رسائل دول "البريكس".. ومستقبل الدولار !!
وبدأ الحصاد الاستراتيجي المر لحرب أوكرانيا ،وبدأت العديد من دول العالم في التفكير في مستقبل إقتصاداتها واتخاذ خطوات فاعلة للتحصن من تأثيرات هذا الصراع المتصاعد،وإتقاء شرور هيمنة الدولار ،وتداعيات سطوته ،وماسببه من تضخم وركودأزمات متباينة!.
العالم ينتفض في غضبة تاريخية ضد الهيمنة الأمريكية علي جميع مفاصل حركات التداول والاستثمار والتبادل التجاري ،وكل الشواهد تؤكد أن واشنطن أخطأت الحسابات والتقديرات ويقودها "بادين" نحو مستقبل مجهول الهوية والمعالم، في خريطة العالم والنظام الأممي الجديد!.
ويبدو أن واشنطن قد تورطت بالفعل في حرب اقتصادية مستمرة ستتجاوز حتما حدود الأرض والمكان والزمان
،رغم ما يتردد أنها تجيد صناعة الأزمات واستثمارها مع التحصن الآمن من تداعياتها، بل وتخرج من كل المعارك والأحداث الجسام "صاغ سليم" ،بل بحصد المزيد من المكاسب والمصالح!.
المنافسون يعدون العدة لتشكيل ملامح النظام العالمي الجديد.. والخروج التدريجي من مكبلات وعوائق واشنطن ،وأتصور أن الخطوات الفعلية قد بدأت لتحجيم سطوة ونفوذ الأخضر الأمريكي بعدإعلان دول "بريكس" مؤخرا الاستغناء عن الدولار،ووقف التعامل به نهائيا!.
وهو أمر له دلالات وإشارات ويبعث برسائل في اتجاهات عديدة وشائكة ستتضح معالمها مع مرور الأيام !
و“بريكس” هو اختصار يرمز إلى دول البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا،تأسس عام 2006، وتشمل الدول الأخرى المهتمة بالانضمام إلى هذه الكتلة الاقتصادية الأرجنتين ومصر الجزائر وإيران، إندونيسيا وتركيا والمملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة،وغيرها.
ويرحب أعضاء بريكس بالوافدين الجدد المحتملين، فمنذ انضمام جنوب إفريقيا إلى المجموعة في عام 2010، لم تتوسع الكتلة.
كما طرحت الصين فكرة دمج أعضاء جدد في مايو الماضي وخاصة من دول الاقتصادات الصاعدة، وتهدف إلى تطوير الحوار و ودعم التعاون متعدد الأطراف.
وتهتم دول "البريكس" بقضايا التنمية المستدامة والقضاء على الجوع والفقر في العالم بحلول عام 2030، فهي تمثل 40٪ من سكان العالم ، وتقدم 30٪ من الناتج المحلي الإجمالي وتنتج أكثر من ثلث إنتاج الحبوب في العالم.
ولتحقيق هذا الغرض أنشأت دول البريكس بنك التنمية الجديد في عام 2014 لتمويل مشاريع البنية الأساسية والتنميةالمستدامة، وأعلنت القاهرة مؤخرا انضمامها إلى هذا البنك ، بما خطوة لإعلان الانضمام رسميا لهذا التجمع الاستراتيجي الواعد.
وفي هذا السياق أبرمت روسيا والصين إتفاقية أتاحت بنودها فرصاً أكبر كقوتين اقتصاديتين ضاربتين لرفع مستوى المبادلات التجارية، مستخدمتين في ذلك عملتيهما الروبل واليوان، وهو ما اعتبره مراقبون واقتصاديون بمثابة توجيه ضربة قاضية للدولار الامريكي،
ومن المتوقع أن تكبد الولايات المتحدة خسائر فادحة بتريليونات الدولارات ،لاسيما مع تزايد التكهنات بأن تنضم دول أخرى إلى مجموعة "بريكس".
كما تبحث روسيا وباقي دول "بريكس" تدشين نظام مدفوعات للتبادل التجاري ،وإطلاق عملات مشفرة ليكون بديلا لخدمة "سويفت" للتراسل المالي والإسهام في توفير استثمارات مستدامة ،و زيادة التدفق العالمي للاستثمار الأجنبي المباشر".
كما تراجعت حصة الدولار في المدفوعات التجارية الأجنبية الروسية من 92 إلى 50% في السنوات القليلة الماضية، بينما زادت حصة الروبل من 3 إلى 14%.
كل المؤشرات تؤكد أن تراجع قيمة الدولار علي المستوي الدولي قياسا على 6 عملات أخري أساسية ،وهناك غضبة أممية في ظل تخييم شبح أزمات القطاع المصرفي على الساحة الأمريكية،وتداعياتها الأممية!.
وبعيدا عن هذا التوحد العالمي نحو تحجيم تسلط الدولار ،فالصين باعتبارها القوة الطموحة لقيادة العالم لها توجه داعم ومؤثر.
وفي هذا الشأن أعلنت صحيفة “ساوث تشاينا مورنينج بوست” أمس، أن بكين تستخدم مزاياها التجارية لإعتماد "اليوان" في التسويات التجارية لإنهاء هيمنة الدولار الأمريكي علي النظام النقدي الدولي.
وقالت إن “الصين والشركاء التجاريين الرئيسيين، يسعون لبناء قوة "اليوان" لتحدي هيمنة الدولار الأمريكي..
وأضافت الصحفية أن الدفع لإحلال "اليوان" في التجارة والاستثمار، بدلاً من الدولار الأمريكي، هو أحد الطرق العديدة التي تخطط بها بكين لتقليل اعتمادها على الأصول الدولارية ومنع الخنق المالي الذي تفرضه واشنطن على الصين!.
كما تبحث بكين استخدام "اليوان" في التجارة الثنائية في النفط الخام مع دول الشرق الأوسط، وهو ما يمثل تحديا محتملاً للبترودولار".
وقد أبرمت اتفاقيات بشأن التسويات بالعملات الوطنية مع البرازيل وإندونيسيا وفيتنام وكمبوديا وغيرها.
وفي تقديري أن فكرة تدشين تكتلات استراتيجية جديدة وتفعيل التجمعات والشراكات القديمة كفيلة بحلحلة هذه المنظومة الأممية الفاسدة وتحجيم هذه السيطرة المطلقة وتحقيق المعادل الصعبة ووقف الهيمنة الأمريكية علي مفاصل الاقتصاد العالمي.
وحتي إشعار آخر فإن واقع الأمر يؤكد أن كافة التكتلات الإقليمية،ما تزال محدودة التأثير في الحاضر والمستقبل، وبعضها مجرد اتحادات ديكورية ولم تتخذ بعد قرارات فاعلة لإحداث تغيير جذري في هذا الملف الوجودي ،وإحداث توازن يحقق مصالحها ويؤمن مستقبل شعوبها.
أتصور أن دول الاقتصادات الناشئة قد استوعبت دروس الأزمات والجوائح الأممية ،بعد أن اكتوت بنيران تزايد تكاليف الإنتاج والواردات وتضاعف القيم المضافة وتعطل سلاسل الإمداد!.
وعلي المستوي العربي والإفريقي يلوح في الأفق بوادر حلول عملية للخروج من دائرة التبعية للسياسات الغربية والفكاك من الدوران في هذه الحلقة المفرغة..لكن الإرادة الصادقة لم تحرك المياه الراكدة في
السوق العربية والإسلامية المشتركة ،وتفعيل دور الاتحاد الإفريقي وتدشين العملة السمراء الموحدة،والتوسع في حجم التبادل التجاري وتحقيق التكامل الاقتصادي الفعلي، لكن هناك أمل طالما كانت هناك أنفاس تريد الحياة!