مجازر الاحتلال الإسرائيلي ج (٤)
نستكمل سوياً لتأريخ المجازر الإسرائيلية الصهيونية في حق الشعب الفلسطيني الأعزل وجرائمهم التي تظهر حقيقتهم الدموية:
٣٨-مجزرة الرملة: -
وحدثت هذه المجزرة في تاريخ 30/3/1948 حيث خُطط لها، ونفذها الإرهابيون الصهاينة في سوق مدينة الرملة واستشهد فيها 25 فلسطينياً.
39- مجزرة قطار القاهرة، حيفا: -
وحدثت هذه المجزرة بتاريخ 31/3/1948 حيث لغمت عصابة شتيرن الإرهابية الصهيونية قطار القاهرة، حيفا السريع فاستشهد عند الانفجار أكثر من 40 شخصاً وجرح 60 آخرون.
40- مجزرة قطار حيفا، يافا: -
وحدثت هذه المجزرة بتاريخ 31/3/1948م على يد مجموعة من عصابة الهاجاناه الإرهابية الصهيونية، التي قامت بنسف قطار حيفا، يافا أثناء مروره بالقرب من (ناتانيا) فاستشهد بسبب ذلك الانفجار 40 شخصاً من ركاب القطار الذين قتلوا غدراً بخسة ونذالة من الإرهابين اليهود.
41- مجزرة حي أبو كبير بيافا: -
وحدثت هذه المجزرة بتاريخ 31/3/1948 حيث قامت فرق الهاجاناه الإرهابية بهجوم مسلح على حي أبو كبير بمدينة يافا ودمر القتلة الإرهابين البيوت وقتلوا السكان العزل الهاربين من بيوتهم طلباً للنجاة والأمان.
ومات عدد كبير من سكان الحي في هذا الحادث فتهدى عددهم الخمسون شخصاً غير الجرحى.
42- مجزرة دير ياسين: -
وحدثت هذه المجزرة البشعة في دير ياسين، وهي قرية فلسطينية تبعد حوالي 6 كم للغرب من مدينة القدس المحتلة والتي قتل فيها عدد كبير من العزل المدنيين بلا رحمة وأتت هذه المذبحة بعد أسبوعين فقط من توقيع معاهدة سلام بين أهالي القرية ورؤساء المستوطنات اليهودية المجاورة. ولكن في خرق واضح للأعراف الحربية في تاريخ 9/4/1948 باغت الصهاينة من عصابتي "الأرغون" و"شتيرن" الإرهابيتين الصهيونيتين سكان دير ياسين نفذوا العملية ليلاً والساكنة نيام ورغم بسالة المقاومة بالقرية فالتعزيزات التي وصلت للقوات الصهيونية من القيادة جعلتها تحكم قبضتها على هذه القرية ففجّرت كل منازلها وقتلت غالبية سكانها بمن فيهم الأطفال والنساء والشيوخ وفتكوا بهم دون تمييز بين الأطفال والشيوخ والنساء ومثلوا بجثث الضحايا وألقوا بها في بئر القرية وكان أغلب الضحايا من النساء والأطفال والشيوخ، وقد وصل عدد الشهداء على إثر هذه المجزرة (254) شهيداً.
ففي 9 أبريل 1948 كانت المذبحة التي ارتكبتها منظمتان عسكريتان صهيونيتان هما: "الأرغون" (التي كان يتزعمها مناحم بيجين، رئيس وزراء إسرائيل فيما بعد) و"شتيرن ليحي" (التي كان يترأسها إسحاق شامير الذي خلف بيجين في رئاسة الوزارة). وتم الهجوم باتفاق مسبق مع “الهاجاناه”، وراح ضحيتها زهاء 260 فلسطينياً من أهالي القرية العزل. وكانت هذه المذبحة، وغيرها من أعمال الإرهاب والتنكيل إحدى الوسائل التي انتهجتها المنظمات الصهيونية المسلحة من أجل السيطرة على الأوضاع في فلسطين تمهيداً لإقامة الدولة الصهيونية المحتلة لأرض فلسطين.
وتقع قرية دير ياسين على بُعد بضعة كيلو مترات من القدس على تل يربط بينها وبين تل أبيب. وكانت القدس آنذاك تتعرض لضربات متلاحقة، وكان العرب، بزعامة البطل الفلسطيني "عبد القادر الحسيني"، يحرزون الانتصارات في مواقعهم؛ لذلك كان اليهود في حاجة إلى انتصار حسب قول أحد ضباطهم؛ "من أجل كسر الروح المعنوية لدى العرب، ورفع الروح المعنوية لدى اليهود"، فكانت دير ياسين فريسة سهلة لقوات الأرغون، كما أن المنظمات العسكرية الصهيونية كانت في حاجة إلى مطار يخدم سكان القدس.
وكان يقطن القرية العربية الصغيرة 400 شخص، يتعاملون تجارياً مع المستوطنات المجاورة، ولا يملكون إلا أسلحة قديمة، يرجع تاريخها إلى الحرب العالمية الأولى.
وفي فجر 9 أبريل عام 1948؛ دخلت قوات الأرغون من شرق القرية وجنوبها، ودخلت قوات شتيرن من الشمال، ليحاصروا القرية من كل جانب ما عدا الطريق الغربي؛ حتى يفاجئوا السكان وهم نائمين. وقد قوبل الهجوم بالمقاومة في بادئ الأمر، وهو ما أدَّى إلى مصرع 4 وجرح 40 من المهاجمين الصهاينة.
ويقول الكاتب الفرنسي باتريك ميرسييون: "إن المهاجمين لم يخوضوا مثل تلك المعارك من قبل، فقد كان من الأيسر لهم إلقاء القنابل في وسط الأسواق المزدحمة، بدلًا من مهاجمة قرية تدافع عن نفسها. لذلك لم يستطيعوا التقدم أمام هذا الصمود العنيف. ولمواجهة صمود أهل القرية؛ استعان المهاجمون بدعم من قوات “البالماخ” في أحد المعسكرات بالقرب من القدس؛ حيث قامت من جانبها بقصف القرية بمدافع الهاون لتسهيل مهمة المهاجمين. ومع حلول الظهيرة أصبحت القرية خالية تماماً من أية مقاومة، فقررت قوات الأرغون وشتيرن (والحديث لميرسييون) استخدام الأسلوب الوحيد الذي يعرفونه جيداً، وهو الديناميت. وهكذا استولوا على القرية عن طريق تفجيرها بيتاً بيتاً. وبعد أن انتهت المتفجرات لديهم قاموا "بتنظيف" المكان من آخر عناصر المقاومة عن طريق القنابل والمدافع الرشاشة، حيث كانوا يطلقون النيران على كل ما يتحرك داخل المنزل من رجال، ونساء، وأطفال، وشيوخ". وأوقفوا العشرات من أهل القرية إلى الحوائط وأطلقوا النار عليهم. واستمرت أعمال القتل على مدى يومين. وقامت القوات الصهيونية بعمليات تشويه سادية (تعذيب، اعتداء، بتر أعضاء، ذبح الحوامل والمراهنة على نوع الأجنة)، وأُلقي بـ 53 من الأطفال الأحياء وراء سور المدينة القديمة، واقتيد 25 من الرجال الأحياء في حافلات ليطوفوا بهم داخل القدس طواف النصر على غرار الجيوش الرومانية القديمة، ثم تم إعدامهم رمياً بالرصاص، وألقيت الجثث في بئر القرية وأُغلق بابه بإحكام لإخفاء معالم الجريمة.
ويقول ميرسييون: وخلال دقائق، وفي مواجهة مقاومة غير مسبوقة، تحوَّل رجال وفتيات الأرغون وشتيرن، الذين كانوا شباباً ذوي مُثُل عليا، إلى جزارين يقتلون بقسوة وبرودة ونظام مثلما كان جنود قوات النازية يفعلون.
ومنعت المنظمات العسكرية الصهيونية مبعوث الصليب الأحمر (جاك دي رينييه) من دخول القرية لأكثر من يوم، بينما قام أفراد “الهاجاناه” الذين احتلوا القرية بجمع جثث أخرى وفجروها؛ لتضليل مندوبي الهيئات الدولية، وللإيحاء بأن الضحايا لقوا حتفهم خلال صدامات مسلحة ولكن عثر مبعوث الصليب الأحمر على الجثث التي أُلقيت في البئر فيما بعد.
وقد تباينت ردود أفعال المنظمات الصهيونية المختلفة بعد المذبحة، فقد أرسل مناحم بيجين برقية تهنئة إلى قائد الأرغون المحلي رعنان قال فيها: "تهنئتي لكم لهذا الانتصار العظيم، وقل لجنودك إنهم صنعوا التاريخ في إسرائيل. وفي كتابه الثورة كتب بيجين يقول: إن مذبحة دير ياسين أسهمت مع غيرها من المجازر الأخرى في تفريغ البلاد من 650 ألف عربي". وأضاف قائلاً: "لولا دير ياسين لما قامت إسرائيل.
وقد حاولت بعض القيادات الصهيونية التنصل من مسئوليتها عن وقوع المذبحة؛ فوصفها قائد قوات الهاجاناه (ديفيد شالتيل)، في القدس آنذاك، بأنها إهانة للسلام العبري، وهاجمها حاييم وايزمان ووصفها بأنها عمل إرهابي لا يليق بالصهاينة، كما ندَّدت الوكالة اليهودية بالمذبحة.
وقد قامت الدعاية الصهيونية على أساس أن مذبحة دير ياسين مجرد استثناء، وليست القاعدة، وأن هذه المذبحة تمت دون أي تدخُّل من جانب القيادات الصهيونية؛ بل ضد رغبتها؛ إلا أن السنوات التالية كشفت النقاب عن أدلة دامغة تثبت أن جميع التنظيمات الصهيونية كانت ضالعة في ارتكاب تلك المذبحة وغيرها، سواء بالاشتراك الفعلي في التنفيذ أو بالتواطؤ أو بتقديم الدعم السياسي والمعنوي. وسنأتي بالأدلة على هذا: -
1 - ذكر مناحم بيجين في كتابه الثورة أن الاستيلاء على دير ياسين كان جزءاً من خطة أكبر، وأن العملية تمت بكامل علْم “الهاجاناه” وبموافقة قائدها، وأن الاستيلاء على دير ياسين والتمسك بها يُعَد إحدى مراحل المخطط العام، رغم الغضب العلني الذي عبَّر عنه المسئولون في الوكالة اليهودية والمتحدثون الصهاينة.
2 - ذكرت موسوعة الصهيونية وإسرائيل (التي حررها العالم الإسرائيلي روفائيل باتاي) أن لجنة العمل الصهيونية (اللجنة التنفيذية الصهيونية) وافقت في مارس من عام 1948 على "ترتيبات مؤقتة، يتأكد بمقتضاها الوجود المستقل للأرجون، ولكنها جعلت كل خطط الأرغون خاضعة للموافقة المسبقة من جانب قيادة الهاجاناة.
3- كانت الهاجاناة وقائدها في القدس "ديفيد شالتيل" يعمل على فرض سيطرته على كل من الأرغون و"شتيرن"، فلما أدركتا "خطة شالتيل"، قررتا التعاون معاً في الهجوم على دير ياسين؛ فأرسل شالتيل رسالة إليهما تؤكد لهما الدعم السياسي والمعنوي في 7 أبريل، أي قبل وقوع المذبحة بيومين، جاء فيها: "بلغني أنكم تخططون لهجوم على دير ياسين. أود أن ألفت انتباهكم إلى أن دير ياسين ليست إلا خطوة في خططنا الشاملة. ليس لدي أي اعتراض على قيامكم بهذه المهمة، بشرط أن تجهِّزوا قوة كافية للبقاء في القرية بعد احتلالها، لئلا تحتلها قوى معادية وتهدِّد خططنا"
4- جاء في إحدى النشرات الإعلامية التي أصدرتها وزارة الخارجية الإسرائيلية: أن ما وصف بأنه "المعركة من أجل دير ياسين" كان جزءاً لا يتجزأ من "المعركة من أجل القدس".
5-أقر الصهيوني العمالي "مائير بعيل" في السبعينيات؛ بأن مذبحة دير ياسين كانت جزءاً من مخطط عام، اتفقت عليه جميع التنظيمات الصهيونية في مارس 1948، وعُرف باسم «خطة د»، وكان يهدف إلى طَرْد الفلسطينيين من المدن والقرى العربية قبيل انسحاب القوات البريطانية، عن طريق التدمير والقتل وإشاعة جو من الرعب والهلع بين السكان الفلسطينيين؛ وهو ما يدفعهم إلى الفرار من ديارهم.
6 -بعد ثلاثة أيام من المذبحة، تم تسليم قرية دير ياسين للهاجاناه؛ لاستخدامها مطاراً.
7 -أرسل عدد من الأساتذة اليهود برسائل إلى بن جوريون يدعونه فيها إلى ترك منطقة دير ياسين خالية من المستوطنات، ولكن بن جوريون لم يرد على رسائلهم. وخلال شهور استقبلت دير ياسين المهاجرين من يهود شرق أوربا.
8 -خلال عام من المذبحة صدحت الموسيقى على أرض القرية العربية، وأقيمت الاحتفالات التي حضرها مئات الضيوف من صحفيين وأعضاء الحكومة الإسرائيلية، وعمدة القدس وحاخامات اليهود، وبعث الرئيس الإسرائيلي حاييم وايزمان برقية تهنئة لافتتاح مستوطنة "جيفات شاؤول" في قرية دير ياسين مع مرور الزمن توسعت القدس إلى أن ضمت أرض دير ياسين إليها لتصبح ضاحية من ضواحي القدس، وأياً ما كان الأمر، فالثابت أن مذبحة دير ياسين والمذابح الأخرى المماثلة لم تكن مجرد حوادث فردية أو استثنائية طائشة، بل كانت جزءاً أصيلاً من نمط ثابت ومتواتر ومتصل، يعكس الرؤية الصهيونية للواقع والتاريخ والآخر، حيث يصبح العنف بأشكاله المختلفة وسيلة لإعادة صياغة الشخصية اليهودية وتنقيتها من السمات الطفيلية والهامشية التي ترسخت لديها نتيجة القيام بدور الجماعة الوظيفية، كما أنه أداة تفريغ فلسطين من سكانها وإحلال المستوطنين الصهاينة محلهم وتثبيت دعائم الدولة الصهيونية، وفَرْض واقع جديد في فلسطين يستبعد العناصر الأخرى غير اليهودية المكوِّنة لهويتها وتاريخها.
وقد عبَّرت الدولة الصهيونية عن فخرها بمذبحة دير ياسين، بعد 32 عاماً من وقوعها، حيث قررت إطلاق أسماء المنظمات الصهيونية: الأرغون، وإتسل، والبالماخ، والهاجاناه على شوارع المستوطنة التي أُقيمت على أطلال القرية الفلسطينية.