العراق بين استحقاقات السيادة وخارطة الطريق لإنقاذ الدولة: رؤية وطنية عابرة للخطوط الحمراء

الجمعة 19 ديسمبر, 2025

بقلم/ عدنان صگر الخليفه 

​تُعد الأزمات البنيوية التي يعيشها العراق منذ عقدين من الزمن نتاجاً طبيعياً لغياب الرؤية الوطنية الجامعة وتغليب لغة المصالح الفئوية والارتهان للخارج، مما جعل الملفات المصيرية للدولة تتحول إلى "خطوط حمراء" يخشى الكثير من الفاعلين السياسيين الاقتراب منها أو تقديم حلول جذرية لها. ومن منطلق المسؤولية التاريخية أمام الشعب العراقي، نطرح اليوم رؤية متكاملة تتجاوز منطق الشعارات، وتغوص في عمق الأزمة لتفكيك أعقد ثلاثة ملفات تكبل مسار الدولة، وهي ملف النفوذ الإقليمي، ومعضلة السلاح الموازي، وموقع العراق في الخارطة الجيوسياسية الجديدة.
​إن التعامل مع النفوذ الخارجي لا يمكن أن ينجح عبر سياسات المداهنة أو الصمت، بل من خلال تبني مبدأ "تحييد العراق" بشكل حاسم عن صراعات المحاور الإقليمية والدولية؛ فالعراق لا يجب أن يكون ساحة لتصفيات الحسابات، وانتصار أي طرف خارجي على أرضنا لا يعني سوى مزيد من التبعية وانحسار القرار الوطني. لذا، فإن خارطة الطريق تبدأ بتحصين الجبهة الداخلية واستعادة هيبة القرار العراقي ليكون نابعاً من المصالح الوطنية العليا حصراً. ويرتبط هذا الملف عضوياً بضرورة حسم وضع السلاح وحصر سلطة الدولة؛ فبناء المؤسسة العسكرية الرسمية القوية والمجهزة بمنظومات دفاع جوي وطيران حربي عراقي خالص هو الضمانة الوحيدة لسحب مبررات وجود القوى الموازية، وتحويل ملف الحشد الشعبي والفصائل إلى أطر مؤسساتية قانونية تذوب في هيكل الدولة وتدين بالولاء المطلق لعلم البلاد، بعيداً عن أي توظيف سياسي أو عقائدي عابر للحدود.
​أما في المنظور الاستراتيجي لموقع العراق في المنطقة، فإننا نرفض أن يكون العراق مجرد تابع لمشاريع إقليمية تُصاغ خلف الكواليس، بل نؤكد على ضرورة استعادة دور العراق كمركز ثقل اقتصادي وسياسي مستقل. إن الرؤية التي نتمسك بها لا تبحث عن تموضع سياسي مؤقت أو مكاسب انتخابية، بل هي نتاج تشخيص أكاديمي وميداني معمق للواقع العراقي، يهدف إلى إنهاء حقبة "الدولة الضعيفة" لصالح "دولة المواطنة والسيادة". إن جرأة هذا الطرح لا تأتي من فراغ، بل من إيمان عميق بأن الحلول موجودة والقدرة على التنفيذ مرهونة بتنظيم الجهد الوطني المخلص، بعيداً عن أجندات الأحزاب التي استهلكت رصيدها وتجربتها. إننا اليوم لا نطرح مجرد أفكار، بل نضع أمام العراقيين والطبقة السياسية والمجتمع الدولي وثيقة عمل وطنية، تثبت أن السيادة العراقية ليست محل تفاوض، وأن بناء الدولة يبدأ بكسر جدران الخوف والعبور فوق كل الخطوط التي وضعت لإعاقة نهضة العراق واستقلاله.