التنين الصيني.. بين طموح الهيمنة وجموح القوة !!
في عصر القوة وصراع الهيمنة المتصاعد، بين معسكري الشرق والغرب لتدشين معالم وملامح النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب وانهاء سيطرة القطب الأوحد علي دفة السياسات الإقليمية والأممية،تسعي بكين لإثبات الوجود وانتهاز الفرصة لتحقيق حلم الصعود لقمة العالم سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا.
كل المؤشرات تدعم فكرة الطموح اللامحدود لأهل الصين بعد أن حققت معدلات تنموية شاملة في كافة القطاعات ،وسيطرت علي معظم أسواق العالم ومناطق جلب المواد الخام، وعمليا دخلت حلبة المناطحة الدولية مع الولايات المتحدة الأمريكية،رافضة سياساتها المتباينة ومعاييرها المزدوجة،وما أطلقت عليه قبل عدة أشهر ب "ديمقراطية الكوكولا"وفرض هيمنة الزعيم الأوحد !!
ولا يختلف أحد من المراقبين أن بكين تحاول توظيف أزمة أوكرانيا وروسيا لتنفيذ طموحاتها ، لتقليص نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية ، واتخذت لنفسها مسارا مناهضا لواشنطن ومواليا لموسكو،التي تخوض غمار الحرب الاقتصادية المستعرة ،ردا علي إصرار الولايات المتحدة والناتو علي فرض المزيد من العقوبات وفرض الحصار علي روسيا،
ولعل ما أقدمت عليه عدد من أكبر الشركات الصينية مؤخرا من إعلان الانسحاب من بورصة وول ستريت، والتلويح بمزيد من تقليص الاستثمارات مع الولايات المتحدة يصب لا محالة في هذا التوجه الاستراتيجي ورسالة أمميه لمن يهمه الأمر شرقا وغربا!.
وفي هذا السياق تأتي المساومة الصينية بورقة "تايوان" والتي تعتبرها الصين جزءا من أراضيها، وتلوح باجتياحها من حين لآخر،نكاية في الولايات المتحدة الأمريكية،كما تصر علي إجراء المناورات العسكرية وحشد السفن الحربية بالقرب من حدود جزيرة تايوان.
كما أعلنت صراحة اعتراضها علي رفض تقارب تايييه وواشنطن في هذا التوقيت المتأزم، بعد زيارة نانسي بوليسي رئيس مجلس النواب،ثم زيارة بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي !.
أتصور أن بكين تمتلك الآن كل مقومات القوة، وكلمة السر والفصل والحسم في تحريك بوصلة الأحداث في المعادلة الدولية القادمة،"التنين الصيني" بمخالبه وأذرعه المتعدده ومناوشاته ، سيكون له بصمات مؤثره علي مستقبل العالم.
ونستطيع قراءة المشهد والدور الصيني الفعال وانعكاساته من خلال صناعة الواقع المعاصر بأحداثه وتداعياته المتتابعة التي ألقت بظلالها علي حاضر ومستقبل العالم،فمنذ بدايات التسعينيات دشنت الصين نهضة تنموية غير مسبوقة، وسعت لإقامة علاقات متوازنة مع غالبية دول العالم والمنافسة الشرسة مع الكبار بمنتجات تناسب جميع مستويات وفئات الدول.
كما انطلقت محاولات العبث البيولوجي واللعب بورقة الأوبئة والفيروسات مع بدايات القرن الواحد والعشرين ،ثم مناطحة الكبار في سباق التكنولوجيا المتطورة وعلوم الفضاء، والاهتمام بالتصنيع الكثيف ،وخطف واحتكار العلامات التجارية الدولية فائقة الجودة، علاوة علي صناعة الأسلحة المتطورة والصواريخ العابرة للقارات،حتي أصبحت من أهم القوي الاقتصادية ،وثالث قوة عالمية عسكرية بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
وما تزال الصين تكرس مساعيها لمزيد من فصول وحلقات الضغوط الاقتصادية علي دول الغرب ،وتخطط مع حلفائها ، سرا وجهرا لحصار نفوذ الدولار الأمريكي واستبداله بعملات أممية أخري ، علاوة علي انحيازها لمعسكر الشرق وتبرير سياسات الدب الروسي!.
ومع تزايد الحشود والمناورات العسكرية وتصاعد لغة التصريحات الحادة والحرب الإعلامية بين واشنطن والناتو من جهة،وبكين وروسيا وكوريا الشمالية من جهة أخري ،تتوجس شعوب العالم بكافة أرجاء المعمورة من اندلاع مواجهات جديدة ،وصراع جامح يدعمه طموح الهيمنة علي هيئة ومضمون النظام العالمي الجديد ،في وقت لا يحتمل المزيد من الأزمات الدولية ،فلم تضع حرب أوكرانيا أوزارها بعد،ولم يستفق العالم من آثارها وتداعياتها السلبية وموجات التضخم غير المسبوق ،وأزمات الغذاء والطاقة المتصاعدة.
وتأتي هذا الضربات الأممية الموجعة مع الحصاد الظلامي الأسوء للتغيرات المناخية واشتعال موجات من الجفاف والفيضانات والحرائق والسيول ،وأصبح العالم في مفترق الطرق وبين شقي الرحي،وصراع السلطة والهيمنة ،ولا عزاء للشعوب المغلوبة علي أمرها في البقاء وأبسط صور الحياة الكريمة !.
وفي زمن تراجعت فيه قيم السماحة الإنسانية كنت أتصور أن تضطلع الصين مع كبار الدنيا بدورهم الموكل إليهم بالتكاتف وانهاء الصراعات ،ووقف نزيف الثروات والمقدرات والسعي لإيجاد حلول عملية للصراع الروسي الغربي ،قبل فوات الآوان ،لكن يبدو أن قناعات ساسة العالم تفوق بمراحل الأحلام الصغيرة لأهل الدنيا وأبناء الإنسانية الجريحة!!.