صناع الاحتلال لن يساندوا المقاوم.. هكذا ضاعت فلسطين وهكذا تعود..بقلم المفكر العربي على محمد الشرفاء
في هذا المقال يوضح المفكر العربي الكبير الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي حقيقة القاعدة الحياتية الثابتة التي تؤكد أن من يملك القوة يملك الحق حتى لو كان هذا الحق باطلا، وهذا مبدأ الأزلية التي تؤسس لقاعدة (القوة تفرض الحق)، فلا مكان في الحياة للضعفاء حتى لو كانوا أصحاب حق، وهذا ينطبق على ما يحدث لأشقائنا في فلسطين من خلال المشاهد الدموية الباكية والجرائم التي يرتكبها الصهاينة وحلفاؤهم في العالم في حق أوطاننا، وفي الجزء الثاني من المقال تحدث الكاتب عن سيناريوهات احتلال الأراضي الفلسطينية بشكل تحليلي ومبسط منذ بدء المؤامرة الدولية لإيجاد وطن لليهود وحتى اليوم، ثم أوضح نقطة مهمة وجوهرية في القضية، وهي أن من أنشأ إسرائيل ومكن لها في فلسطين هم الغرب، من خلال تفريق وتمزيق الوطن العربي، وتحقق لهم ذلك عندما غابت العقول العربية، ولذلك ليس غريبا أن تدعم أمريكا وبريطانيا والغرب إسرائيل، لأن الكيان المحتل مشروعهم التاريخي لتفريق العرب وتفكيك وحدته ونهب ثرواته، ثم ذكر الكاتب الأسباب الحقيقية التي أدت إلى ضياع فلسطين، كما وضع معالجات حقيقية لعودة الأرض من خلال الوحدة التي تخلق القوة.. وإلى تفاصيل المقال..
قاعدة القوة والحق
(من يملك القوة يملك الحق) قاعدة أساسية في الحياة الدنيا منذ خلق آدم إلى قيام الساعة، وفي قراءة التاريخ سوف نجد تلك القاعدة واضحة، فمن ملك القوة فرض الحق بغض النظر إن كان حقا أم باطلا.
الاستعداد والتجهيز
وعلى صاحب الحق أن يتقصى بداية الجريمة التي ارتكبت في حقه حتى يستطيع أن يجهز نفسه لاسترجاع حقه، وهنا لابد أن يبدأ الإعداد الجيد ويقوي أواصر أبنائه ويعزز إيمانهم بحقهم، ويسد كل الثغرات التي تفرقهم وتضعف قوتهم، فإذا نجح عاد إليهم حقهم لأنهم أصبحوا أقوياء ومتماسكين، وإذا لم يستعدوا بقيت القوة الظالمة الغاشمة تفرض باطلهم وتجعله حقًا من منطلق القاعدة السابقة.
ضياع فلسطين
وبإسقاط ما تقدم على الواقع الفلسطيني والماضي الذي يعود إلى أكثر من قرن من الزمان، بداية من الفصل الأول حتى واقعنا الحالي المرير، فعندما تم التخطيط للاستيلاء على فلسطين وتشكيل وطن يهودي يفرق العرب ويمكن الغرب وأمريكا من مفاصل الشرق الأوسط وباقي دول العالم.
وكانت البداية من خلال دعوة رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل الدول الاستعمارية في ذلك الوقت وهي (بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا) لعقد مؤتمر في لندن بحجة حماية شريان التجارة العالمية، وتأمين قناة السويس التي تربط بين الشرق والغرب، وتحيطها الدول العربية من كل جانب.
وطن غريب لتقسيم العرب
وحتى تنفيذ المخطط كان لابد من خلق وطن غريب عن العالم العربي يقسمه بين مشرق ومغرب ليسهل عليهم تقليص نهضته، وإعاقة تطوره وتقدمه وحرمانه من استغلال ثرواته الطبيعية، من بترول وغاز ومعادن، وأن تتعاون الدول المجتمعة في مؤتمر لندن لتسهيل ودعم الصهاينة اليهود، بكل الوسائل السياسية والعسكرية والمالية.
وطن للصهاينة
وهنا تحقق الأمر في ميلاد وطن قومي لليهود الصهاينة في قلب الأمة العربية، التي تمزق جسدها وتفرق شعوبها وظهرت فيهم الفتن ونشأ بينها الصراع والقتال.
انشغال العرب
ونجح المخطط وكانت إسرائيل في مأمن، واستطاعت أن تسلب أكبر قدر من الأراضي لتبني المستوطنات، والعرب وأصحاب الأرض الفلسطينيون مشغولون بأنفسهم.
مشاهد تنفيذ المخطط
وبعد ذلك اتفق البريطانيون والفرنسيون على تقسيم العالم العربي بينهما، وأعلنت اتفاقية سايكس بيكو بين وزيري خارجية بريطاني وفرنسا سنة 1916م ثم تبعها وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا سنة 1917م الذى تضمن إعلان تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين في 2 نوفمبر 1917م وقامت دولة إسرائيل في 14 مايو 1948م بعد انتهاء الانتداب البريطاني الذى ساهم ودعم وساعد قيام دولة إسرائيل منذ مؤتمر لندن سنة 1907م إلى 14 مايو سنة 1948.
قرارات يقرها اليهود والصهاينة
تلك مشاهد قدمتها في عجالة ليستدرك العرب أنهم مغيبة عقولهم، ضائعة حقوقهم، وهناك وصاية استعمارية على مستقبلهم، غير مدركين ما يخطط لهم في الخفاء، وينساقون خلف وعود باسترجاع حقوق الفلسطينيين، والإسرائيليون يبنون المستوطنات، وتمر السنون والعرب يسعون خلف المفاوضات وقرارات مجلس الأمن، علما بأن من يملي قرارات مجلس الأمن هم نفس أعضاء مؤتمر لندن المعقود سنة 1907م الذى استهدف إنشاء وطن قومي لليهود، فكيف يصدق المسروق وعود اللصوص بأن يعيدوا له حقه؟
أين الدفاع المشترك والوطن يتمزق؟
أليست تلك مأساة؟ أمة ضاعت منها بوصلة متطلبات القوة والوحدة والتعاون والتخطيط للمستقبل في مواجهة أي اعتداء على الحقوق العربية حين ساهم الإنجليز في قيام الجامعة العربية ليشغلوا العرب بقرارات قمم عربية لا تجد لها مكانا من التنفيذ أو الاحترام في الالتزام بقراراتهم، وعلى سبيل المثال اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعها القادة العرب سنة 1950م تحت اسم (معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي) فهل تم تطبيقها بالرغم مما مر على مختلف الدول العربية من عدوان وغزوات من قبل دول افتقدت كل قيم الأخلاق ومبادئ حقوق الإنسان واستباحت ودمرت أقطارًا عربية مثل العراق وسوريا واليمن والصومال وليبيا؟
كيف يحترمنا العالم ونحن نتصارع؟
واليوم ومع كل الحزن والمرارة التي تعصف بالإنسان العربي حينما يجد بعض الدول العربية تشارك فى العدوان والتدمير ضد أشقائها العرب، وفى مثل تلك المواقف العربية التي تخلت عن الوفاء بالعهود والمواثيق العربية، فكيف سيحترمنا العالم ويقيم لنا وزناً، بل على العكس سيزيد من وطأته على العالم العربي وكل منهم يستحوذ على نصيبه من الثروات العربية ينهب كما يستطيع ويشاء في كل وقت؟ لماذا لم يتم تنفيذ قرار مجلس الأمن الخاص بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية الذي أقره مجلس الأمن رقم (242) بتاريخ 22 نوفمبر 1976م؟ والقاضي بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها قبل يونيو 1967م بما فيها الأراضي الفلسطينية؟ والعرب يتساءلون لماذا لم ينفذ قرار مجلس الأمن المذكور أعلاه لأكثر من خمسين عاما؟ هل تعرفون السبب؟ إنه كما يلي:
أسباب ضياع فلسطين
تورط أصحاب القرار الدولي
الدول الرئيسيّة في مجلس الأمن بعضها متورط في قيام دولة إسرائيل، ومن مصلحتهم استمرارها واستمرار توسعها على حساب الأراضي الفلسطينية والحقوق العربية.
الخلافات العربية المستمرة
استمرار الخلافات بين الدول العربية ومشاركة بعضها في العدوان على أشقائها مع الأتراك وغيرهم من الدول الطامعة في الثروات العربية لم يجد أصحاب القرار في مجلس الأمن قوة عربية واحدة وقدرات متوافقة على اتخاذ مواقف واحدة للمطالبة بالحقوق العربية ولديها من القدرات والإمكانيات بأن تضع ضغوطا على بعض الدول العربية المؤثرة باستخدام كل القدرات المتاحة في الدول العربية الأمر الذى لم يتحقق ولم تتوفر النية المخلصة لمواجهة العدوان على الحقوق العربية بالعزيمة والإيمان وتنفيذ اتفاقية الدفاع المشترك.
القوة تفرض الحق (قرار الشيخ زايد)
نضرب مثلا على موقف دولة الإمارات أثناء حرب أكتوبر سنة 1973م وما قرره سمو الشيخ زايد -رحمه الله- عندما أصدر إعلانه بقطع البترول عن أوروبا وأمريكا، مما خلق ضغطا هائلا على أمريكا وحلفائها الذي نتج عنه حذو الدول العربية حذو موقف الشيخ زايد الذى أدى إلى وقف الحرب وصدور قرار مجلس الأمن (252)، ومثل تلك المواقف المشتركة التي قادها بكل إيمان وعزيمة المرحوم الشيخ زايد بشجاعة القوي بإيمانه بالله وبدعم أشقائه.. بمثل تلك القيادات التي تفتقدها الأمة العربية اليوم استطاعت أن تلزم كل الدول الغربية وأمريكا باحترام الحقوق العربية، ولكن ليعلم الجميع أنْ لا حقوق للضعفاء فهم يضيعون بين اللصوص والأشقياء.
تصديق المتآمرين والخونة
المؤامرة على الأمة العربية ليست وليدة اليوم، بل بدأ التخطيط لها منذ سنة 1907م في مؤتمر لندن ونحن نتعاون معهم ونحسبهم أصدقاء وحلفاء، فكيف نصدق من كان سببا في استعمار الوطن العربي ونهب ثرواته أن ينصفنا في استرجاع الحقوق التي كان أعضاء مجلس الأمن السبب الرئيس في ضياعها.. فلندع الزمان والتاريخ يأخذ دورته إلى أن يأتي يوم نستيقظ فيه الأمة العربية وتدرك أنه لا بديل لوحدتها ولا طريق لمستقبلها وأمنها إلا بإيمانها بالمصير المشترك وتنفيذ اتفاقيات الدفاع العربي لحماية الأمن القومي العربي من المحيط إلى الخليج.
دعوة للاستيقاظ
اليوم أدعو أن تستيقظ عقول القادة ويوحدوا صفوفهم ويتناسوا أضغانهم ويتقوا الله في شعوبهم ويطيعوا الله فيما أمرهم بقوله (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (آل عمران 103) ويحذرهم وينصحهم بقوله (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال 46).
كفى مفاوضات ونريد وحدة وقوة
يكفينا مفاوضات استمرت خمسين عاما مثل ما يحدث مع الأشقاء في مصر مفاوضات للاتفاق على ملء سد النهضة عشر سنوات، والمفاوضات لم تتوقف في حلقة مفرغة والقادة الإثيوبيون يبنون في السد ولم يتوقفوا لماذا؟ لأنهم مكلفون بمهمة تعطيش مصر وتجويعها وتعطيل نموها لحساب أصحاب كتاب أشعيا الذي قرر الانتقام من مصر بواسطة النيل والإصحاح رقم 19 في سفر أشعيا يوضح المؤامرة منذ ألفي عام، فانتبهوا أيها المصريون ولا تستمروا في مفاوضات تضييع الوقت، وأنتم تعلمون أهداف القادة في إثيوبيا ومن يقف خلفهم، وخطاب نتنياهو في البرلمان الإثيوبي دليل واضح على تنفيذ مخطط شرير توقفوا عن الدوران في حلقات مفرغة ستتحول يوما إلى حلقات مفزعة.
تاريخ عربي مجيد
لقد استطاع الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا هزيمة العثمانيين بعد سيطرته على ميناء الإسكندرية ودخل ولاية أضنة وطرطوس في يونيه سنة 1832م، وشجع ذلك الانتصار إبراهيم باشا فدخل بلاد الأناضول حتى وصل إلى مدينة (قونية) ودارت معركة بينه والعثمانيين في قونية وانتصر عليهم فى 20 ديسمبر 1832م وأسر قائد الجيش العثماني الصدر الأعظم محمد رشيد باشا وانفتح الطريق أمامه (للأستانة)، وخشي العثمانيون سقوط العاصمة فاستنجدوا بالدول الأوروبية، وأرسلت روسيا أسطولا بحريا للدفاع عن الأستانة، وتدخلت فرنسا مع محمد علي باشا للوساطة، وتم الوصول إلى (كوتاهية) في 4 مايو سنة 1833م تنازل الباب العالي بموجبها عن كامل بلاد الشام، وأقر لمحمد علي باشا بولاية مصر، ووقفت الدول الأوروبية لمصلحة تركيا، وما نراه اليوم تاريخ يتكرر حينما يرى العالم اعتداءات أردوغان بتدمير سوريا وقتل شعبها وتشريده ونشر الخراب والدمار فيها بواسطة فرق الإرهاب من داعش والنصرة وغيرهم من المرتزقة.
مواقف أخلاقية
لا يتخذ العالم الغربي موقفا أخلاقيا يمنع الثور الهائج من استباحة سوريا وتشريد الملايين من شعبها ثم ينظر العالم كيف يقوم بغزو ليبيا، وينقل أكثر من خمسة عشر ألف مرتزق وإرهابي إلى طرابلس ليحتل فيها آبار النفط ونهب ثرواتها، ويرسل الأسلحة التدميرية والطائرات متتالية تحط في قاعدة الوطية دون أن تتحرك أوروبا لتوقف جنون الأتراك برغم تهديده بإرسال عشرات الآلاف من الإرهابيين للدول الأوروبية دون أن يجد ردا حاسما لابتزاز أوروبا.. والاتحاد الأوروبي وأمريكا صامتون كأنهم يعطونه الضوء الأخضر لاستباحة دوله العربية وهؤلاء العرب لا يستحقون ثروات أوطانهم.
الخروف والذئب
هل تآمر الغرب وأمريكا على العالم العربي؟! ألا يكتشف العاقل هذا السيناريو الشرير؟ إن الأمة العربية تواجه خطر الوجود، كيف تسمح بعض الدول العربية الغنية باستقبال الأتراك في أوطانها وإقامة قواعد على أراضيها، كيف للخروف أن يرحب بالذئب وهو يوما ما سيأكله؟
فقد البصر والبصيرة
هل بلغ بالعرب الذل والمهانة وفقدان البصر والبصيرة مما يخطط لهم على أرض الواقع بالصورة والصوت والعمليات الإجرامية على الأرض العربية؟! ألم يحن الوقت إزاء خطر الوجود أن يلتقي بعض القادة العرب في اجتماع طارئ بعيدا عن الجامعة العربية يناقشون فيه مستقبلهم وكيفية إعادة شقيقهم المتمرد إلى حضن أمته العربية، لتوحيد الصفوف وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
الخطر قريب
الخطر قريب جدا والضحية تسن لها السكين ويتم تجهيز المذبح والمسلخ لها.. هبوا أيها القادة وسارعوا لتحافظوا على أوطانكم التي بدأت تسقط الواحد تلو الأخرى فلن تبكي علينا السماء بعد ذلك، وسيعود الغريب يستعمرنا وينهب ثرواتنا والشيطان الصغير الجاثم في القدس بكل خبراته الشريرة وقدراته في السيطرة على مكامن القرار في أمريكا وأوروبا لن يترك العرب إلا وهم دويلات ممزقة وعبيد مرتزقة يأتمرون بأمر الأحبار، ويتم مطاردة الأحرار وتستباح ثرواتنا لصالح الأغيار، وبعدها يضيع مستقبل أمة كادت تتصدر دعوة الخير والسلام للعالم أجمع.