التربية الإعلامية..وتحديات العصر الرقمي !!

الأربعاء 17 نوفمبر, 2021

في عالم متغير ومتسارع الأحداث ومتزاحم القضايا والملفات، يواجه إعلام العصر الرقمي المفتوح تحديات عديدة ومتزايدة، وفيضا هائلا من المواقع والشبكات والمنصات الزاعقة ليلا ونهارا. ووسط هذا الزخم المتصاعد والحرية اللامحدوده ، تتوه الكثير من الحقائق وتتعرض مختلف الرسائل الإعلامية للتشويه والتحريف والتزييف، وربما تضل الطريق قبل أن تصل للجمهور المستهدف ، وربما تتحول حرية التعبير بالكلمة والصوت والصورة لفوضي بلا قيود أوحدود ، وإلي منافسات محمومة قد تصل لدرجة التصارع علي حساب القيم الإنسانية ومباديء المجتمع. وأتصور أن فكرة التربية الإعلامية السوية،يجب أن تسبق مساعي الحوكمة والضبط المهني، فقد أصبحت ضرورة إجتماعية وقومية بما تحمله من تأهيل مهني وتهيئة وجدانية وعقلية وتثقيف وإعداد شامل للقائمين بالإتصال بمختلف الوسائل وخاصة الأجيال الجديدة،التي ستحمل راية المسئولية ، لكن ينقصها الكثير من مهارات الأداء المهني الفعال والتواصل المجتمعي الراشد. كما تفتقد أحيانا لكثير من الأدوات المهنية ،وثقافة الحقوق والواجبات،ضمانا لإنتاج رسالة إعلامية متزنة وهادفة تسهم في دعم قضايا وأهداف ومبتغيات المجتمع التنموية والأخلاقية. وفي هذا السياق صدر مؤخرا كتاب حمل عنوان (التربية الإعلامية وتحديات الإعلام) للدكتورة سهير عبدالسلام عميدة كلية الاداب بجامعة حلوان الأسبق.  تقول في مستهل سطور دراستها إن المعرفة هى نور العقول والبصائر، والرؤية البانورامية للأمور، وهى بداية الحرية والمسئولية، وإدراك الامتيازات والمخاطر التي تموجُ بك إلى أرض ثابتة مهما تلاطمت الأمواج، فتستطيع أن تدرك بها مكانتك وهويتك ومكانة الآخر وهويته ، وتكون دائمًا نقطة الانطلاق إلى التميز والتسامى والعلو، فى عصر يعتمد علي المعلومات والمعارف فى كل أرجائه، وتنفتح فيه كل الأبواب المغلقة، ويصبح فيه التواصل أقرب من الوجه فى الوجه، عبر وسائل الاتصال والإعلام بالغة التطور وعالية التقنية، تديرها أو تعبث بها عقولٌ ومؤسسات وجماعات ودول. وتؤكد أن الفائز أو الضحية من دون  شك هو الإنسان، فبإمكانه أن يبدع ويبتكر ويتعلم ويتواصل، أو أن يصبح مجرد متلقٍ سلبى، وبإمكانه أن يمارس الحرية فى إطار من المسئولية الاجتماعية، أو أن يعيش حرًا وإن أضر بحريات وحقوق الآخرين، وبإمكانه أن يصنع عالمه على أسس ثابتة وواثقة، أو ينساق وراء القطيع مغتربًا عن ذاته وهويته وكينونته، هنا تصبح المعرفة هى الأمل الوحيد فى السلامة والأمان، وبواسطتها لن يكون الإنسان ضحية وإنما يصبح طوق نجاة لنفسه ومجتمعه ووطنه. واعتقد أن التأكيد علي دور المعرفة والوعي يضيف دورا مهما ومتميزا وجديدا للإعلام المعاصر في عصر الثورة التكنولوجية متلاحقة الأمواج،والروافد.   كما أشارت د. سهير في كتابها إلي أهمية تسلح الإنسان المعاصر بالإدراك المعرفي والمهني فى ظل ثورة الاتصالات والمعلومات، والعالم الافتراضى على شبكة الإنترنت، ووسائل الإعلام الجديده، بما توفره من مواقع التواصل الاجتماعى، فالإنسان فى ظل هذا العالم - إن لم يكن يملك المعرفة به - لن يستطيع الولوج إليه، وإن ولج إليه من دون معرفة هلك وأهلك محيطه معه. ومابين الأمرين تبقى المعرفة بأساسيات المعلومات والإعلام، أمرًا بالغ الأهمية لاسيما بين أوساط الشباب وهم فئةٌ أكثر استخدامًا لذلك العالم ووسائله، وأكثر استهدافًا من قوى تستتر خلف هذه الوسائل وتستخدمها.    وقد أدرك العالم بكل جنباته تلك الحقيقة، وتحركت الحكومات والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية؛ لدراسة معطيات الواقع الجديد، وسبل الإفادة منه وتوفير وسائل الحماية من أضراره؛ إذ كيف ننفتح على العالم وننهل من معارفه ومعطياته؟ ونحتفظ فى ذات الوقت بهويتنا وسلامتنا وسلامة أوطاننا؟! وأتفق مع د.سهير في ضرورة تدريس مقرر التربية الإعلامية عن طريق مقرر يدرس لطلاب للإعلام ،علاوة علي إعداد دورات تدريبية خاصة لفئات المجتمع الأخرى، وإستيعاب آلاف المدونين وهواة الإعلام الإليكتروني، وكافة صور صحافة المواطن. وهي النتيجة الأكثر أهمية التى توصلتْ إليها الدراساتُ في هذا السياق، فلم يعد بإمكان الدول والحكومات أن تفرض على الشعوب الانغلاق أو الانعزال عن العالم، أو إهدار مكتسبات التطور التقنى والرقمى والتخلف عن ركبه. كما لم يعد بإمكان أى حكومة فى أى دولة مواجهة فيض المعلومات المتناقضة والمغلوطة والشائعات التى تصل إلى مواطنيها، أو محاربة مصادرها غير المعلومة؛ لذا أصبح إشراك المواطن فى تحمل المسئولية الاجتماعية فى تعامله مع وسائل الاتصال والإعلام بتطوراتها المتسارعة، أمرًا بالغ الأهمية؛ إذ يتطلب نشر الوعى والمعرفة بتلك الوسائل وما توفره من امتيازات وما ينتج عنها من مخاطر، فضلا عن اكتساب المهارات اللازمة للتعامل مع ما تتضمنه من رسائل إعلامية ونقدها وتحليلها، والتأكد من موثوقيتها وموضوعيتها والسياق الذى جاءت فيه، واستنتاج الأهداف منها والدوافع خلفها، وتحديد أوجه الإفادة منها. ولم يكن هدف الدراسة التعرف إلى أهمية التربية الإعلامية وأهدافها فحسب ، وإنما للتدريب العملى على مهارات تقييم محتوى الرسائل الإعلامية ومضمونها ، وأيضًا محاولة إنتاجها وإبداعها، كما يعرض الكتاب أهم التحديات التى تطرحها حروب الجيل الرابع عبر وسائل الإعلام الجديد، التى قد لايدرك أهدافها كثيرٌ من المتفاعلين عبر تلك الوسائل، مما قد يؤدى إلى وقوعهم ضحايا للجرائم الإلكترونية، أو التورط من دون دراية فى نشر معلومات وأخبار قد تضر بالوطن والمواطنين, وهو ما يتطلب نشر الوعى بتلك التحديات ليكون المواطن هو خط الدفاع الأول عن نفسه ووطنه.  وما أحوج المكتبة الإعلامية لمثل هذه الدراسات التفاعلية المعاصرة ،والتي توصف واقع إعلام العصر الرقمي وتحصن أهل المهنة ورواده ومتلقيه من آثاره وتأثيرات السلبية.