أوجاع الأطباء.. إشكالية الداء والدواء!!
الاثنين 20-03-2023
12:37 م
من القضايا المؤرقة للمصريين ولأبناء الأسرة الطبية ظاهرة تزايد استقالات الأطباء من القطاع الصحي الرسمي للدولة،رغم الجهود المبذولة لتطوير المنظومة الطبية والارتقاء بكافة عناصرها ، وعلي رأسها أطباء مصر أبطال الجيش الأبيض، مع بدء إجراءات عملية لتحديث
نظام التأمين الصحي بمختلف المحافظات وفقا لأحدث المعايير الدولية والتقنيات المعاصرة.
وقد أحسنت الحكومة صنعا حين أعلنت عن خطوات فعلية للاشتباك مع هذا الملف، وفقا لتوجيهات القيادة السياسية،بإضافة بعض المزايا المالية والخدمية لأعضاء المهن الطبية.
كما وجه د.خالد عبدالغفار وزير الصحة بتشكيل لجنة عاجلة لدراسة ملف الأطباء من الألف إلى الياء وإيجاد حلول لهجرة الكفاءات الطبية للخارج.
أتصور أن قضية استقالات الأطباء والتي تزايدت خلال السنوات الأخيرة نتيجة الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية لدي الخريجين وشباب الأطباء، تحمل أبعادا ومؤشرات جمة من الحكمة دراستها بموضوعية واستيعابها والبحث عن حلول عملية لهذه الأسقام والأوجاع قبل فوات الآوان!.
وفي تقديري أن فكرة الاستقالة وتصدير روح القنوط واليأس من الإصلاح والتطوير والقفز من السفينة مؤشر سلبي لا يخدم الطبيب والمواطن..
كما أن التفكير في الهجرة المطلقة في حد ذاتها تحمل دلالات مؤلمة، فهناك دور وطني وإنساني واجتماعي للطبيب يتجاوز فكرة المقابل المادي، ولكن من حق هؤلاء وخاصة أجيال الشباب التطلع لحياة كريمة وتأمين مستقبل أسرهم بعد سنوات مضنية من الدراسة والتدريب والكد والسهر،علاوة علي ما تكبده أسرهم من نفقات ،وخاصة أبناء الطبقات المتوسطة ومحدودي الدخل!.
كما أن الصورة في بلادنا ليست حالكة الظلام كما يروق للبعض أن يجسدها فهناك أطباء متميزون يؤدون دورهم بكل إخلاص وتجرد وشرف، وحققوا نجاحات طبية كبيرة علي أرض المحروسة،وآخرين يشار إليهم بالبنان في مختلف المحافل العربية والأجنبية.
وفي هذا السياق المأسوي صدر مؤخرا تقرير رسمي عن نقابة الأطباء في مصر، يوصف هذا المعضلة ويحذر من زيادة معدلات استقالات الأطباء من القطاع الحكومي، والتي وصلت بحسب الإحصاءات لما يزيد عن 11 ألف و500 طبيب في الثلاث سنوات الأخيرة ، مطالبة بتدخلات عاجلة لحل تلك الأزمة والحد من هجرة الأطباء المصريين خارج البلاد!.
وكشف تقرير النقابة العامة أن عام 2019 شهد استقالة 3507 أطباء، وفي عام 2020 استقال 2968 طبيبا، أما عام 2021 فكان العدد الأكبر من المستقيلين من العمل الحكومي وبلغ 4127 طبيبا.
وقد أسفرت إحصائيات الشهور الأولى من عام 2022 حتى يوم 20 مارس الماضي عن استقالة 934 طبيبا، بإجمالي 11 ألف و536 طبيبا، استقالوا منذ أول 2019 حتى 20 مارس 2022!.
وبتتبع إحصائيات الواقع ففي مارس 2019، أصدرت وزارة التعليم العالي بالتعاون مع وزارة الصحة، دراسة عن مدى احتياجات مصر للأطباء مع المقارنة بالمعدلات العالمية.
وذكرت الدراسة أن أعداد الأطباء المرخص لهم بمزاولة المهنة حتى آخر عام 2018 بدون الأطباء على المعاش تقدر بـ 212 ألف و835 طبيبا، بينما من يعمل وقتها فعليا بالجهات المختلفة التي تشمل وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية الحكومية والخاصة وجامعة الأزهر والمستشفيات الشرطية 82 ألف طبيب فقط بنسبة 38% من القوة الأساسية المرخص لها مزاولة مهنة الطب.
وأضافت الدراسة أنه طبقا لهذا العدد يكون معدل الأطباء في مصر 8,6% طبيب لكل 10 آلاف مواطن، بينما المعدل العالمي 23 طبيبا لكل 10 آلاف مواطن.
وبعد مرور 3 سنوات على إصدار دراسة الاحتياجات ،وتنفيذ بعض توصيات بالفعل من زيادة أعداد المقبولين بكليات الطب وإنشاء كليات طب جديدة حكومية وخاصة ،إلا أن الأرقام والإحصائيات تؤكد أن الوضع ما زال سيئا وهناك زيادة لعزوف الأطباء عن العمل بالقطاع الحكومي ،وسعيهم للهجرة خارج مصر!.
والأمر المزعج ،للصيد في الماء العكر ما نشرته جريدة "الواشنطن بوست" الأمريكية في تقرير لها عن هجرة الأطباء من مصر مؤكدة أن السبب الرئيسي من وجهة نظرها أن راتب الطبيب في مصر ،لا يتجاوز 2.5% من راتبه في أي مكان بالعالم ،ولكنه إنذار لمن يهمه الأمر لسبر أغوار هذا الملف!!
وطالما أن هناك أنفاسا في الحياة ،فلكل داء دواء ،فما الحلول لهذه الأسقام والاوجاع ؟!.
من أبرز الاقتراحات التي يتداولها أبناء وشيوخ المهنة لإصلاح المنظومة الطبية:
- زيادة الإنفاق الحكومي على الصحة بما يقترب من 3 ٪ من الناتج المحلي.
- زيادة أجور ومرتبات وبدل العدوي بمعدلات كريمة تتناسب مع تزايد الضغوط الاقتصادية والحياتية ومعدلات التضخم.
- توفير بيئة عمل آمنة للأطباء، وخاصة حديثي التخرج داخل المستشفيات الحكومية.
- حل المشكلات البيروقراطية مع برنامج الزمالة والتكليف.
- تطوير المستشفيات وأماكن تقديم الخدمات الصحية سواء في معايير النظافة وإنشاء استراحات تليق بالأطباء كجزء من توفير بيئة عمل جيدة.
- تفعيل حوار تشاركي مستمر بين نقابة الأطباء وبين الحكومة ووزارة الصحة لحل مشكلات الأطباء العالقة.
- وضع إستراتيجية وطنية لتطوير القطاع الصحي بمدد زمنية محددة يشارك في تصميمها وإعدادها وتنفيذها أساتذة ورموز المهنة.
- تطوير الهيكل الضريبي بحيث توجه ضرائب بعينها لميزانية القطاع الصحي، وتوفير امتيازات وإعفاءات ضريبية في حالة التبرع للقطاع الصحي.
-إعادة النظر في عدد ساعات عمل الأطباء وظروف عملهم٠
- رفع جودة الخدمات الصحية والاجتماعية للأطباء وأسرهم.
- تيسير إجراءات إنشاء المنشآت الطبية
- إلغاء حبس الأطباء بسبب المضاعفات والأخطاء البشرية وإصدار قانون المسئولية الطبية لحماية كرامة الطبيب وحقوق المريض.
- تحسين نظام تقاعد الأطباء أسوة بالأنظمة في العالم.
- توفير فرص تدريبية للأطباء تتناسب مع أعدادالخريجين، وتخفيض تكاليف النظام التدريبى لتتناسب مع أجور الأطباء.
- إذابة الجليد بين المجتمع وبعض الأطباء وإعادة الصورة المشرقة للطب والأطباء في وجدان المصريين.
والخلاصة أنه يجب أن ندرك أن استمرار عزوف الأطباء عن القطاع الحكومي كارثة بكل المقاييس وتتطلب تدخلات عاجلة، لأنها ستسهم حتما في تدني مستوى الخدمات الصحية في مصر!.
ووفاء لأصحاب المعاطف البيضاء والقلوب البيضاء من أعضاء الفريق الطبي،وما قدموه من مئات الشهداء إبان أزمة كورونا، لنا آمال تحيا بها المني أن يستمع الجميع لمطالبهم المشروعة العادلة، وأن تبدأ الحكومة بالفعل في إستراتيجية لتطوير القطاع الصحي، وبما يليق بمكانة أطباء أبناء المحروسة..وإنا لمتطلعون!!