ضمن عروض مهرجان المسرحي العربي الدورة الخامسة عشر ..مسرحية – سيرك – جواد الاسدي ينعي المدن المنهارة
كتب – عبدالستار ناجي
كعادته يعود المخرج المسرحي العراقي القدير د . جواد الاسدى مشاكسا نابضا بالتجديد والتحدي شاهدا على المتغيرات التى راحت تعصف هنا او هناك من بقاع العالم ومدنه التى راحت تتهاوي منهاره امام هيمونة التسلط والتصدع .
في عمله المسرحي الجديد – سيرك – الذي قدمه بالتعاون مع الفرقة الوطنية للتمثيل ياخذنا الى حيث مسرحه الضمير ومسرحة الشاهد ومسرحة الذي يصرخ في وجدان المتلقي وضميره ونبضه عبر مجموعة من الشخوص التى راحت يكثفها لتكون لتوكن بمثابة البراكين المتفجرة حسا والما ..
منذ اللحظة الاولي ومع التعامل مع العنوان فنحن مع مفردة ( سيرك ) غير المعرفة بمكان او زمان فهو ( سيرك ) لا زماني ولا مكاني يمكن ان يكون في اى بقعة من العالم ولربما في اي عاصمة انهارت حاضرتها امام هذيان السطوة لتتحول الى شظايا ورماد وركام .
مسرحية – سيرك – عن بقايا سيرك تم تدميره بالكامل بعد حرب طاحنة هجرت شخوصه وتاريخه وتاريخهم الا من ذكريات تعصف لتجمع بينهم وهو يستعيدون مجد ولي وزمن بات في الامس البعيد وراحت الامور تتدهور لحظة بعد اخري .. حكايات كاتب روائي وممثلة كبيرة وزوجها ..
فاى حكايات واى تاريخ وذاكرة والم .. ذلك الذى يستحضرة جواد الاسدي وهو الشاهد على تداعي وانهيار الكثير من المدن لان ما كنا نشاهده على الخشبة هو فعل نكاد نعيشه ونلمسه في الكثير من مدننا وهى تعيش انهياراتها المجلجلة وتداعيها الصارخ وسطوة الاخر على مجتمعات انسانية متحضرة تحولت الى رماد انساني راح يتحول الى رماد وعدم .
ضمن المتن الروائي للعرض نحن امام حكاية ( كلب ) تم اعدامة وقتله على يد صاحبة بعدما ازعج ذلك الكلب ضابط كبير وخوفا من غضب الضابط وتوجيهه الاتهامات لصاحب الكلب فضل صاحب الكلب ان يعدم الكلمة . ولكن الضابط لم يكتفي بالامر بل راح يتجاوز على كل شي حتى الممثلة الشهيرة زوجة صاحب الكلب والسيرك .
وعبر ذلك النباء الدرامي الذي ياتى مركزا بعيدا عن المباشرة تتداعي الاحداث صاخبة تعزف على مقام الالم بكل تفعيلاته . مترعة بالاسئلة ثرية بالمواجهات التى تظل دائما بلا اجوبة بل هى مشرعه الى ابواب عاصفة بريح لا قرار لها ..
ورغم ذلك التدعي والتشظي والتهشم والتفكك الا ان جواد الاسدى يظل كما عادته في جميع اعماله ممسكا بالامل وهو هنا بالعودة الى ذواتنا وتاريخنا الانسانى والابداعي ليكون بمثابة الحصن من كل تلك العواصف العاتية والحروب المدمرة التى تكاد تكون قد ابادت الجميع قتلا وتشضيا وجنونا ..
في العرض مجموع من الدلالات ومنها تلك الاشجار ( النخيل ) التى يبست ولكنها لا تزال شامخا كما اشجار اليخاندرو كاسونا .. وتلك الكتل السوداء التى في جوانب المسرح ( السيرك ) وكانها جبال قد تطبق في اى لحظة على انفاس ما تبفي من شخوص مدمرة واحلامه ممزقة واجساد شبة ميته .
الكتابة عن تجربة – سيرك – يعني استحضار التاريخ الانسانى بكل لحظاته والمه وهذيان شخوصه التى راحت تتحرك على الخشبة اعتبارا من صاحب الشيرك ( يجسد الشخصية علاء قحطان ) والذى يتنقل بين مجموعة من الحالات الدارمية اقلها المشهد الافتتاحي وهو يتحدث مع زوجته ( شذي سالم ) التى فرت الى الحدود ليدخل لاحقا في لجة من الاحداث تقترب من الجون خصوصا بعد ان يقرر اعدام كلبة صديقة . في خط متقاطع نتابع حكاية الروائى ( احمد الشرجي ) الذى انهارت كل احلامة وتم تقطيع اصابعه من سلطة قمعية ولم يبقي له سوي اسم روايته الاولي واحلام اللقاء مع الممثلة التى لطالما احبها . بينما الممثلة التى وجدت نفسها وهي في قمة نجوميتها ومجدها واقبال الجماهير على منجزاتها المسرحية مجرد ( شهوة ) عابرة لدي الضابط الذى لا نراه ولكنه يظل رابضا على صدورنا وعقولنا طيلة فترة العرض حيث يستدعي كل منا هنا او هناك ذلك الضابط .
في – سيرك – جواد الاسدى وصية من الطراز الاول لان يكون زادنا هو العودة الى الذات . كما انه يقدم لنا درس رفيع المستوى في فنون الكتابة المسرحية الثرية بالتكثيف والاختزال وهو ما ينعكس على شكل العرض من تقشف عال المستوى لان الهدف هو المضامين وايضا عشق الاسدى الاكبر والمتمثل بحضور السيد الممثل الذى سيطر الى الجانب الاهم من التجرية مستعينا بقامات مسرحية متميزة استطاعت ان تقدم مفردات ابداعية متجددة واضافية واستثنائية في الاداء فهذا علاء قحطان والنقلات الكبري في الشخصية التى تلهث في اتنقالتها المقرونه بالرعب والخوف والوجع . و احمد شرجي من خلال شخصية الروائي بالانكسارات التى راحت تعيشها الشخصية وصولا الى مرحلة البكاء والواحدة وانهاء الرجولة .
اما عند محطة الفنانة القديرة شذى سالم فحدث واسهب . وهي تمسك بمضامين الشخصية اعتبارا من لحظة تجسيد احد المشاهد المسرحية عبر تاريخ فرقة مسرح السيرك وصولا الى العزلة ومحاولة ضخ الامل في نفس الكاتب مرورا بمحطات عدة ومن بينها العلاقة من زوجها صاحب السيرك والى اللحظات القاسية ضمن الوقوف بين يدي الضابط الذى يطلب منها قصيدة – لماذا تركت الحصان وحيدا – تلك الرائعة التى كتبها الشاعر محمود درويش . وبعد ذلك المشهد مباشرة تتحول شذي الى نبض ذلك الضابط الشبق الارعن الذى لا يره بها سوي امراة للفراش .
شذى سالم في – سيرك – نبض عامر بالتجديد واحترافية طيعة تشير بوصلتها صوب فضاءات ابداعية ورهان متجدد لدي صناع المسرح في العراق الغالي .
مسرحية – سيرك – للفرقة القومية للتمثيل وللكبير جواد الاسدي فضاء من الاوكسجين النقي يهب على رئتي المسرح العربي والعربي .