هل يُمهَّد لنزع السّلاح بالدَّم؟ أم يُمنَع القرار بالفوضى؟
الأحد 21 ديسمبر, 2025بقلم :د. ليون سيوفي
باحث وكاتب سياسي
ليس سؤال نزع السّلاح في لبنان تفصيلاً تقنيًّا، ولا بندًا إداريًّا على طاولة حوار عقيم. إنَّه قرار مصيريّ، وكلّ قرار مصيريّ في هذا البلد لا يُولَد طبيعيًّا، بل يُفرَض تحت الصَّدمة، أو يُجهَض تحت الرُّكام.
التجربة اللبنانيّة لا تكذب. كلّ تحوُّل كبير سُبِق إمّا باغتيال، أو بانفجار، أو بزلزال أمنيّ غيَّر اتّجاه البوصلة بالقوّة. ومن يظنّ أنّ ملفّ السّلاح سينتهي بهدوء، إمّا ساذج، أو شريك في تضليل النّاس.
السّلاح لا يُسحَب بالحوار… بل بالدَّم أو بالفوضى.
هكذا جرت الأمور دائمًا.
فحين يُلوَّح بقرار نزع السّلاح، تبدأ لعبة الأمن، إمّا افتعال توتّرات لإثبات أنّ السّلاح “حاجة وطنيّة”، أو ترك الانفلات يتمدّد ليُقال لاحقًا إنّ هذا السّلاح هو أصل البلاء.
وفي الحالتين، الشّعب هو الذبيحة الدائمة.
هل يتكرَّر سيناريو 2005؟
اغتيال الرّئيس رفيق الحريري لم يكن مجرَّد جريمة، بل كان بوّابة لقرار دوليّ جاهز… إخراج الجيش السّوريّ.
لم يكن الحدث هو القرار، بل الذَّريعة.
واليوم، يُطرَح السّؤال نفسه بوقاحة…
هل يحتاج لبنان إلى دم جديد كي يُمرَّر قرار نزع السّلاح؟
من يعتقد أنّ الأمن سيتدهور صدفة، واهم.
ومن يظنّ أنّ الانفجار الأمنيّ سيُستخدَم فقط لمنع القرار، يتجاهل تاريخ هذا البلد الّذي يُدار دائمًا على قاعدة: الفوضى تسبق التّسوية.
في لبنان، لا تُصنَع القرارات الكبرى داخل المؤسّسات، بل في الفراغات بينها. وحين تعجز الدّولة عن اتّخاذ قرار سياديّ، يُستحضَر الشّارع، ويُستدرَج الأمن، وتُفتَح أبواب الجحيم على مراحل مدروسة. الفوضى هنا ليست فشلًا، بل وسيلة ضغط. والدَّم ليس نتيجة عرضيّة، بل رسالة سياسيّة تُقرأ جيّدًا في العواصم البعيدة قبل القريبة.
نزع السّلاح، إن فُرِض، لن يكون تتويجًا لحوار وطنيّ، بل حصيلة ميزان قوى جديد يُصاغ تحت النّار. وإن مُنِع، فلن يُمنَع باسم الاستقرار، بل باسم الخوف من الانهيار الشّامل. هكذا يُحبَس اللّبنانيّون دائمًا بين خيارين أحلاهما مرّ: إمّا سلاح خارج الدّولة، أو دولة بلا قدرة على حماية نفسها.
المأساة الحقيقيّة ليست في وجود السّلاح بحدّ ذاته، بل في غياب الدّولة القادرة على احتكاره. دولة بلا قرار أمنيّ موحَّد، وبلا ثقة داخليّة، وبلا غطاء وطنيّ جامع، لا تستطيع أن تنزع سلاحًا، ولا أن تنظّم وجوده. لذلك، يُدفَع الملفّ دائمًا إلى لحظة الانفجار، لأنّ لحظة العقل غائبة.
كلّ القوى تعرف ذلك. بعضها يراهن على الوقت، وبعضها يراهن على الصَّدمة، وبعضها ينتظر الخارج ليحسم ما عجز الدّاخل عن مواجهته. أمّا المواطن، فيُترَك وحيدًا أمام السّؤال الأكثر قسوة: متى يُدفَع الثّمن، وبأيّ حجم؟
نزع السّلاح في لبنان لن يكون مسارًا إصلاحيًّا، بل مفترقًا دمويًّا إذا لم تسبقه دولة فعليّة، لا دولة بيانات. وإذا استمرّ التّعاطي مع هذا الملفّ بمنطق المناورة والتّأجيل، فإنّ القرار لن يُمنَع بالفوضى فقط، بل سيُحضَّر لها بعناية.
في هذا البلد، لا يُسأل متى يأتي القرار، بل كم دمًا يحتاج كي يمرّ.
د. ليون سيوفي