لُبنان، على خَطِّ السَّلام… أَم على شفيرِ استِسلامٍ يَسلُبُنا الوَطَن؟

الخميس 11 ديسمبر, 2025

بقلم : د. ليون سيوفي – باحِثٌ وكاتِبٌ سياسي، ومرشّحٌ سابِق لرئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة

يتقدّم لُبنان اليوم نحو مفترقٍ تُحدَّد عنده مصائر الأوطان، لا سياسات الحكومات.
فالمعادلة لم تعُد، سلامٌ أم استمرارٌ في الصراع؟
بل أصبحت سلامٌ مُشرّف… أم استسلامٌ مُهين يقود إلى ضياع الكيان نفسه.
السلامُ خيارُ الدول القويّة نعم فالسلام ليس نهاية حرب، بل نتيجة إرادة وطنية صلبة وثقة بقدرة الدولة على حماية حدودها وسيادتها.
لذلك السلام يحتاج إلى قرار سيادي واحد لا ازدواجية فيه.
جيشٍ موحّد يمسك بالأمن والدفاع.
اقتصادٍ قادر على النهوض بدون ابتزاز الخارج.
وحدةٍ داخلية تمنع أي طرف من جرّ البلاد إلى حساباته الخاصة. 
من دون هذه العناصر، أي “سلام” نوقّعه لن يكون سلاماً… بل ورقة هشة تنهار عند أول ضغط.
لكنّ الأخطر… هو الاستسلام، فلا يأتي دفعة واحدة، ولا يُعلن بصوتٍ عالٍ.
الاستسلام يبدأ هادئاً… كخطوة “عقلانية” و“واقعية”، ثم يتحوّل تدريجياً إلى تنازلٍ عن:
السيادة، والقرار، والحدود، والكرامة الوطنية.
إنّ أخطر ما قد يواجهه لبنان اليوم هو أن تُفرَض عليه تسوية ناقصة، يَقبَلها مُنهَكاً من الانهيار، فيظنّها بابَ الخلاص، وهي في الحقيقة بوّابة خسارة الوطن نهائياً.
الاستسلام طريقٌ لا عودة منه...
الاستسلام لا يُعيد بناء الدول.
الاستسلام لا يضمن الاستقرار.
الاستسلام لا يوقف التهديدات.
بل هو تنازلٌ تاريخي يُرسّخ ضعف الدولة ويعرّيها أمام كل المُطالبات المقبلة، ويجعل من لبنان ساحةً بلا حماية، وحدوداً بلا هيبة، وقراراً بلا سلطة.
والأخطر أنّ الاستسلام عندما يُوقَّع باسم “السلام”، يتحوّل إلى عقدٍ دائم لا يمكن الرجوع عنه…
فتصبح الهوية مهدَّدة، والسيادة مُفرَّغة، والدولة مجرّد إطار إداري على أرض فقدت قرارها.
لبنان اليوم أمام خيارَيْن...
إمّا سلامٌ حقيقي يُستعاد فيه القرار الوطني وتُصان السيادة،
وإمّا استسلامٌ مُغلّف يقود إلى خسارة وطن، لا خسارة معركة فقط.
ولذلك، فإنّ أخطر ما يمكن أن نفعله اليوم هو أن نُسلّم أنفسنا لضغوط الخارج، أو أن نقبل بأي اتفاق لا يقوم على قوة الدولة ووحدة اللبنانيين.
ففي لحظات التاريخ الكبرى، ليست الشعوب التي تخسر الأوطان… بل القيادات التي تُخطئ الخيار...
إنّ السلامَ الذي يُفرَض على وطنٍ مكسورٍ ليس سلاماً… بل ورقةُ استسلامٍ تُوقَّع بالحبر ذاته الذي كُتِبَت به ملامحُ هزيمته. والسلامُ الحقيقيُّ لا يُنتَزَعُ من شعبٍ جريح، بل يُنتَزَع من خصمٍ خائف… أمّا حين يُطلَب من لبنان أن يُطفِئ صوته ليعيش، فاعلم أنّهم لا يريدون له حياة، بل صمتاً يُسهِّل دفنه...