التربية ج (١)

الخميس 10 فبراير, 2022

التربية مهمة للطفل من أجل إنشاء مجتمع سوي من جميع النواحي الاجتماعية والأخلاقية والعلمية وإنشاء مجتمع أفضل وشخص على مستوى خلقي وعلمي جيد ينهض بالوطن. وبالتالي يكون الأسرة الناضجة والواعية التي تعمل على تنمية المجتمع فيما بعد.
ووجود عوامل كحرية التفكير والرأي والعمل والملكية مع تربية جيدة تهيئ وتساعد على بناء شخصية مفكرة ومنتجة. وكلما كان الأهل يعطون الحنان والتربية السليمة للطفل كلما شعر بالأمان وأصبح اجتماعي أكثر ومتفاعل أكثر.
أما الأفراد الانعزاليين والقلقين يكون ناتج تربيتهم طفل متقلب المزاج غير سوي فلابد من الأهل أن يكونوا أكثر إيجابية وتفاعل ومرونة في تربيتهم للنشء أي أن يظهروا له الاهتمام والحب، وفي نفس الوقت التوجيه والإرشاد وإتباع القواعد السلوكية والمسئولية وكيفية السيطرة على مشاعره السلبية وإظهار الإيجابية وطموحه وتنمية سلوكياته الاجتماعية بوضع ضوابط للتربية. وهذا لتكوين أفراد أسوياء للمجتمع.
ولذا عني الفكر الإسلامي بالتعليم والتربية الأخلاقية كما تحدثنا بالباب الثالث من أجل أن يجعل من الأسرة قادرة على التربية للنشء، ومن أجل أن يكون المجتمع فاضلاً لتكتمل تربية الأطفال. فمن تربية المجتمع وبالتالي الأسر تأتي تربية الطفل السوية.
فالأطفال ينمون جسدياً وعقلياً بذات الوقت، ويجب أن يعمل الاثنان معاً ولا يتوقف أو يتأخر أحدهم عن الآخر حتى لا يحدث أي أثر نفسي أو جسدي على الطفل فيما بعد. فحين يبلغ سن الرشد يعمل عقله وجسده بكفاءة جيدة سوياً.
والطفل يمتص التربية والمعلومات ويكون شخصيته ليبنيها مما يكتسبه من حوله فالأطفال عقلهم يعمل بشكل مختلف عن الراشدين، فلدى النشء طاقة ونقاط قوة ودوافع للتعلم والتواصل مع الآخرين ليتحصل على ما يريد فتزداد أسئلتهم فعلى الأهل هنا أن يجيبوا عليهم بأساليب بسيطة ومقنعة وعدم كبت أسئلتهم ومحاولتهم للمعرفة.
فتبدأ بناء الشخصية والذات لدى الطفل في أول ثلاث سنوات وتكتمل بسن الستة سنوات وهي المرحلة الحسية للطفل بالتجارب والأفعال من حوله وينجذب إلى المحيط من حوله، فتكون لديه كالذاكرة تكون شخصيته ولكنه لا يتذكر أحداثها فيما بعد السادسة من عمره. فيخزن الطفل في هذه المرحلة كل ما تعلمه ويكون به شخصيته.
وفي هذه المرحلة العمرية يبدأ بشكل كبير التكيف لدى الطفل، فالطفل يولد عالمي ليس له بيئة أو دين أو عادات محددة، ولكنه من تعامله مع المحيط من حوله ومن الآخرين يبدأ بتكوين شخصيته وذاته وعاداته، ويبدأ في الانتماء لما حوله والمكان والمجموعة التي يعيش معها ويبدأ شعوره فيها بالأمان والتكيف، ومن بعد ست السادسة يكون هو تلقائياً جزء من محيطه.
فالامتصاص العقلي أو العقل الذي يمتص المعلومات مثل الإسفنج هو شيء مهم للطفل جداً حيث أنه به يُكون شخصيته ويتكيف مع من حوله من مكان وأشخاص وحياة ويبدأ بالانتماء للمجموعة والحياة من حوله.
فدور الراشدين هنا تعلم كيفية التربية السليمة وأن نبعد الطفل عن السلبيات، فالطفل لا يسمع لنا وإنما يأخذ مننا أفعالنا وممن حوله ما يراه منهم كالفعل واللغة والتعبير والألفاظ وغيرها مما يكون شخصيته ونفسيته.
فالمرحلة الأولى للطفل من عمر الصفر لعمر الثلاث سنوات كلها تعتمد على الحواس، وفي هذه المرحلة من التطور يفهم الطفل الناس من حوله وأهمية الأشخاص ويشعر بالميل للإنسان، ويبدأ إدراكه بأنه يميل للبشرية.
والطفل يولد بدون قدرة على السيطرة على ما يريد أو يحتاج. لا يستطيع السيطرة على الحب، الألم، الجوع وغيرهم. ومع بداية دخوله عمر العشرة أشهر تبدأ عنده القدرة على تأجيل الحاجة، فمثلاً يبدأ بتأجيل وضع يده على شيء يعرف أن أهله لا يحبونه أن يمسكها، ولكن التأجيل يكون لفترة قصيرة لأن الذاكرة عند الطفل قصيرة جداً فمثلاً إذا قلنا للطفل لا تستطيع أن تلمس التلفزيون في هذه المرحلة ممكن أن ينتظر دقيقة ولكن سيلمسه بعدها لأنه نسي الأمر المعطى له. فالتكرار هنا يكون هو الوسيلة الأنجح حتى يستوعب ويحفظ الطفل ما طُلب منه. فمثلاً لا تلمس التلفزيون لمرة واحدة غير فعالة ولكن إذا كررنا هذا الشيء لعدة مرات خلال فترة قصيرة يستطيع الطفل أن يفهم مع الوقت أن التلفزيون غير متاح له.
ولأن في الفترة الأولى للطفل بعمر السنة تسيطر عليه الأنا واهتماماته فقط، فيجب تعويده على أن لا يلعب مثلاً بما ليس لديه ويتعود على النظام بأن لا يلعب بأدوات المطبخ أو الأكل بغرفة النوم، وأنها ليست للعب وهذا يكون بالتكرار.
ولأن الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته فيبحث الطفل منذ اللحظة الأولى عن الناس حوله بالتواصل البصري ثم التعامل الجسدي والحسي، ومفهوم التواصل للطفل سواء مع الأهل أو الآخرين مهم جداً لنمو الطفل الاجتماعي والفكري. وعلى هذا التواصل أن يكون واضح لأن الطفل لا يدرك الأسباب بنفسه، فعلى المرشد أو المربي أن يوضح للطفل فكرته. فمثلاً لا يكفي أن أقول للطفل لا تفعل كذا بل علينا أن نعلمه لماذا لا يجب أن يفعل كذا.
ومن عمر السنتين يبدأ عند الطفل مفهوم الفردية وأنه كائن مستقل عن أمه وأبيه، هو وهم ليسوا بشخص واحد. يبدأ بقول لا حتى على الاشياء التي يريدها ليشعر أنه مستقل عنهم، فتبدأ أهمية الاستماع للطفل والإصغاء الجيد له ولحديثه حتى يشعر بالاهتمام من الوالدين.
وفي هذه المرحلة لا يجب أن نفرض على الطفل أن يشارك أحد بألعابه أو ممتلكاته، لأن الضغط عليه ليشاركها سوف ينتج عنه حبه لتملك الأشياء ويصبح مرتبط بشكل كلي بما يملك فيكون بالإقناع والحوار.
أيضاً في هذه المرحلة علينا تعليم الطفل كيف يكون لطيف ومهذب مع الآخرين والأهل كونهم المثل الأعلى للطفل يأخذ منهم أخلاقهم ويفعل مثلهم فتكون القاعدة أفعل ما أفعل لا أفعل ما أقول. فلا نستطيع أن نعلم الكبار كيف يكونوا لطفاء أو متسامحين، ولكن نستطيع أن نعلم الطفل هذه المبادئ.
ويحدث في هذه المرحلة التطور العاطفي عند الطفل فكلنا نملك نفس المشاعر ولكن الاختلاف يكون بكيفية التعبير عن هذه المشاعر. فالعائلة هي العنصر الأهم للطفل ليتعلم كيف يعبر عن مشاعره، فالعواطف تصنعنا أو تدمرنا. لذا يجب على الأهل تعليم الطفل كيف يفهم مشاعره وكيف يفهم مشاعرنا. فمن السهل علينا أن نفهم مشاعر الآخرين ولكن الأصعب أن نفهم مشاعرنا فالأمر يحتاج لرحلة عمرية طويلة. فالطفل عندما يولد يعرف كيف يعبر مثلاً يبكي، يضحك، يفرح، يحزن، ولكن مع الوقت الأهل إما يكبتوه أو يتركوه يعبر. فمثلاً إذا طفل يبكي لا نقول له لا تبكي بل نسأله لماذا تبكي ولا نمنعه فهذا هو حل إخراج مشاعره بعدم كبتها. فمثلاً إذا طفل يبكي لا أقول له حتى لو بكيت لن يؤثر فينا، لأنه سوف يتوقف عن البكاء وبالتالي عن التعبير عن حزنه مع الوقت ويدرك أن الآخرين لا يهمهم مشاعره حتى لو كان فعلاً يهمهم ولكن الرسالة هكذا وصلت له فكبت الألم والحزن غير صحي. فيجب أن نسأله ليشعر بالعاطفة والحب والحنان وأيضاً يتعلم الحوار والتعبير عما بداخله.
ولنربي طفل سعيد علينا أن نعلمه كيف يكون سعيد ومرتاح ومعبر عن سعادته وحزنه ونستمع له. لأننا كراشدين نفضل التعامل مع شخص سعيد لسهولة التواصل معه.
والفكرة القديمة التي كانت تقول إذا بكى الطفل لا تلتفتوا له حتى لا يكون طفل مستهتر خاطئة، ولكن الصحيح هو العكس علينا أن نلبي كل بكاء للطفل، وهذا لا يعني تلبية الطلبات ولكن نجعله يشعر أننا نعلم وندرك حزنه.
ولكن مع عمر معين علينا أن نعلمه أن البكاء لا يحل كل مشكلة، ولا يعني أنك تبكي فيجب أن نلبي رغباتك. فلو افترضنا أنه ذهبنا مع الطفل إلى السوق وأراد أن يشتري شيء وبدأ بالبكاء لا يجب أن ننفذ رغبته لنعلمه أن البكاء لا يعطيك دائماً ما تتمنى إذا كنا لا نريد أن نشتري له ذلك لسبب ما. فتنفيذ كامل الرغبات للطفل خطأ فلا كل شيء نعم ولا كل شيء لا.
فيجب صنع التوازن في التعامل مع بكاء وطلبات الطفل، فعند بكاء الطفل لحاجة أو لعبة ما أو شيء غير مهم وغير أساسي لا نلبي له طلبه على الفور حتى لا يتعود أن البكاء هو الحل الدائم لما يريد، ولا يتعود على أن كل ما يطلبه ينفذ فيكون مستهتراً أنانياً ومتسلطاً بهذا، وحتى لا يستغل الأهل عاطفياً فيصبح أناني ومستغل لمشاعر الآخرين في المستقبل. ولكن نلبي له نداءه عند البكاء إذا كانت الحاجة التي يبكي عليها أساسية حتى يشعر بأهميته لدى الأهل وبالحب والحنان ولا يشعر بنقص العاطفة من الأهل ويتعلم الحوار. وأيضاً لا يجب الحرمان التام من كل ما يطلبه فيجب أن يحصل على ما يستحقه في طفولته حتى لا ينتج عن الحرمان إحساس بالغضب والرغبة في التملك والأنانية. فيكون التوازن بين الإفراط والحرمان وبين البكاء الدائم أو عند الحاجة الأساسية.
وعلينا كراشدين أن نعلم الطفل كيف يتحكم برغباته، فالطفل وحده لا يستطيع أن يتعلم ذلك بل على الراشدين التدخل لتعليمه، وأن ليس كل شيء ترغب به في هذه الحياة متاح.
ويجب على الأهل السيطرة على مشاعرهم وانفعالاتهم فالغضب عند الأهل يصل إلى الطفل والغضب حالة معدية فالطفل أيضاً يبدأ بالغضب لذلك من المهم السيطرة على غضبنا كراشدين.
وعلينا أن نعطي الطفل الثقة في أي شيء يقوم به، ولكن في حدود الأمان له وما لا يؤذيه حتى يبدأ بالتجارب والتعلم. فيجب عدم كبت حركة الطفل ويلعب بأي شي المهم ألا يكون شيء يؤذيه حتى يتعلم ويكتسب خبرة، ولا نخاف كثيراً عليه وإلا سوف يتربى على القيود والخوف. فمع الخوف على الأطفال لا يكون بطرقة كبيرة حتى لا تكبت حرية الأطفال، فالحرية في الحركة والتصرف عند الطفل ضرورية ليتعلم ويجب أن يبنوا القوة البدنية بالحركة واللعب.
وعلى الأهل إعطاء النشء مراحله في الزحف والمشي وعدم إجباره على شيء من الوقوف أو المشي رغماً عنه، فلا يجب نهائياً أن نستبق نمو الطفل الشخصي ونتخطى مراحل. لأن الطفل عندما يصبح جاهز ليقوم بأي حركة سوف يقوم بها بدون أي مساعدة أو تدخل. مثلاً نعلمهم كيف يجلسوا أو كيف يمشوا وهذا خطأ لا يجب أن يحدث بل نساعدهم فقط وقت يبدأوا هم بالخطوة أو الجلوس دون إجبار. فالعضلات لديهم غير مستعدين بعد لذلك حتى لو كان كل الاطفال في سنه قد فعلوا ذلك، فهذا الشيء يؤثر على شخصيتهم لاحقاً فالأهل الذين يتدخلوا ليمشي الطفل هم يعطوه خطأ في حاجاته ليصبح بعدها معتمد على الآخرين في حياته وغير راضٍ عن أي شيء يقوم به بنفسه ويرسخ بداخله انطباع أنه غير ناجح ويعطوه انطباع خاطئ في الأولويات والاحتياجات.
والوصول إلى الهدف متعة عند الأطفال لذا لا يجب على الأهل أن يأخذوها منه، فالطفل عندما يقف وحده يكون سعيد بما فعله أما إذا الأهل ساعدوه ليقف سوف يفقد هذه المتعة ولا يجب أن نخاف عليهم حتى لو وقعوا أو جرحوا عند مجاولة الوقوف أو المشي فهذا يعطيهم دافع للمحاولة.
الأهم أن ندرك أن كل طفل له مراحل تطور خاصة به، ولا يجب مقارنة الأخوة أو الأطفال ببعضهم لأن كل فرد قدرة معينة حتى لو كانوا توأم، ولأن هذا يعطي تأثير سلبي للطفل بأنه أقل قدره من غيره. فسوف نجد أن لكل طفل مراحل تطور خاصة به، ولا يوجد عمر حقيقي محدد لما يجب على الطفل أن يقوم به أو يعرفه. 
ويجب أن نعلم أن الحرية ضرورية للطفل ولكن هذا لا يعني أن لا نربيه ونوجهه بالتربية الصحيحة والأخلاق السليمة. فيجب أن يعرف الطفل أن الحرية لها حدود، فيتعلم أنه لا يستطيع أن يقوم بأي شي في أي وقت أو بأي مكان. مثلاً نقول للطفل لا تستطيع أن تلعب وتأكل أو لا تلعب بغرفة المكتب، فيكون له حرية اللعب ولكن بنظام. فتكون حرية بدون فوضى أو أنانية، فلا أكل وقت اللعب ولا لعب إلا بعد دراسة.
فمرحلة التربية الأولى للنشء مرحلة حرجة ويجب الحذر فيها لأنها تؤثر على تكوين شخصية الطفل فيما بعد، فتكون التربية فيها بالفعل وليس بالقول فيفعل الطفل ما يراه من أهله، فالطفل مقلد جيد فيكن تقليده لشيء جيد ويستمر معه فيكون جزء منه.
وقد يحدث بعض الأخطاء في التربية من قبل الأهل فيجب عليهم تداركها وعدم فعلها ثانية، ومع الوقت سيجد الطفل أن الأهل يصلحون هذا الخطأ معه وتدارك التصرفات معه.