تسييس الأمم المتحدة.. ورسائل مصر القوية !!

الأحد 10 أبريل, 2022

عانت الأمم المتحدة بمختلف أجهزتها ووكالاتها المتخصصة لسنوات طويلة من هيمنة الدول الكبري في توجيه دفة السياسات العامة ، كما عجزت عن إقرار الأمن والسلم الدوليين وحسم قضايا النزاع بمختلف أرجاء الدنيا ،لكنها لم تخلع أبدا رداء المبادئ الانسانية والأخلاقية، بل حرصت علي التجمل بشعارات  الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ودعم حقوق الأقليات والانتقال السلمي للسلطة.
كما أن مجرد إعلان  المنظمة الأممية احترامها لميثاقها وقواعدها واجراءاتها ونظم عملها قد عزز من اعتماد المجتمع الدولي عليها ،ولو بالحد الأدنى من أجل ترسيخ منظومة العمل الدولي، استناداً إلى قواعد وآليات تحتكم إليها لحسن إدارة العلاقات الدولية والحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وهو ما يُعد مهدداً الآن.

وقد جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن ،فقد وضعتها حرب أوكرانيا في مأزق كبير،حيث تعاني المنظمة الدولية من الضغوط الغربية المتصاعدة والاستقطاب الحاد، وانقسام دول العالم إلي معسكرين كبيرين.
  وهي الآن تواجه شبح الإنحراف التدريجي عن أهدافها الأساسية والاستراتيجية ،  باعتبارها صمام أمن العالم، كما تعقدت مهمة الأمم المتحدة وازداد ثقلا وتشابكا مع إصرار دول الغرب علي سكب الوقود علي النيران ،وإستخدام كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة لفرض حصار شامل وعقوبات متصاعدة علي موسكو ، وإمداد كييف بمزيد من السلاح مع تجاهل دعوات التفاوض وإشعال حرب إعلامية موجهة لتحقيق أهدافها وتوريط موسكو في حرب إستنزاف طويلة.   

ويبدو أن سيناريو الحرب الروسية الأوكرانية المتصاعد سيلقي بظلال متباينة علي مستقبل العلاقات الدولية بمختلف دول العالم شرقا وغربا.
وفي هذه الفتنة الدولية ،المصطنعة لتغيير شكل وطبيعة العالم ونمط التحالفات الدولية، فالجميع ينظر إلي مصالحه ويرنو لتحقيق أهدافه ومنافعه في ظل سياسة "اللعب علي المكشوف" ، والتجسيد الفعلي لإستراتيجيتي 'الفوضى الخلاقة" و"الأرض المحروقة"!.

وأعتقد أنه من الحكمة التعاطي بعقلانية مع تداعياتتها الحتيمة،  وآثارها السلبية والتحصين من شرور نيرانها المستعرة وإعادة ترتيب كافة الأوراق وجميع الحسابات السياسية والتحلي بالحكمة والدبلوماسية في كافة العلاقات الدولية مع مختلف أرجاء دول المعمورة.

وقد جاءت رسائل
 القاهرة مدوية بعد إعلان موقفها الحازم المشرف الرافض لتسييس أجهزة ووكالات الأمم المتحدة ،واعتبرت أن هذا تطورا خطيرا في تاريخ المنظمة الدولية
،وهو ما جاء علي لسان مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك خلال الجلسة الاستثنائية الطارئة للجمعية العامة للتصويت على مشروع قرار حول تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الانسان.  
 حيث أكدت القاهره أنها لا تنظر إلى مشروع القرار باعتباره متصلاً بأزمة أوكرانيا، أو بمبدأ عدم جواز اللجوء إلى القوة المسلحة أو المساس بسيادة الدول، وإنما باعتباره مرتبطاً بالتوجه نحو تسييس أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة. وأوضحت أن الموقف المصري المبدئي والثابت، إنما يرفض هذا التوجه، لما ينطوي عليه من إهدار للغرض الذي أنشئت من أجله المنظمة ووكالاتها وأجهزتها، وما يقود إليه ذلك من دحض لمصداقيتها وللعمل الدولي متعدد الأطراف.  
واعتبرت مصر أن طرح مشروع القرار يمثل منعطفاً خطيراً في مسار منظمة الأمم المتحدة على مدى عمرها،و يُعد إهداراً لآليات المنظمة التي طالما كانت محل ثقة أعضاء المجتمع الدولي، ومؤشر ينذر ببدء اهتزاز مصداقية الأمم المتحدة، وآلياتها، وهو الأمر الذي سيكون له تداعيات بالغة الأثر السلبي على قدرتها على الاضطلاع بمسئولياتها، وفقاً لميثاقها،  وما استقر من عمل بشأنه علي مدي خمسة وسبعين عاماً.
 
كما أعربت مصر عن عدم الارتياح البالغ إزاء استمرار المعايير المزدوجة والكيل بأكثر من مكيال، فكم من المرات تم الاكتفاء بقرارات أقل حسماً وأكثر تساهلاً إزاء انتهاكات لحقوق الإنسان واضحة في ماض ليس بالبعيد.  
وأكدت رفضها الكامل في ذات الوقت لأية انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وخرق التزامات الدول القانونية في هذا الصدد، وتري ضرورة مواجهة مثل هذه الخروقات الجسيمة بشكل حاسم وفقاً للآليات الأممية، التي تكفل التصدي لتلك الأعمال المشينة واتخاذ القرار الملائم لمواجهتها.  
وبناء على هذه الدفوع والاعتبارات التي تم عرضها، فلا ترى القاهرة وجاهة لطرح مشروع القرار وتتحسب لأثاره. 

كما دعت مصر من قبل إلي إيثار الحلول والدبلوماسية وضرورة وقف الحرب تجنبا لآثارها الأممية المؤلمة ،وتجنبا للمزيد من الأزمات الإقتصادية الدولية التي ضربت معظم بقاع الأرض. 
 ولعل موقف مصر يؤكد علي استقلال قرارها السياسي وحرصها علي إقامة علاقات متوازنة مع الدول الكبري ،دون إنحياز أو رضوخ أو قبول لأي صورة من صور الضغط ،فلا تزال مصر المحروسه هي الشقيقة الكبري للدول العربية ورمانة الميزان لحفظ الأمن العربي والإقليمي والدولي، وأتصور أن الخطوة القادمة للقاهرة
ستكون إعادة ترتيب البيت العربي والإستفادة القصوي من دروس أزمة أوكرانيا ، للمزيد من التحصن تجاه صدمات وتقلبات السياسات الدولية الحادة.