التربية ج (١١)
نستكمل ما بدأناه في حديثنا عن التربية ونواحيها:
-التربية الجنسية:-
لابد أن يتم تعليم الأطفال ومصارحتهم وتوعيتهم منذ أن يعقل لهذا النوع من التربية بطريقة سليمة، وهي مرحلة معرفة الأعضاء الجنسية وتبدأ من سن السنتين إلى ثلاث سنوات، وتبدأ من سن الست سنوات مرحلة التساؤلات للطفل عن كيفية التزاوج ومن أين أتى. فيجب أن يكون الرد على هذه التساؤلات بالحوار العقلي والعملي وليس بالنهر بتوضيحات بسيطة عن طريق كتب الأطفال المتاحة الآن للرد على ما يدور بعقله ولا نكبته فيبحث في مكان آخر بطريقة خطأ. فلا حرج في التربية الجنسية من أجل أن يكتسب الطفل الثقة مع أهله ليسأل في كل شيء وهذا حتى لا يكون عرضة للتحرش أو ما غير هذا، فيكون على وعي وثقة أن يصارح أهله بما حدث، فمصارحة الأهل دون خوف ليكون عليهم الوقوف بجانبه، وأن يكون ذو وعي لما بعد هذا وكيفية التعامل مع الموقف ومع غيره من جنسه ومن الجنس الآخر، وكيفية التصرف إن حدث تحرش له والتوعية بأضرار العادة السرية أو ممارسة أي نوع من أنواع الشذوذ. ويكون هذا بالمصارحة بين الطفل والأهل من بداية مرحلة الطفولة وفي وقت المراهقة من أجل حماية الطفل من الأفكار المنحرفة واحتوائه.
ويجب تربية الطفل وتوعيته على ما هي اللمسات الجيدة والسيئة حيث أن لمس الكف ليس مثل لمس أحد لعضوه، وكيف يتصرف وقتها. وتشترك في هذه التربية كلاً من الأهل بالبيت وفي المدرسة.
وننوه هنا أن المقصد هو تعليم الثقافة الجنسية وليس الممارسة وهذا لأن الطفل سيعرف في وقت من الأوقات كل شيء خصوصاً في العصر الحديث حيث لا معلومة مجهولة فمن الأفضل أن يعلمها من أهله ومن المدرسة بشكل صحيح وتربوي سليم. وهذا حتى لا يحدث أي نوع من أنواع الخطأ كالممارسة في سن مبكر أو وجود أفكار خاطئة عن الممارسة أو خيالات غير مستحبة فيجب توعية النشء عنها حتى تنمحي من ذهنه منذ البداية. وهذا يتم عن طريق الحوار بالعقل والتوعية العلمية على قدر المرحلة العمرية للنشء ثم من مرحلة الإدراك الديني يتم التربية على خطين متوازيين هما التربية الجنسية بطريقة علمية، والتربية الجنسية الأخلاقية بزرع الوازع الديني داخل الطفل خاصة بمرحلة ما قبل المراهقة لتكون بوعيه كرادع له فيما بعد. مع توجيهه لممارسة النشاطات الرياضية والاجتماعية لتفريغ طاقته واستغلالها جيداً.
ونجد أن الفكر الإسلامي قد حدد أسس الثقافة الجنسية وتعليمها وممارستها في آيات وأحاديث مختلفة ذكرناها (بباب الحياة الاجتماعية بنقطة حقوق المرأة). وهو موضوع مهم وقد ناقشه النبي فلا حرج في تعليمة للطفل للحفاظ على صحته الجنسية وتوعيته.
-دور الأهل في التربية:-
على الأهل الدور الأساسي في التربية مع مساعدة المدرسة والمجتمع في كل ما ذكرناه من النقاط السابقة فهم الموجه والقدوة الأساسية للطفل فما يراه من أفعالهم هو ما يحفر بذهنه ولو كان توجيههم وتربيتهم مخالفة لأفعالهم فلن تصلح التربية فالقاعدة الأساسية كما قلنا هي ماذا نفعل أمامه لا ماذا نقول له.
ويجب على الأهل التعلم من الأخطاء في التربية بعدم تكرارها وليس بالندم على الفعل الخطأ فقط. ويعمل الأهل على تنمية القراءة والعلم والثقافة في الطفل بالتشجيع ليفيد المجتمع والدولة فتكون التربية إنمائية وجمالية على حب العلم والفن والجمال، هذا غير التربية المدنية على أساس الحرية في الرأي والتعبير والديمقراطية والتعايش المشترك بين الجميع وقبول الاختلاف هذا غير التربية الأخلاقية والاجتماعية.
-قال النبي صلى الله عليه وسلم:-
(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).
فالأسرة مسئولة عن بناء الطفل تربوياً وأخلاقياً وثقافياً ونفسياً. وهنا يتواجد دور الأب والأم القوي الذي يقع عليهما عاتق التربية الأول فعلى الاسرة التربية والمراقبة فهي تبني الابن ليكون رجلاً معتمد عليه وليس ذكراً يمارس الذكورة بطريقة خاطئة وإنما يكون رجل يساعد أهله والمرأة والمجتمع وأولاده والدولة.
فدور الاهل بالتربية مهم لأن الولد مرآة لبيته ومقلد لأهله دون شعور فدور الأم مهم وهو العاطفة التي يحتاجها الولد وجفاف العاطفة منها والحرمان من الأمومة يحدث له فراغ من عاطفة الأم فيكون عدواني، ولا تكون ضعيفة الشخصية فيكون الأولاد غير مطيعين ومنحرفين ولا تكون شديدة فيكون الأولاد منكمشين.
ويكون دور الأب سلطة بمعنى مرجعية وليس هيمنة بل استقرار للأولاد، فلا يكون ضعيف فيصبح الأولاد غير مقدرين لاحد، ولا يكون الأب متحكماً ومسيطراً وشديداً عليهم فيصبحوا ناقمين. أو تكون الأم متسلطة والأب ضعيف فيكون الأبناء منحرفين ورافضين وناقمين.
ولا يجب أن يحدث تفككك أسري حتى لا يعود بالسلب على نفسية الطفل. فإن حدث انفصال يجب أن تظل العلاقة بين الاهل سليمة لصالح نفسية الأطفال وتربيتهم بالمشاركة بين الزوجين.
-أمثلة للتعامل مع الأطفال لتربيتهم:-
من تعامل النبي مع الأطفال نجد أنه كان دائم التقارب معهم وبسيط معهم حتى ينمي فيهم مشاعر الود والحب والتقارب للحفاظ عليهم في مراحل الشباب بهذا التقارب.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يصف عبدالله وعبيد الله وكثيراً من بني العباس ويقول:-
(من سبق إلي فله كذا وكذا فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم).
ويقول للأقرع بن حابس عندما قال له إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً عندما رأى النبي يقبل الحسن فيقول له النبي في هذا:-
(من لا يَرحم لا يُرحم).
(ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا).
فيسوغ بهذا النفوس وينمي الرحمة والمحبة بين الأجيال لتفادي اختلاف الأجيال والتقريب بينهم بالحب والود.
وكان يدعو للمساواة بين الأبناء حتى لا يغار أحد من الآخر ولا يحدث حقد أو غيرة بين الأبناء.
فعندما أتى أبا النعمان بن البشير يقول للنبي:-
(نحلني أبي نحلة أي عطية وهدية فقال النبي أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا. فقال الرسول: فأرجعه. وقال: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم).
وكان عمر بن الخطاب يشجع الأهل بتعليم الأطفال الرياضة بقوله:-
(علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل).
وهذا فيه حث للأهل على تشجيع الأطفال لممارسة الرياضة والألعاب المفيدة وتشجيعاً للصغار.
فعلى الأهل التوجيه والنصح على أسس التربية السابقة مع دور المدرسة والمجتمع.
تشجيع الأطفال على التعاون وغرز هذه الروح فيهم منذ الصغر.
-التربية الاجتماعية ودور المجتمع:-
وهي عامل مكمل لتربية الطفل واكتمالها لالتزامه بالتربية وآدابها وقواعدها وأيضاً هي حصيلة التربية. فأخلاق المجتمع وترابطه وقوته مترابطة بالفرد والنشء وتربيته وتنميته وتكونه وتكامله كما هو يكمل المجتمع لأنه جزء منه، فالنشء يرى ما يربيه عليه الأسرة في تصرفات المجتمع مطبقاً الأسس في التربية والأخلاق.
فما رأيناه بباب الحياة الاجتماعية من الأخلاق التي يتحلى بها الفرد ومن ثم المجتمع تقوي وتغرس الأصول والأسس النفسية الطيبة كالأخوة والرحمة والإيثار والعفو ومراعاة حقوق الأبوين والآخرين والجار والالتزام بالآداب الاجتماعية كآداب الحديث وآداب الطعام وغيرها. ويتعلم النشء منذ الصغر التعاون والتفاني من أجل الغير وتقديم المصلحة على المصلحة الخاصة.
هذا غير المراقبة الاجتماعية كما تحدثنا في السابق بباب الحياة الاجتماعية تكون بمثابة قانون مجتمعي بين الناس فبهذا تكون المراقبة متبادلة وتكاملية بين الفرد والمجتمع. فالمجتمع مرآة التربية للطفل والفرد ويساعد على اكتمال تربيته بشكل سليم.
-دور الدولة في التربية:-
على الدولة دور مهم في المدارس التي تنشرها في أنحاء الدولة وتطوير منظومة التعليم لتنمي بالطفل الأخلاق والتربية والتعليم بتلازم مع بعضهم وتشجيعهم على التعاون المجتمعي والأخلاقي والعمل الجماعي وتقبل الآخر والتربية على ثقافة الاختلاف والحوار وتنمية الأوصال والروابط المجتمعية والتربوية ويكون قادراً على السيطرة على عواطفه السلبية وهذا بإعطاء المنح الدراسية والدرجات التعليمية في مقابل العمل المجتمعي والتعاون ومساعدة الغير من أفراد المجتمع المحتاجين للمساعدة وللعمل التربوي والأخلاق بين الزملاء.
ومن الأمثلة ما قام به الخليفة عمر بن عبد العزيز بصرف مبالغ مالية لتشجيع من يقوم بمساعدة الغير ولمن يسعى إلى تنمية الأخلاق بالمجتمع. فيكون دعم للفرد والمجتمع ليسعى الجميع للترابط المجتمعي والفضيلة والأخلاق.
فنجد عمر بن عبد العزيز يرسل إلى ولاته ويقول لهم: (أيما رجل قدم علينا في رد مظلمة أو أمر يصلح الله به خاصاً أو عاماً من أمر الدين فله ما بين 100 إلى 300 دينار بقدر ما يرى من الحسنة وبعد الشقة رحم الله أمرؤ لم يتكاءوه (يبطئه) بعد سفر أجل الله يحيي به حقاً أو يميت به باطلاً أو يفتح به من ورائه خيراً).
وعملاً بقول الله تعالى:-
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
ولكن لا يكون دور الدولة مكرهاً أو متسلطاً أو مجبراً على شيء ولا تكون ذات طابع سلطوي من حزب أو حكومة معينة حتى لا توجه الطفل توجه خاص بها وإنما دورها التوعية التربوية مع الأسرة والمجتمع لأن دورها هنا غير كامل في التربية كدور الأسرة وإنما مكمل لها.