التربية ج (٥)

الخميس 17 مارس, 2022

نستكمل ما بدأناه عن التربية وحديثنا عن التربية النفسية:
2- تعليم مكارم الأخلاق:-
أهمية تعليم وتربية الطفل على الأخلاق الحميدة التي ذكرناها في باب الحياة الاجتماعية منذ الصغر كعدم الأنانية والحب للناس ونشر الإيجابية الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي ومساعدة الغير، وما هو الصواب والخطأ، وما غير ذلك بالتعود على العمل العام وإيثار الغير على نفسه وعدم التنمر برؤية هذا يحدث من قبل أسرته ومجتمعه وعدم العنصرية والتمييز.
(بحسب إمرىء من الشر أن يحقر أخاه ...).
(لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا إخواناً كما أمركم الله).
(لا تحاسدوا ولا تناجشوا – المزايدة لزيادة سعر سلعة بطريقة وهمية لتغلو على من يشتريها - ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخواناً. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. التقوى ههنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات. بحسب أمرؤ من الشر أن يحقر أخاه المسلم, كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).
فمثلاً يعلم الأهل أطفالهم الصدق وعدم الكذب والوفاء بالوعود عندما يخبروهم بشيء ما ولا يخالفوا عهودهم إلا عند حدوث شيء مضطرين فيه لتغيير وعودهم ويكون بإخبار الأطفال السبب، وعدم التنمر أو التحقير أو غيرها من مكارم الأخلاق. فبهذا يتعلم الأطفال من الأهل بالممارسة وليس بالقول فقط ويعوا أهمية قول الصدق والحوار والوفاء بالعهود.
فيكون الأهل محفزين للأطفال في التربية على التمسك بالأخلاق الحميدة بعد ذلك في حياتهم القادمة لممارستهم لها منذ الطفولة بحب مكارم الأخلاق ومساعدة الآخرين والتعاون وما غير ذلك من التربية الأخلاقية والاجتماعية التي ذكرناها في الباب الثالث باب الحياة الاجتماعية.
ويجب تعليم وتربية الطفل على ما هو حلال وحرام، وصواب أو خطأ، فلا يفعل الخطأ لأنه يضر به نفسه وغيره في المجتمع ولأنه محرم وليس خوفاً من المجتمع. فإذا تعلم الطفل عدم فعل ما هو محرم وغير صائب فلن يفعله مهما كان المجتمع فاسد، وإن تعلم عدم فعل الخطأ خوفاً من المجتمع فقط فمن الممكن وقتها أن يفعله في الخباء فيصبح منافق، فيكون تعليم مكارم الأخلاق له كموجه لأفعاله والفضيلة والأخلاق الحميدة. 
3- القدوة الحسنة:-
أهمية أن يكون الأهل والمجتمع قدوة جيدة لأطفالهم ليكون هذا متوازياً مع التربية الصحيحة وغرس الأخلاق والتربية النفسية فيهم فبدون القدوة تكون التربية بلا جذور داخل الطفل.
فالطفل يأخذ أخلاقه ليس من الأهل فقط بل ومن المجتمع أيضاً، لأن الجميع يساهم في التوجيه السلوكي للطفل. فتكون ملاحظة الطفل لما يفعله الأهل والمجتمع بعد توجيهه. فالقاعدة التعليمية السليمة هي افعل ما أفعل لا افعل ما أقول بالإجبار، ويجب تعليم الطفل الإيجابيات والابتعاد عن السلبيات بالفعل أمامه من الأهل بأن يرى هذا من أهله يفعلونه. فلا يصح أن نفعل أمام الطفل عكس ما نربيه عليه.
لذا فالسلوكيات الخاطئة من الأهل ستجعل من الأطفال غير أسوياء مهما كانت قواعد التربية سليمة لأنه سيرى أفعال عكس ما يتم تربيته عليها فسيؤدي هذا إلى تناقض داخلي له ورفضه التعلم والتربية والتوجيه والنصح والإرشاد بل قد يصل به الأمر إلى فعل الخطأ معللاً هذا بأن أهله يفعلونه.
4- السيطرة على العواطف السلبية:-
مساعدة الطفل في السيطرة على الحزن والغضب والخجل وهذا بإعطائه مساحة للتعامل مع الآخرين ومساعدة زملائه والتعامل الاجتماعي معهم بالمدرسة والمجتمع حتى يستطيع بسهولة إبعاد أي عاطفة قد تؤثر عليه كالخجل أو الخوف من التعامل مع الآخرين أو إبداء الرأي ويكون لديه سهولة بالتعامل مع المجتمع. فيجب إعطاء مساحة الحرية والاستماع للطفل لكي يعبر عن نفسه ليستطيع بعد ذلك في مرحلة المراهقة أن يسيطر على العواطف السلبية ويمتلك حسن الاستماع والحوار وتقبل الآخرين.
وأيضاً تعليمه كيف يحل المشكلات بنفسه دون الاعتماد على أحد، فيستطيع بعد ذلك مواجهة الواقع ومشاكله وحلها بدلاً من أن تحل له.
فكما يشجع الفكر الإسلامي الفرد على التفاعل مع المجتمع ويحصل على مال تشجيعي كما ذكرنا بباب (الحياة الاجتماعية) فيشجع الطفل أيضاً منذ الصغر بالتعود على العمل المجتمعي والتفاعل مع زملائه ليسيطر على انفعالاته وهذا يكون عن طريق المدارس والدولة بتشجيعه على العمل العام وخدمة المجتمع والحصول مقابلها على درجات دراسية ومنح دراسية.
5- معالجة الأخطاء والاعتراف بالخطأ دون خوف أو حرج:-
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج الأخطاء بطرق لا تجعل من أخطأ في حرج وبطريقة تجعله يتعلم ولا يعود إلى هذا الخطأ ولا يعند فيه كما فعل مع من تبول بالمسجد أن قام بتوعيته بهدوء وليس بعنف.
وحتى إن حدث وأخطانا نحن في التعامل مع الأطفال في مرة لابد أن نقوم بإصلاح الخطأ وعدم تكراره مرة أخرى وتوعيتهم بظروف ما دفع لكسر القواعد السلوكية وما هو الأفضل وهذا يعلمهم الاعتراف بالخطأ وإصلاحه وترسيخ لسلوكيات وقواعد التربية كما اعترف النبي بأنه أخطأ في موقف بحادثة النخل وقال (أنتم أعلم بأمور دنياكم).
ففي أحد الأيام للنبي أنه رأى أناساً في رؤوس النخل فسأل: ما يصنع هؤلاء؟ فقال له موسى بن طلحة: يلقحونه. فقال النبي: ما أظن ذلك يغني شيئاً. وبعدها لم يثمر النخل عندما توقفوا عن تلقيحه فأخبر بهذا النبي. فقال: إن كان ينفعهم فليفعلوه فإني إنما ظنناً فلا تؤاخذوني بالظن فأنتم أعلم بأمور دنياكم ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوه فإني لن أكذب على الله.
فغرس بهذا ثقافة الاعتذار عن الخطأ دون حرج، وهذا له أكثر من فائدة:-
يجعل من الطفل متقبل للخطأ والنقد ويعتذر عما فعله دون تكبر.
يجعل من الفرد يعلم خطأه ويصححه حتى لا يتفاقم الأمر بإخفاء الخطأ.
6- التعريض دون تصريح في معالجة الخطأ:-
حدث في يوم والناس تصلي حدث لمعاوية بن الحكم السلمي أنه عطس رجل بالصلاة فقال له يرحمك الله فنظر له الناس فقال: واثكل أماه ما شأنكم تنظرون لي؟ فضربوا على أفخاذهم ليسكتوه فسكت. ثم قام له النبي وقال له: (إن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي للتسبيح والتكبير وقراءة القران).
فكان توصيل المعلومة باللين والفهم وعدم الإحراج لتفهم التربية والنصح.