دروس أزمة أوكرانيا.. وإعادة ترتيب البيت العربي
ستظل الحياة كتابا مفتوحا لمن أراد أن يستقي العبر والدروس ، وبعد أن أكتوي العالم بآثار جائحة كورونا المرة علي كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية ، أطلت أزمة حرب أوكرانيا ، بأبعادها الأممية وبتأثيراتها المتوقعة الأكثر مرارة.
وقد كشفت الحرب جليا عما يحاك لدول العالم ومن بينها دول العرب من ترتيبات ومخططات إستراتيجية وفرض تحالفات جديدة ربما تخلق نظاما دوليا جديدا له قوانينه وملامحه الخاصة!.
وبعيدا عن الصراع المستعر بين قوي معسكري الشرق والغرب وبوادر الاستقطاب الحاد، ولاشك أن آثار هذه الأزمة ستطال بلاد العرب،ومن ثم أصبحت هناك ضرورة عصرية لإعادة ترتيب الأوراق داخل البيت العربي، وتجاوز الخلافات ،ودعم كافة أوجه التعاون والتنسيق لتجاوز هذه الأزمة،وتداعياتها المريرة.
والمتأمل المتفحص سيري أن حلقات الفوضى الخلاقة التي كشفت عنها كونداليزا رايس في بدايات القرن الواحد والعشرين كانت لها أبعاد دولية وإقليمية وحلقات أخري بعد أن أكتملت فصولها الأولي وكان حصادها المؤلم ، تدمير مقدرات عدة دول عربية، هي علي الترتيب العراق ، سوريا، ليبيا، اليمن، لبنان، وفصل جنوب السودان مع غرس بذور الشقاق في تونس والسودان والتسبب في قطيعة سياسية بين الجزائر والمغرب.
ولم ينج من مقصلة فتنة الثورات العربية إلا مصر والسعودية والإمارات، وبعض دول الخليج، إضافة إلي تغاضي أمريكا عن تجاوزات الحوثيين ذراع إيران الذي غرسته لتقويض أمن اليمن الذي كان سعيدا وتهديد مصالح السعودية والإمارات ،وعدم حسم أزمة سد النهضة المتعثرة ،وفض النزاع حول قواعد الملء والتشغيل وتقريب وجهات النظر بين دولة المنبع ودولتي المصب!.
أضف إلي كل هذا الخلل الحادث في ميدان العدالة الأممية واتباع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب سياسة الكيل بمكايلين والتجاوز .
وقد سقطت عمليا كافة
تعهدات بايدن فور توليه السلطة ،حين تعهد
ببدء صفحة مغايرة مع العالم بسياسات جديدة ،تحمل شعار "شراكة لا خصام"، وتدشين مرحلة سياسية مختلفة باستراتيجات منفحته ،لكن سياساته جاءت علي النقيض، كما أن مسار الأحداث أكد أن تصريحاته التي كانت مفعمة بالأمل والتفاؤل أصبحت سرابا، ولم يصدق فيها قيد أنملة، ولم يكترث كثيرا بمشكلات العرب وفلسطين والقدس وبقضايا الحرية وحقوق الإنسان والانتقال الديمقراطي.
وأثبتت الوقائع أن كل أوجاعنا لن تبرأ بحلول مستوردة، كما أن بايدن لن ينقلب بين عشية وضحاها ليصبح منصفا وحارسا لحمي ديار العرب.!!
وقبل أن نصدم بفصول وسيناريوهات أخري في مخطط إفساد الشرق الأوسط، واستنزاف مقدرات العرب ، أتصور أن ترتيب البيت العربي في عالم ما بعد أوكرانيا يجب أن يكون ضمن الأولويات الواجبة ، تحسبا لما هو قادم، والأهم هو إيجاد آلية جديدة لتحقيق التكامل العربي في كافة أوجه التعاون وتطوير التجارة البينية ،وإتمام مشروعات الربط الكهربائي والطاقة المتجددة ،تجنبا للمستجدات.
ومن الحكمة استيعاب مشكلات اليمن وليبيا ولبنان وإيجاد حلول لها داخل جدران البيت العربي،إتقاء لشرور مساعي بعض الأطراف الدولية لخلق بؤر توتر جديدة بالمنطقة.
واعتقد أنه قد حان الوقت لمصالحة عربية شاملة بلا إقصاء أو وصاية، فحلم التحرر والتوحد العربي ليس صعب المنال ،وسيظل من الآمال العريضة التي تحيا بها المني، للإلتفاف حول كلمة سواء والتكاتف لمواجهة الأزمات والتحديات ، في ظل عالم اليوم الزاخر بالتكتلات والحسابات وترقب مرحلة ما بعد كورونا وما بعد الحرب المستعرة!.
إن عودة الروح والإرادة يجب أن تكون مختلفة هذه المرة، كاستراتيجية عمل سياسية، لتحديد أسس المصالح العربية، وآليات حمايتها، ووضع إطار سياسي موحد وملزم ،فقد سئمت الشعوب العربية هذه الحالة من الغموض والتشتت والضبابية ، وأمسي العالم يتعاطى مع اللافاعلية العربية على أنها مؤشر لعدم الجدية والمصداقية.
ولاتزال أمام العرب فرص تاريخية لتحقيق التكامل الشامل وإعادة إصلاح ما أفسدته ثورات الربيع العربي التي تحولت بفعل فاعل إلي خريف أسود طويل، قوض المقدرات وأحبط الأماني والتطلعات.
وهناك أيضا تحديات أخري أهمها حجز مقعد في النظام العالمي الجديد ، وإقامة علاقات دولية دون وصاية أو تبعية، وإحياء موات الجامعة العربية، وتبني استراتيجيات إقليمية منفتحة ومتوازنة وغير إقصائية، وإيجاد حلول سياسية ناجعة للملفات العربية الشائكة في فلسطين وسوريا والعراق وليبيا واليمن ولبنان وغيرها.
وقبل أن يخرج العرب من التاريخ ، اعتقد أنه آن الأوان أن تعود القاهرة لمكانتها الطبيعية وأدوارها الرائدة والضرورية لرأب الصدع ، والدفاع عن مصالح وأمن واستقرار الدول العربية، والتوافق على مسار موحد فى العصر السياسي القادم متعدد القوى العظمى والتحالفات.