صنوف المطففيين .. وحزام "المستهلك"!!

الاثنين 26 ديسمبر, 2022

أصبح وأمسي المواطنون في حيرة وتوجس ،يضربون أخماسا في أسداس،مع الزيادات المطردة في الأسعار ، والتي تتكشف الأيام تباعا أنها بفعل ثلة من تجار الأزمات والمطففيين ،اتقنوا توظيف تداعبات الأزمة العالمية وتعثر سلاسل الإمداد وماخلفته من آثار سلبية بغرض تحقيق أرباح طائلة وثروات فاحشة! إنها مافيا جديدة لا تقل خطورة عن التجارة غير الشرعية ومحترفي الاقتصاد الأسود لها مساندون ومخططون أمميا ومحليا،ورجال أعمال لا يلتفتون كثيرا للأبعاد الاجتماعية والإنسانية لهذه الأزمات التي صنعتها أيادي آثمة ويجني ثمارها القبيحة بنو البشر في كل مكان. المواطنون ضجروا وكفروا بالرأسمالية المتوحشة واقتصاديات السوق الحر التي تلتحف بآليات كاذبة، لا تطبق في دنيا الواقع بل تدار عن طريق صفقات واتفاقيات وتعهدات وشراكات احتكارية، تتجاوز قوانين الدول وأعرافها الإنسانية ، بل وترفض أحيانا تخفيض السلع مهما زاد حجم إنتاجها وقل الطلب عليها،كما ترفض التنازل عن جزء من أرباحها المبالغ فيها من الأساس،بل وتفنن في مضاعفة هذه الأرباح والسيطرة علي الأسواق وتقليل جودة وحجم أو كمية السلعة، وخاصة في السلع الاستهلاكية والغذائية والتي لا غناء للناس عنها!. وعلي المستوى المحلي من المؤسف أن نشهد تبدلا وانحرافا قيميا لدي العديد من التجار المصريين،واختفت تدريجيا أصول المهنة المستقاه من المنابع العقيدية والعادات والتقاليد الأصيلة، وأصبحنا وأمسينا نري المعاملات الفاسدة والاستغلال والاحتكار،ومؤشرات الطغيان المادي وبوادر الانهيار القيمي واضحة جلية كالشمس في قارعة النهار!. واعتقد أن النموذج الأسوء خلال الأيام الأخيرة الأفعال الإجرامية الآثمة لتجار العملة الصعبة والمضاربة في أسعار الدولار واحتكارالعديد من السلع والمنتجات وسقوط "مافيا" الأعلاف ،والذي كشفت عنها أجهزة الدولة مؤخرا، من خلال لجنة مشتركة من الإدارة العامة لمباحث التموين، وقطاع الثروة الحيوانية بوزارة الزراعة، وقطاع التجارة الداخلية بوزارة التموين، وهيئة الصادارات والواردات والموانئ المصرية، وهو تحالف مشبوه بين مجموعة مصانع ومستوردين وعدد من رجال الأعمال للتلاعب في حصص العلف،وإشعال أسعار الدواجن واللحوم،وافتعال أزمات جديدة!. وأتصور أن الإعدام الجماعي للكاتكيت بصورة مستفزة بحجة نقص الأعلاف قبل عدة أشهر كان مقدمة لتنفيذ هذا المخطط الخبيث،الذي يجني المستهلكون ثماره المرة، ويكنز تجار السوء أرباحه الخيالية،بلا مرؤة أوخجل!. وقد تم مؤخرا استهداف عدة مصانع أعلاف ومستوردين للخامات العلفية ومخازن وصوامع أعلاف وخاماتها، للوقوف على مدى التزام القائمين على الصناعة بالسياسة العامة للدولة، وتبين أن إحدى الشركات الوسيطة تقوم بشراء كميات كبيرة من "كُسب" فول الصويا من خلال الشركات المستوردة، وتقوم بطرحه بالبيع لمصانع الأعلاف بفارق سعر يتعدى العشرة آلاف جنيه للطن، مما يعد مخالفة للقانون ويحقق أرباحا غير مشروعة ،مخالفا لكافة قوانين الدولة!. وبعد أن ماتت ضمائر هؤلاء المستغلين ماذا بعد؟!.. إنها الحرب الجديدة علي السوق السوداء،التي تتطلب تكاتف كافة الجهود الرسمية والشعبية ،وعلي رأسها المؤسسات الإعلامية والدينية لمواجهة هؤلاء المطففيين الجدد المتاجرين بأقوات المصريين. ومن جديد تتزايد مطالبات المواطنين بضرورة التسعير الجبري لكافة السلع والمنتجات، ولتذهب آليات السوق الحر إلي الجحيم ،مع فرض المزيد من الرقابة ،والإلزام الفعلي لكافة المحلات والسلاسل بوضع أسعار لكافة المنتجات. ويبدو أن من الحلول الفعالة، والتي تم تجربتها في العديد من الدول، أن يرتدي المستهلك حزام الترشيد، وأن يعيد حساباته، وأولوياته وأن يلجأ إلي سلاح البدائل، تجنبا لهذا الغلاء والبلاء،وهذا الجشع المصطنع الذي فاق كل الحدود،ولم تشهد له مصر مثيلا في عصرها الحديث. تخيل لو أن معظم المواطنين من الطبقات المتوسطة ومحدودي الدخل تخلوا عن ربع أوثلث احتياجاتهم الأساسية وجل الاحتياجات الترفيهية أو معظمها وتوقفوا عن تخزين السلع بلا مبرر، اعتقد أن المحصلة ستكون فعالة جدا، فسلاح المقاطعة الجزئية له مفعول السحر لدي هؤلاء المتلاعبين. كما أن المقاطعة والترشيد هو أيضا السلاح الناجع لمحاربة هؤلاء المطففيين المتاجرين بأقوات المصريين. ومساندة لجهود أجهزة الدولة في هذا الشأن أصبح لزاما محاربة فكرة التطفيف وبخس الأوزان،والتي أهلكت أمما غابرة ودمرت شعوبا أدمنت هذه التجارة حالكة السواد. وهناك صنوف مجتمعية خبيثة من التطففيف يجب محاربتها، منها : التطفيف الماديّ والمعنويّ، وهناك تطفيف غش، وتطفيف عدم إتقان، وهناك تطفيف تنقيص وزن، وهناك تطفيف تنقيص كيل، وهناك تخفيض المستوى النوعي، هذا كله مِن التطفيف. وصدق الله تعالى: ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ َإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ*أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ*لِيَوْمٍ عَظِيمٍ *يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.. ﴿ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ﴾.. الهلاك للمطففين، فإذا تعمدت الغبن والغمط،أو طففت بحق إنسان قليلاً فالويل لك، فكيف إذا تركت حق الله كله؟. والمطففون كما جاء في التفاسير هم الفُجَّار، وكلُ مطففٍ فاجر، ظالم لنفسه ولمجتمع وربما تصل الرسالة يوما لمن يهمه الأمر!!