثر انشغال بلاده بالقتال في إقليم تيجراي.
وخلص عضو المجلس إلى أن الجيش السوداني يسيطر حاليا على 90 بالمئة من أراضي السودان التي كانت تحتلها ميليشيات وقوات إثيوبية.
ودعا الفكي إثيوبيا إلى الانسحاب من منطقتين على الحدود بوسع الخرطوم استردادهما، "لكن السودان لا ترغب بالحرب".
كما تقدمت بشكوى لمجلس الأمن على خلفية الحدود استنادا لوثائق وخرائط تاريخية بريطانية.
وفي رسالة عبر "الإميل" لأحد المواطنين السودانيين من المجاهدين القدماء بإقليم الفشقة، أكد 'الصادق ضو البيت" أن أن المحاربين الإثيوبيين جبناء، ولا يمتلكون فروسية النزال وشجاعة الإقدام والمواجهة، ويعلمون تمام العلم أنهم مغتصبون لأراض سودانية،رغم احتضان الخرطوم لمئات الألاف من الفارين من جحيم آبي أحمد وعصابته !.
وفي تقديري أن إثارة هذه القضية من جديد وتأجيج الصراع حول إقليم الفشقة ،علاوة علي الجريمة اللانسانية الأخيرة هي محاولة إثيوبية خبيثة لقتل مفاوضات سد النهضة وتسميم الأجواء وكسب مزيد من الوقت لفرض الأمر الواقع والمضي قدما في إتمام إجراءات الملء الثالث،بصفة منفردة وسط صمت غريب ومستهجن من الاتحاد الإفريقي.
ولا أدري سببا مفهوما لتقاعس السنغال رئيس الدورة الحالية عن التدخل لإنهاء هذه الأزمات المتصاعدة،والعمل الجاد لاستئناف المفاوضات كما وعدت إبان توليها المسؤولية،وتسلم الراية من الكونغو الديمقراطية التي فشلت من قبل في إيجاد حلول توافقية لأزمة سد النهضة.
ولكن يبدو أن ضعف البناء المؤسسي للاتحاد الأفريقي وازدواجية معاييره وتراجع دوره السياسي يلقي بظلال سلبية علي كافة قضايا القارة السمراء ،في زمن التكتلات الدولية التغيرات الأممية المتلاحقة.
وبعيدا عن الصمت الإفريقي المريب ،كنت أتمني تحركا عاجلا للجامعة العربية تتجاوز حدود الإدانة والشجب،فقد "تغول" الفأر الأثيوبي وتملكه الكبر والتعنت والغرور والأطماع ،ولا مؤشرات عملية ومنطقة تؤكد رغبته في التعاون والشراكة واحترام دول الجوار !!.