حقوق المرأة في الإسلام ج(٣)

الخميس 9 ديسمبر, 2021

لنستكمل ما بدأناه لمناقشة حقوق المرأة في الإسلام -الطلاق:- -قال الله تعالى:- (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)) هو حق للمرأة وحلال في الشريعة إلا أن الله يبغضه لأنه يفرق بين الأسرة فجعل لها حق طلب الطلاق طالما وقع عليها الأذى من الزوج بالضرب أو الإهانة وضيق العيش أو الهجران في الفراش أو القسوة والإساءة أو الإجبار على فاحشة ما. ولكن يكون الطلاق على خطوات وبعد محاولات للصلح لعدم هدم الأسر وتشتيت الأطفال بين الأب والأم، ويكون عند الضرورة القصوى واستحالة العيش بين الزوجين، فتبدأ محاولات الإصلاح بينهم بالهجر في الفراش، وإن فشل فلا يحل الضرب أو السب حتى لا تتعرض لإهانة وليحافظ على إنسانيتها فكان النبي يضرب زوجاته بالسواك وهذا ليس بضرب وإنما كدرب من دروب العقاب الخفيف المداعب والخصام. -قال الله تعالى:- ( وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) -قال النبي صلى الله عليه وسلم:- (أضربوهن بمثل هذا السواك ولا يقبح ويعفي الوجه). (لا تضربوا إماء الله). والمقصد هو عدم الضرب وعدم الإهانة فضرب السواك ليس بضرب وإنما يقصد النبي أن لا يحدث من الأساس، وإن حدث يكون بأدنى شيء لعدم التعدي وعدم الإهانة للحفاظ على ادميتها وكرامتها وحقوقها وهو تعبير للهجر والخصام والبعد من أجل العقاب وهو نفس المقصد في قول الله تعالى (...وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ...). فالعقوبة على نشوز المرأة تواترية تصاعدية تبدأ بالوعظ بالكلام الحسن والنصح والإرشاد والعظة ثم الهجر بالمضاجع وهو العقاب النفسي ثم الحل الثالث بقول الله (وأضربوهن)، فهو يكون خيار أخير لا يصل إليه إلا من يفشل في الخيارات السابقة. ولا يكون بمعنى الضرب وإنما بمعنى العقاب بالهجر والبعد والانفصال والفراق، فمعنى الضرب باللغة العربية ليس بالمعنى المفهوم بل بمعنى البعاد مثل (ضرب الدهر بين القوم) أي باعد بينهم، (ضرب الحصار) أي العزل عن ما يحيط بها، ومن القرآن ما يدل على ذلك قول الله تعالى:- (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ (77) والمعنى أن يقوم بفرق وفصل البحر فيحدث طريقاً في الماء. وقول الله تعالى:- (فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13)الحديد (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ(20)المزمل والمعنى بالأولى أي فصل بينهم بسور، والثاني يبتعدون بالسفر. وكما يقال ضرب به عرض الحائط فالمقصد أنه ابتعد عنه، وكما يقال أضرب عن الطعام يعني يفارقه. فإن فشلت محاولات الصلح بين الزوجين فيكون بتدخل أطراف من الأهل لمحاولة الصلح والحفاظ على الأسرة. -بقول الله تعالى:- (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا). وإن حدث الطلاق فيكون على ثلاث مراحل وليس مرة واحدة ليكون مرحلة من التأديب أيضاً سواء للرجل أو للمرأة ولإمكانية العيش ولم شمل الأسرة مرة أخرى لإمكانية الرجوع للحياة الزوجية. -فقال الله تعالى:- (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ....). وإن حدثت المشاكل بين الزوجين واشتدت واستحالت الحياة. -فيقول الله تعالى:- (فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ ). فيؤكد على هذا الله تعالى بعدم ترك الزوجة ما بين عدم استكمال الزواج أو إنهائه فإما معاشرة بمعروف أو فراق بإحسان. وفي حالة حدوث الطلاق أكد الله تعالى على ضرورة الطلاق بالمعروف إن لم تسمح الحياة بالاستمرار بين الزوجين وأن يتم بالمعروف والمودة والرحمة حفاظاً على العشرة والأطفال إن وجدوا. -فقال الله تعالى:- (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) فتكون الحياة بالحسنى والفراق بالمعروف حفاظاً على العلاقات الإنسانية والاجتماعية لتظل العلاقات سليمة بين الناس ولا يحدث شقاق بينهم وحتى يظل التواصل بين الزوجين بعد الطلاق لإمكانية الرجوع ولم الشمل مرة أخرى أو في حالة وجود أطفال فيظل التواصل بين ربي الأسرة للمحافظة على نفسية الأطفال وعدم تشتتهم بين الأبوين وتدميرهم نفسياً. -قال الله تعالى:- (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ) -قال النبي صلى الله عليه وسلم:- (مرة فليراجعها ثم ليمسكها وإن شاء طلقها قبل أن يجامع فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء). فكان التأكيد على أن تكون عدة للمرأة مدة ثلاثة أشهر ليظهر إن كانت بها جنين من الزوج المطلقة منه، وأيضاً محاولة للعودة للحياة الأسرية من أجل الطفل ولم شمل الأسرة. فنجد أن الفكر الإسلامي أكد على وجود عدة بعد الطلاق لمدة ثلاثة أشهر قمرية يتم مرور الدورة الشهرية على المطلقة ثلاثاً لإمكانية العودة مرة أخرى بعد تفكير هادئ، والأهم لإظهار وجود جنين إن كان يوجد والتأكد من والده بعدم دخول آخر عليها في هذه العدة لحفظ الأنساب وطبعاً مع وجود الوسائل العلمية الحديثة ك.. الدي أن أي لا تكون الفائدة فقط لحفظ النسب أو معرفة من الأب ولكن لمحاولة لم شمل الأسرة مرة أخرى بوجود وقت للهدوء النسبي بين الطرفين والتفكير في الرجوع للحياة الأسرية خصوصاً بعد وجود جنين للمحافظة عليه في أسرته. - وقال الله تعالى:- (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) وهذا لكي يكون الطلاق بين الزوجين بإعلام الزوجة به ولا يحدث أن يكون الطلاق لفظي فقط وغيابي أو عند رد الزوجة لعصمة الزوج، وحتى لا يحدث تلاعب بهذا كما يحدث ببعض الدول ويقوم الزوج بإعلام أحد من أهله دون إعلام الزوجة بالرد أو الطلاق. فلا تضيع حقوق الزوجة بالتلاعب اللفظي والغيابي بالطلاق. فيجب أن يتم الطلاق عند شيخ أو لدى قاضي شرعي بمحكمة العدل حتى يكون معلن للزوجة وليس بوجود شاهدين أيا ما يكونون دون علم الزوجة. وهذا أيضاً لكي يكون الطلاق الذي تلفظ به الزوج مؤكد منه لا يكون عند عصبية أو أي حالة ضغط. فلا يكون تلفظه بكلمة الطلاق إلا عن قناعة وهدوء ويقين منه أمام قاضي شرعي أو شيخ.