تجفيف منابع أرض الرافدين بفعل فاعل !!
التغيرات المناخية تضربها من جهة وتقلبات السياسة تضربها من جهات عديدة ،وهكذا تمضي العراق بلاد الرافدين من حال سييء لحال أسوء، بعد إستمرار التهديدات بتجفيف منبعي الحياة دجلة والفرات. ويبدو أن التوقعات الإستراتيجية لأزمات وحروب المياه العذبة الأممية ستشهد حصادا مرا وعاجلا، بعد أن أصبحت قضية المياه ورقة للمساومة والتفاوض والضغط، والعبث بمقدرات ومستقبل الشعوب. وقد تخطي الأمر في العراق مجرد التلويح والتهديد وبدأت إيران وتركيا فعليا مرحلة التنفيذ العملي، حيث قررت إيران تغيير مسار نهر "كارون" وتجفيف منابع بعض الأنهار الصغيرة المغذية العراق حتي لا تصل المياه العذبة لأراضي العراق الخصبة. كما بدأت تركيا التخطيط منذ سنوات لتجفيف منبعي دجلة والفرات ،فأنشأت سد كمال أتاتورك علي نهر الفرات وسد "أليسو" علي نهر دجلة، والشروع قبل عام في تشغيل خزانه بكافة طاقته بهدف توليد الكهرباء، دون أية حسابات للآثار السلبية علي الجانب العراقي. ويحذر بعض خبراء المياه من فقدان العراق لمياه النهرين بصورة نهائية خلال 20 عاما أو أقل، وتحول ملايين الأفدنة لصحاري قاحلة تضارع شبه الجزيرة العربية، ويتوقعون مستقبلا مظلما لتلك الأزمة الطاحنة مع إستمرار ندرة مياه الأمطار وتغير أحزمتها وتباين معدلات سقوطها ،مما يهدد بجفاف وتصحر ملايين الأفدنة المثمرة والصالحة للزراعة، وتشريد ما يزيد عن 7 ملايين عراقي ، من العاملين بالقطاع الزراعي وهو ما يمثل ما يقترب ربع سكان العراق ، إضافة لأزمات غذاء طاحنة بعد تراجع إنتاح عدة محاصيل زراعية وإستراتيجية عديدة. وعلى وقع الجفاف والتصحر، فقد أصبحت الزراعة في العراق أكثر صعوبة بسبب شح المياه وتتوالى المؤشرات المخيفة على عمق الكارثة الإنسانية والبيئية، بما بات يهدد الأمن القومي العراقي ، فمن التداعيات والإشارات المقلقة ،قرار وزارتي الزراعة والموارد المائية في العراق، بتخفيض المساحة المقررة للزراعة في الموسم الشتوي بنسة 50 % عن العام الماضي، وذلك بسبب قلة الإيرادات المائية، وسياسات تركيا وإيران الخبيثة !. كما ظهرت انتقادات لطرق معالجة الأزمة، وغياب استراتيجيات وحلول فاعلة على الصعيد الحكومي العراقي، للتعاطي مع المشكلات الناجمة عن نقص المياه الذي يؤثر سلبا على كافة مناحي الحياة وقطاعات الانتاج في بلاد الرافدين. وأتصور أن شبح الجفاف والتصحر، أكبر التحديات الاستراتيجية التي تواجه العراق في الظروف الراهنة وفي المستقبل المنظور، من حيث فعالية العرض والطلب على المياه، والترابط بين طرق الري والزراعة التقليدية واستخدام التقنيات المتقدمة، وضرورة فتح خطوط تفاهم وتواصل دبلوماسي مع الجارتين الطامعتين في الأرض والنفط !! وبقراءة للمشهد العربي يكمننا أن نرصد تعرض بلدان عربية أخري لأزمات مائية ولمضايقات للنيل من حصصها الطبيعية مثل سوريا والأردن علاوة علي أزمة سد النهضة ومحاولة أثيوبيا فرض سياسية القرصنة وحجب المياه والإخلال بالحقوق التاريخية لمصر والسودان، علاوة علي إصرارها علي الإنفراد بالإرادة الإحادية لمشروعات السد! ورغم هذه المآسي ما تزال مأساة العراق النموذج العربي الأسوء لتنفيذ سيناريوهات الفوضي الخلاقة، وبفعل فاعل بعد أن دمر مؤمرات الغرب جيشها كأحد أكبر الجيوش العربية، وغرست الفتنة بين طوائفها ، وسعت لتأجيج الخلافات السياسية والصراع المستمر لحصد عشرات الآلاف من أرواح الأبرياء، وتدمير عشرات المليارات من المقدرات والثروات. في تصوري أنه قد آن الآوان كي تتحرك الجامعة العربية لوضع حد لهذه التجاوزات وفضحها علي كافة الأصعدة الدولية، قبل أن يتم إستنساخ التجربة العراقية بدول عربية أخري،والفاعل معلوم للجميع،و ليس مجهولا !!.