د.مروه الشناوى تكتب التعليم: كيف تعيق شروط البنك الدولي تنمية دول العالم الثالث وتغذي الإرهاب؟

الثلاثاء 11 فبراير, 2025

في عالم يعاني من تزايد التطرف والعنف، يظل التعليم هو السلاح الأقوى والأكثر فعالية لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تستغل جهل الأفراد وتلاعبهم بأفكار مغلوطة لتجنيدهم. هذه الجماعات تعتمد بشكل رئيسي على غياب الوعي وانتشار الأمية في المجتمعات الفقيرة، حيث يصبح الأفراد الذين حُرموا من التعليم أكثر عرضة للتأثر بالأيديولوجيات المتطرفة. لذلك، فإن نشر التعليم المجاني والعالي الجودة ليس فقط مسألة تنموية، بل هو أيضًا قضية أمنية عالمية. ومع ذلك، تواجه دول العالم الثالث تحديات جسيمة في تطوير قطاع التعليم، خاصة في ظل سياسات البنك الدولي التي تروج لخصخصة التعليم وتربطه بشروط اقتراض قاسية، مما يعيق تحقيق هذه الأهداف الحيوية.

دعونا ننظر إلى حالة باكستان، حيث يعاني النظام التعليمي من نقص حاد في التمويل والبنية التحتية. وفقًا لتقرير صادر عن معهد بروكينغز، فإن أكثر من 1.5 مليون طفل يدرسون في مدارس دينية متطرفة بسبب عدم توفر بدائل تعليمية مجانية أو ذات جودة مقبولة. هذه المدارس، التي تعتمد في تمويلها على تبرعات خارجية، أصبحت مرتعًا للأفكار المتشددة، مما يجعل الأطفال عرضة للتجنيد من قبل الجماعات الإرهابية. لو كانت الحكومة الباكستانية قادرة على توفير تعليم مجاني وعالي الجودة، لكانت هذه الظاهرة قد تقلصت بشكل كبير.

في أفريقيا، تظهر الصورة نفسها ولكن باختلافات طفيفة. ففي نيجيريا، حيث يعيش أكثر من 10 ملايين طفل خارج المدرسة، تفرض سياسات البنك الدولي شروطًا قاسية على الحكومة، مما يجبرها على تقليص الإنفاق العام على التعليم. وفقًا لتقرير اليونيسف، فإن أقل من 3% من الناتج المحلي الإجمالي في نيجيريا يُنفق على التعليم، وهو ما يعد أقل بكثير من النسبة الموصى بها عالميًا (6%). هذا النقص في التمويل يؤدي إلى تدني جودة التعليم وزيادة معدلات التسرب المدرسي، خاصة بين الفتيات.

في المقابل، نجد أن الدول التي استثمرت في التعليم المجاني والعالي الجودة قد نجحت في بناء مجتمعات أكثر استقرارًا وتسامحًا. فنلندا، على سبيل المثال، تُعد واحدة من أفضل النماذج العالمية في مجال التعليم. بفضل نظامها التعليمي المجاني والشامل، تمكنت فنلندا من تحقيق معدلات عالية من التسامح الاجتماعي والتنمية الاقتصادية. وبالمثل، نجحت كوريا الجنوبية في تحويل نفسها من دولة فقيرة إلى واحدة من أكثر الدول تقدماً في العالم، وذلك بفضل استثمارها الكبير في التعليم.

من وجهة نظري، فإن سياسات البنك الدولي التي تروج لخصخصة التعليم وتربطه بشروط اقتراض قاسية تسهم في تفاقم الأزمة التعليمية في دول العالم الثالث. بدلاً من دعم التعليم المجاني والعالي الجودة، يتم تحويل التعليم إلى سلعة تجارية، مما يزيد من التفاوتات الاجتماعية ويحرم الفقراء من حقهم في التعليم. وفقًا لتقرير صادر عن منظمة أوكسفام، فإن خصخصة التعليم تزيد من الفجوة بين الأغنياء والفقراء، حيث يصبح التعليم الجيد حكرًا على الأثرياء فقط.

لذلك، أرى أن تخفيف شروط الاقتراض التي يفرضها البنك الدولي على دول العالم الثالث يعد خطوة ضرورية لتحسين أوضاع التعليم في هذه الدول. يجب على البنك الدولي مراجعة سياساته المتعلقة بالاقتراض، وتخفيف الشروط القاسية التي تفرضها على الدول المقترضة. بدلاً من تقليص الإنفاق على التعليم، يجب تشجيع الدول على زيادة الاستثمار في هذا القطاع الحيوي. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المجتمع الدولي زيادة التمويل المخصص للتعليم في دول العالم الثالث، خاصة في المناطق الأكثر فقرًا وتأثرًا بالصراعات.

في الختام، فإن التعليم هو السلاح الأقوى لمكافحة التطرف والإرهاب وبناء مجتمعات متسامحة ومستقرة. ومع ذلك، فإن سياسات البنك الدولي الحالية تعيق تحقيق هذه الأهداف، مما يجعل التعليم سلعة فاخرة بدلاً من أن يكون حقًا أساسيًا لكل فرد. يجب على المجتمع الدولي والحكومات المحلية العمل معًا لتخفيف قيود الاقتراض وزيادة الاستثمار في التعليم، لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.