يوم النصر العراقي: بين تضحية الدمّ ومرارة ما بعد التحرير
الأربعاء 10 ديسمبر, 2025
بقلم/عدنان صگر الخليفه
تُستحضر الذكرى الثامنة ليوم النصر على داعش كشهادة على تضحية وجودية، لا كنهاية سعيدة، إذ كشفت الحرب عن "لغز الانهيار" المروع في 2014، حين تهاوت التشكيلات العسكرية الضخمة بفعل الفساد والخلل القيادي. كان الخلاص في الهبة الشعبية الطوعية، التي شكلت القوة الدافعة الحقيقية بعد فتوى الجهاد الكفائي الصادرة عن مرجعية النجف الأشرف.
إن هذا الفداء كان وطنياً خالصاً؛ فالمواطن، لا الموظف المكلف، هبّ من الجنوب والوسط ليصبح فادياً بقرار ذاتي. وهنا تكمن القيمة الأعظم: لولا هذا الهبّ الشعبي ومساندة المواطنين لقواتهم الأمنية المنهارة، لما استعادت تلك القوات ثقتها بنفسها وقدرتها على القتال والدفاع. ولم يقتصر الفداء على الأرواح، بل كان بالمال أيضاً، حيث اشترى أغلب المتطوعين أسلحتهم بأموالهم الخاصة. هذه التضحية كانت حملاً طبقياً وقع على كاهل الفقراء، في تناقض صارخ مع هروب النخب الثرية. وفي موازاة التضحية في الجبهات، كان هناك صمود أسطوري لأهالي المحافظات المحتلة، حيث قاوم الرجال والنساء ببطولة لا توصف، ورغم انعدام أي عنصر يتيح لهم مقاومة حقيقية، أظهر الرجال المدافعون عن أراضيهم مقاومة حقيقية بمساندة إخوانهم من القوات الأمنية والمتطوعين. ولا يمكن إغفال هروب بعض رجال هذه المحافظات وترك عوائلهم تواجه مصيراً محتوماً مع داعش، لكن هذا لا يمثل تعميماً؛ بل كانت النساء في تلك الأسر هن الأقوى والأجدر بلقب "المقاومة" في وجه القمع والتدمير. وقد سطرت المرأة العراقية، سواء في القتال المباشر (كـ الشهيدة أمية الجبارة) أو في دعم المواكب اللوجستي، صفحات شرف تدين المتخاذلين.
لكن النصر الذي حققه الشعب بالدم والمال، حولته النخبة السياسية إلى خيانة للوفاء. فبعد استعادة الحكم، استبدلت النخبة عصابات داعش بعصابات الفساد المالي والإداري، وأهملت عوائل الشهداء التي تُركت دون أدنى مقومات الكرامة. الأدهى من ذلك، أن القيادات اتجهت نحو إعطاء الفضل الأكبر للنصر لأطراف أجنبية، متجاهلة فضل الدم العراقي الخالص الذي وحده صنع الانتصار.
إن هذا الدين السياسي غير المسدد يضع مستقبل العراق على المحك. فالشعب الذي دفع الثمن غالياً يطرح سؤالاً قاسياً: هل سيهب المواطن مجدداً للتضحية، وهو يرى كيف أُهدرت التضحية الأولى واستُغلَت؟ الوفاء لدماء الشهداء والاعتراف بأن الفضل للنصر يعود للعراقيين وحدهم هو الضمانة الوحيدة لأي صمود مستقبلي.
وبمناسبة هذا الانتصار التاريخي العظيم، نتقدم بأسمى آيات التهنئة للشعب العراقي الأبيّ وقواته الأمنية الباسلة، التي استطاعت بفضل تضحياتها الجسام تحقيق هذا النصر.