على باب الله
" على باب الله "عبارة قالها لي عامل بسيط يطلب عملا ردا على سؤالي له عن حرفته وعما يمتهن؟ ومن منا لم يسمع تلك العبارة ولو لمرات قليلة، فلاريب ان هذه العبارة قد مرت إلى اذنيك ذات مرة ما دمت تعيش في مصر، وسوف يكون اللوم عليك عظيما ما لم تتسرب حروفها إلى قلبك واحشائك، فما يموت عند الاذن لا يتحرك له القلب مطلقا! انها عبارة مصرية المنشأ يسوغ ويطيب لي ان أقول عنها انها صناعة مصرية اصيلة وعبارة لن تجدها في قارات العالم مجتمعه، انها ذكية وعميقة تحمل في طياتها وجعبتها كل وجع الانسان المعوز وكافة معاناته وقله حيلته، جملة مختصرة ولكنها تحمل كتبا ومؤلفات من الوجع وصفحات عديدة عن قسوة الزمن الذي أصبحنا نعيش فيه، فالزمن لن يخبرك عما يحمله لك ابدا، فمهما ضحكت لك الدنيا فلن يضمن لك الزمن ابدا استمرار ابتسامتها كما لن يخبرك الزمن ان كانت ضحكتها قصيرة ام متقطعة ام طويلة ام ساخرة وخبيثة ام انها اخر ابتسامة سوف تراها من الدنيا، لا تنزعج من الدنيا فهي قاسية وجعلت الكثيرين الان وقوفا على باب الله! اما عن المضمون الذي تحمله هذه العبارة فهو يدل بالقطع على عوز صاحبها كما انها تحمل في الوقت ذاته رجائه وحلمه وعدم يأسه من رحمه خالقه فها هو على باب الله قابع يطلب ما يسد به رمقه ويشفى به جوع أولاده، ولا ريب ان عبارة على باب الله في مفهومها المادي يدلك على الباب الذي يستعطي عنده البعض في دور العبادة، اما في مفهومها الاشمل فهي تدل على رحمه الله الشاسعة بعباده ف الله جل شانه لا يحده مكان كما انه يملئ الكون بل ويتعدى بالقطع حدود الكون وما بعده، وان كان الله غير محدود فان باب رحمته أيضا غير محدود، فالمسكن بالقطعية يتبع حجم صاحبه! ففي القديم كانت بوابات قصور الملوك تشيد بأحجام عظيمة وهائلة وباب مسكن الأغنياء الان يشيد كبيرا فما بالك وكم يدلك فكرك عن باب الله العظيم في جلاله! الذي يقف عنده المحتاجين!!! ولا عجب ان لكل باب مزلاج ومفاتيح بل وأحيانا متاريس وحراس اما عن باب الله فهو بلا اقفال ولا مزاليج لان رحمته دائمة وغير محتجبة عن عباده، وعلى هذا المفهوم فأننا جميعا على باب الله لان كوكبنا لا يساع حجم أو مقاس ذلك الباب الغير محدود وبناًء على ذلك فأننا جميعا الان على باب الله وليس الفقراء فقط! لذا فنحن الان وفي هذه اللحظة عينها جميعنا وقوفا على باب الله الغير محدودا في طوله وعرضه والغير محدودا ايضا في عطاياه، وطالما كان الباب غير محدود فان الرجاء القادم منه والرحمة العابرة من خلاله غير محدودة أيضا، فهذا استدلال لا يحتاج إلى مفهومية أو فراسة! فقد ألهمني ذلك الرجل المسكين الذي مع كونه غني في عبارته وعبرته وفي احتياجه وقله حيلته إلا انه شامخا في وقفته على باب الله، وأخيرا وتلخيصا فان عبارة الرجل المسكين الشامخ هي كناية عن عوزه وعن رحمه خالقه به وبنا جميعا، وان كنت تقف بعيدا عن باب الله وتظن انه مزدحم فأني أؤكد لك انه يسع المليارات السبعة من البشر التي يعج بها كوكبنا بدون تزاحم او تدافع لقد اخبرتك من قبل ان عظمة الباب من عظمة صاحبه سبحانه!