ليست فجوةً ماليّة… إنّها أكبر سرقةٍ مُقنَّنة في تاريخ لبنان

الاثنين 22 ديسمبر, 2025

بقلم : د. ليون سيوفي
باحث وكاتب سياسي

هل هناك احتمال بإسقاط حكومة سلام في الشّارع بعد إقرار قانون الفجوة الماليّة؟
الاحتمال قائم، لكنّه غير تلقائيّ. فالشّارع اللّبنانيّ منهك، ومفتّت، ومجروح بتجارب الخذلان، ويفتقد إلى قيادة جامعة قادرة على تحويل الغضب إلى فعلٍ ضاغطٍ مستدام. غير أنّ إقرار قانون الفجوة الماليّة، إذا جاء بصيغة تُحمِّل المودعين العبء الأكبر وتُبرِّئ المصارف والسّياسات الّتي صنعت الانهيار، قد يشكّل شرارةً خطيرة، لا انتفاضةً شاملة، بل موجات غضب موضعيّة قابلة للتوسّع، إذا ترافقت مع صدمةٍ معيشيّة أو ماليّة إضافيّة. الخطر الحقيقيّ على الحكومة لا يكمن في الشّارع وحده، بل في تآكل شرعيّتها الأخلاقيّة إذا ثَبُت أنّها غطّت شطب الحقوق بقانون.
هل ستشطب الدّولة أموال المودعين؟
الحقيقة أكثر قسوة ممّا يُقال. فجزء كبير من أموال المودعين شُطِب بالفعل، لا بنصٍّ تشريعيّ، بل عبر التّضخّم، والتّقييد القسريّ، والاستنسابيّة الفاضحة. أمّا قانون الفجوة الماليّة، فإن أُقِرّ بصيغته القاسية، فهو لا “يشطب” الأموال مباشرة، بل يُقنِّن الشّطب، ويحوّله من جريمة ماليّة إلى واقعٍ قانونيّ مُشرعن. الخطر لا يكمن في المصطلحات، بل في تكريس خسارة المودع كأمرٍ نهائيّ، مقابل حماية منظومة المصارف والدّين العامّ من أيّ محاسبة جدّيّة.
هل ستستدرك الحكومة الخطر قبل فوات الأوان؟
نظريًّا، القدرة موجودة. أمّا عمليًّا، فالإرادة موضع شكٍّ عميق. فالاستدراك الحقيقيّ لا يكون بتعديلاتٍ شكليّة، ولا بخطاباتٍ تطمينيّة، بل بإجراءاتٍ واضحة لا تقبل الالتفاف، توزيعٍ عادلٍ للخسائر، تحميل المصارف والدّولة مسؤوليّتهما الكاملة، وحماية صغار ومتوسّطي المودعين بنصٍّ صريح لا يُفرَّغ لاحقًا. إن لم تفعل الحكومة ذلك، فهي لا تؤجّل الانفجار، بل تُعيد جدولة الانهيار.
لكنّ الحقيقة الّتي يُراد الهروب منها أبسط وأخطر في آنٍ معًا..ليست خسائر… إنّها سرقةٌ مُقنَّنة تُرتَكَب على مرأى دولةٍ تعرف، وتُشرِّع، وتوقّع.
ما يُحضَّر اليوم تحت عنوان “الفجوة الماليّة” ليس إجراءً إنقاذيًّا، بل جريمة ماليّة كاملة الأركان، يُراد لها أن تمرّ بالقانون بعد أن نُفِّذت بالفعل بالقوّة. أموال المودعين لم تتبخّر، ولم تضِع في الفراغ، بل نُقِلَت، وصُرِفَت، وحُمِيَت سياسيًّا. ومع ذلك، يُطلَب من الضحيّة أن تتحمّل النّتيجة، وأن توقّع على تنازلٍ قسريّ عن تعب عمرها، باسم الاستقرار وبذريعة الإصلاح. هذا ليس توزيع أعباء، بل قلبٌ فاضح للعدالة.
الأخطر من السّرقة نفسها هو شرعنتها. حين تُحوَّل الجريمة إلى مادّةٍ قانونيّة، ويُستبدَل الحقّ بنصّ، والمحاسبة بتسوية، نكون أمام دولةٍ تخلّت عن جوهرها، واختارت حماية المنظومة على حساب المجتمع. أيّ قانون يُسقِط أموال النّاس ليُبرِّئ المصارف، وأيّ حكومة توقّع على شطب الحقوق بدل استعادتها، لا تُدير أزمة، بل تُدير انقلابًا ماليًّا ناعمًا.
الصّمت هنا ليس حيادًا، بل شراكة.
والتّأجيل ليس حكمة، بل تهريبٌ إضافيّ للمسؤوليّة.
الخطر ليس فقط في سقوط حكومة، بل في سقوط ما تبقّى من ثقة بين الدّولة ومواطنيها. وحين تُكسَر هذه الثّقة بقانون، لا يعود الشّارع مسألة وقت، بل مسألة شكل.
ما حصل ليست خسائر… إنّها سرقة.
وسرقةُ الحقوق، حين تُقنَّن، لا تُنتِج استقرارًا، بل غضبًا مؤجَّلًا.
ومن يظنّ أنّ الشّعب سينسى، أو أنّ الجوع يُسقِط الحقّ، لا يعرف شيئًا عن لحظة الانفجار.
فحين يُسرَق المال بالقانون، يُستعاد الحقّ خارج النّصوص.