سيناريوهات الخروج من "مقبرة" أوكرانيا !!

الأربعاء 14 سبتمبر, 2022

..وتدور الدوائر ،ووسط ردود فعل عالمية متباينة ،اتخذت روسيا قرارا متعقلا بإنهاء حرب أوكرانيا من طرف واحد وسحب قواتها من كافة الأراضي الأوكرانية،والإبقاء علي منطقة حدودية عازلة لتأمين انسحاب قواتها ،كما أعلن الرئيس الروسي بوتين تحقيق كافة أهداف موسكو الاستراتيجية ،واستئناف إمدادات الطاقة والغاز لدول الناتو، وقبول الدفع بالعملتين ،الروبل والدولار،شريطة إبداء حسن النوايا ،ووقف الحصار الاقتصادي والعقوبات المفروضة علي موسكو ومصالحها في دول أوروبا،وفي مختلف دول العالم. ونتيجة للقرار الروسي تراجعت أسعار النفط والغاز والمواد الغذائية، كما تأثرت أسهم العديد من الشركات بالبورصات العالمية،سلبا وإيجابيا ،وبدأت سلاسل الإمداد الدولية الاستعداد لمرحلة ما بعد الحرب وفقا لآليات ومعطيات مغايرة، كما دعت موسكو لحوار دولي ترعاه الأمم المتحدة، والقبول بفكرة الهدنة والمصالحة مع دول الجوار .. !! عفوا.. أبناء المعمورة شرقا وغربا،فحتي كتابة هذه السطور ،ما هي إلا أمنيات تتوق لها النفوس السوية من أهل الدنيا ،وأن تأت في المقام الأول كأفضل السيناريوهات المحتملة.. لوقف الحرب والخروج من "مقبرة " أوكرانيا،التي تسببت في خسائر بالمليارات ،وشللا اقتصاديا وسياسيا،وحصدت أوروبا ودول الغرب آثارها المرة بسرعة البرق ،كما انتقلت تداعياتها السلبية كالنار في الهشيم في مختلف بقاع العالم. أما السيناريو الثاني كما يتوقعه الخبراء والمراقبون استمرار الحرب لما بعد الشتاء، بين شد وجذب مع تراجع نسبي للعمليات العسكرية الروسية تجنبا للمزيد من الخسائر في الذخيرة والأرواح والآليات العسكرية ،ولمدة قد تزيد عن ستة أشهر أخري!. ويراهن بعض المحللين علي يقين جميع الأطراف بجرم القرارات وخطأ السياسات ،وربما تجني أوروبا الحصاد الأسوء في تاريخها ،بعد إقدامها علي التنفيذ الأعمي والقبول اللامتعقل لمخططات واشنطن ،دون دراسة واعية لأبعاد الأزمة ،ودون حسابات دقيقة رغم أن كل المؤشرات الأولية أكدت أنها الخاسر الأكبر، وعلي كل المحاور . ويري البعض أن أزمات الغاز والغذاء والتضخم، التي تواجهها القارة العجوز بعد جفاف الأنهار ستعمق الجراح وتصب المزيد من المآسي والكوارث، والخسائر المباشرة وغير المباشرة نتيجة لخطايا الحاضر وغياب الرؤية المستقبلية الصائبة، والتبعية المطلقة لسياسات الولايات المتحدة،وإصرارها علي العناد وتصفية الحسابات مع الدب الروسي بالوكالة وعلي حساب أبناء أوروبا المنكوبة !! أما السيناريو الثالث، اشتعال ثورات شعبية بمختلف دول الغرب وأوروبا وبعض دول العالم الأكثر تضررا مطالبة ،بإنهاء حرب الجحيم ورفض انضمام اوكرانيا لحلف الناتو،والتي تحمل آثارها المدمرة ودفع فاتورتها مواطنو القارة العجوز بعد تفاقم الأزمات الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم وتزايد نفقات المعيشة ، ومن ثم تعلن كييف عبر الوسطاء رغبتها المؤكدة في التراجع عن فكرة الانضمام لحلف الناتو والبقاء علي الحياد ،وبحث الخروج من هذا النفق المظلم!. والسيناريو الأسوء، هو سيناريو الانتحار السياسي الدولي ،وانسداد أفق التفاوض بلا رجعة ،وانتقال الصراع بصيغته الأممية ودخول أطراف أخري كالصين وكوريا الشمالية والهند وغيرها ،حلبة الصراع ،والتهديد صراحة بضربات نووية وقائية ،وإقرار نظام عالمي جديد بالقوة،وهو المقدمة ربما لنهاية عالم الأمس واليوم !. وتظل الحقيقة المرة أن أزمة الحرب الأوكرانية تتزايد تعقيدا وتشابكا، مع تصاعد وتيرة الأحداث والمستجدات علي الأرض ،ولا أحد يستطيع حياكة سطور النهاية،علي وجه الجزم والتحديد،لكن الحقيقة المؤكدة أن الجميع خاسرون، حتي تضع المعركة أوزارها وحتي إشعار آخر!. وقد أربكت الهجمات المكثفة المضادة لأوكرانيا وحلفائها خلال الأيام القليلة الماضية، حسابات الدب الروسي ،والذي اضطر للانسحاب مع إعلان القيادة العسكرية الأوكرانية أن هذه الهجمات هدفها تحرير كافة الأراضي الأوكرانية بعد نجاح تحرير ما يزيد عن ثلاثة آلاف كيلو متر مربع من أراضيها وعشرات المدن والقري. كما أن إعلان موسكو أن قواتها بصدد إعادة التمركز يشي بحقيقة ارتباك روسيا وعجزها عن إدارة وحسم المعركة،والخروح من مقبرة أوكرانيا بأقل الخسائر!. كنت أتصور أن الثعلب العجوز "بوتين" أكثر دهاء في إدارة المعركة، لكنه وضع نفسه بين شقي الرحي، ووضع سمعته ومكانته السياسية علي المحك ،وموسكو الآن أمام اختبار غاية في الصعوبة ،إما الصمود والمزيد من الأزمات والخسائر، أو الخروج المهين بلا غطاء سياسي بعد تفويت عشرات الفرص الضائعة !!. كنت أتوقع أن تعلن روسيا وخلال احتفالها بعيد النصر قبل ثلاثة أشهر إنهاء الحرب ،والاكتفاء بما تحقق من إنجازات ومكتسبات،علاوة علي الرسائل المتعددة التي بعثتها خلال ما يقرب من 90 يوما لمن يهمه الأمر ،وعلي كافة المحاور السياسية والاقتصادية والاستراتيجية. كنت أتوقع أن تتجنب موسكو مغبة وعواقب استراتيجية واشنطن وكتيبة الحلفاء، الذين يسعون بكافة الطرق المشروعة واللامشروعة لإستنزاف روسيا وجرها إلي حرب طويلة الأمد،والقضاء علي أسطورة الدب الجامح، الثعلب العجوز، علي حساب أهل أوكرانيا ، وتأتي الصراعات بما لا تشتهي الساسه ! في تصوري أن افتقاد أطراف الأزمة للحكمة والإصرار علي اقتراف المزيد من الحماقات، سيعمق الجراح ،والمحصلة المزيد من الاستنزاف والخسائر علي الجانبين،ويبدو أنه لا سبيل للخروج من الأزمة علي المدي القريب ،والتي تجاوزت الستة أشهر منذ اندلاعها فالمؤشرات الحالية تشير إلى امتداد هذه الحرب لفترة طويلة قادمة بعد أن أصبحت هذه الحرب بمثابة مأزق لكل الأطراف ، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي مؤخرا إلى الإعلان عن حزمة مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا بقيمة 3 مليارات دولار، ليصل مجموع ما قدمته واشنطن إلى قرابة 13 مليار دولار ، بلا فائدة حقيقة!. الرؤى والبدائل والتحولات في المواقف مرهون بالعودة لصوت العقل والنظرة الاستشرافية الثاقبة لعواقب الأمور .. ولا عزاء للقلوب المكلومة ،ولا لضمائر الإنسانية الجريحة!.