"عوج الطاقية الولا" بقلم: أسامة مدنى
الثلاثاء 03-12-2024
11:48 ص
"مبروك، جالك ولد"، بٌشرى يطرب لسماعها أى أب وتزهو لنبؤتها كل آم، إرث سحيق جعل من قدوم المولود الذكر مدعاة للتفاخر، للتباهي، للتعالي، ومولد الأنثى نحيب وهمًّ وهوان؛ فهو العصب في الصغر، والسند في الكِبر، والوريث عندما يحل الأَجل. لِم لا، وهو الحامل لاسم الأسرة والحامي لمكانتها والحارس على شرفها وعزتها. وتشارك الأم الأب تلك النظرة الذكورية المتأصلة كونها هى نفسها ضحية ذات الموروث الثقافي الدفين. يأتى "ديك البرابر" فينتفض الأب طاوساً "نافشاً ريشه" بين الأقارب والجيران، وتتمايل الأم يمامةً أمام حماتها والسِلْفَات. يدندن الأب متباهيًا: "جانا الصبى وصلي ع النبى"، "الولد سر أبيه"؛ فيكبر "بسلامته" مُفضلاً في الحب، في التدليل، في العطاء، في المكانة، في التشاور، فيتحول تدريجياً إلي مشروع طاغية؛ تُغفر أخطاؤه وسيئاته، لا ينفع معه عقاب أُم صارت رهينة ثقافة أبوية بالية: "أضرب ولدي وأكره اللي ما يحوشني"، "أدعى على ابني وأكره اللي يقول آمين"، "أضرب ابني ينكفي في حجري".
من أين أتى هذا الكيل بمكيالين؟ من أين جاء هذا التفضيل غير المشروط للذكور فصار طغياناً عاطفياً ضد الإناث؟ من أين حلّت وصمة العار عندما تهل الأنثى، والمجد العُلى عندما يطل الذكر؟ لماذا لا يكف الأب عن مطاردة الأم طلباً للابن الذكر وهو المسئول عن نوع الجنين؟ ولماذا يُحيل المسكينة إلي مُخلَّفات منزلية عندما تكتسب لقب "خِلفتها بنات"؟ من أين تلك الأنانية المجتمعية المفرطة لصالح الذكر دون أدنى مسئولية تجاه نصف مجتمع بآكمله؟ فهل حقاً تجاوزنا أمراض الجاهلية أم ما زالت حاضرة تفتت العضد، وتمزق الشمل، وتُقطّع الأرحام، وتخلق الحقد والبغضاء والضغينة بين البنين والبنات؟ أنسينا قوله تعالى: "وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرا" (النساء 124)؟ آتغافلنا قوله جل علاه: "لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (الشورى 49-50)؟ أين نحن من قول الرسول الكريم: "سوُّوا بين أولادكم في العطيَّةِ فلو كنتُ مفضِّلًا أَحدًا لفضلتُ النساءَ"؟ وقوله: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا"؟ وكيف مر علينا قول الرب فى الكتاب المقدس: "لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعاً وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ". (غلاطية 26:3-28).
فلنكن منصفين، عادلين بين أبنائنا. لنعلم أن تفضيل الذكور منهم، طغيان لهم؛ وهو بالتبعية تهميش للإناث، قهر لهن. فله الحرية ولها التبعية، له الإرث الوفير ولها الفتات الشحيح، له الكلمة المسموعة ولها الهمهمة المكتومة، فهو الضلع الأكمل وهى الضلع الأعوج. فهل نريد ابناً مدججاً بموروثات ثقافية ذكوريّة فتّاكة فى مواجهة إبنة مسلوبة، محاصرة بدوائر أبوية هدّامة؟
إن كان لا، فهيا "نعدل الطاقية للولا"، وكفانا عوجاً وتدليلا.