كوريا الشمالية.. بين حسابات الماضي وطموحات المستقبل !!
ما طبيعة دور كوريا الشمالية في المشهد الروسي الأوكراني المتشابك، وهل تسعي حثيثا لحجز مقعد في النظام العالمي الجديد الذي ستتشكل معالمه ،لو نجحت روسيا في كسر شوكة الهيمنة الأمريكية الغربية وتحقيق الانتصار وحسم المعركة؟، وهل كانت أحد الداعمين الأساسيين مع روسيا والصين والهند ودولة أخري لتدشين نظام أممي متعدد الأقطاب؟!.
إنها تساؤلات تدور بالأذهان شرقا وغربا في انتظار ما ستكشف عنه الأيام!.
ويبدو أن الأيام ستقضي حتما ما بين أهلها ومصائب قوم عند قوم فوائد، فكوريا تقف قلبا وقالبا مع المعسكر الروسي الصيني في محاولة لتشكيل جبهة جديدة تقف حجر عثرة أمام طموحات الولايات المتحدة الأمريكية الجامحة وتطلعات حلفائها اللانهائية، لأحكام السيطرة علي دولة العالم سياسيا واقتصاديا، واستمرار معالم النظام العالمي القديم.
وعلاوة علي الطموحات المستجدة، هناك رغبة كامنة لتصفية الحسابات القديمة والثأر من تداعيات الخصومة الحادة مع أمريكا ، وماسببته العقوبات الإقتصادية المتتالية علي كوريا الشمالية من تأثيرات سلبية.
كما ضاعفت حدة التصريحات العدائية
مع المعسكر الغربي الأزمة والخصومة،حيث حذر زعيم كوريا الشمالية "كيم جونج" أمريكا وحلفاءها من أي تهور إتجاه روسيا، واعتبر الخلاف بين روسيا وأوكرانيا خلافا بين بلدين فقط ولا يحق لأي أحد التدخل في شؤون دول أخرى ،مؤكدا أن بلاده مستعدة أن تحرق الأخضر واليابس في حالة أي عدوان من طرف حلف صعاليك "الناتو"على روسيا، وفقا لتعبيره!!
وقد أثارت تصريحات الزعيم الكوري عشرات التساؤلات حول حقيقة دورها المتوقع في المشهد الدولي المتشابك ،وما يحاك خلف الكواليس من ترتيبات، ودورها في امتصاص آثار العقوبات الاقتصادية المتاليية علي روسيا واتقاء شرور التداعيات المتوقعة لحرب أوكرانيا.
ومابين السياسات الحازمة وحصاد ديكتاتورية جنون العظمة، يظل فكر الزعيم الكوري كيم جونج أون، وطريقة إدارته للأزمات المحلية
والأمميةوالمستجدات أمرا مثيرا للجدل والحيرة ، مابين الإعجاب حينا والدهشة والإستنكار والاستهجان أحيانا أخري، ولعل قدرته علي مناطحة الولايات المتحدة الأمريكية و محاولات قهر نفوذها، باعتبارها أكبر قوة عسكرية وتهديداته المستمرة باستخدام الأسلحة النووية والصواريخ البالستية العابرة للقارات، صنع منه زعيما له "كاريزما "وحالة من الإعجاب لدي شعوب العالم الحر التي
سئمت التبعية والركوع والإنبطاح الحضاري المشين!.
واتصور أن فكرة إثبات الوجود في هذه المعادلة الدولية لإيجاد نوع من التوازن الإيجابي ، ضرورة عصرية،كما أن سياسة محاسبة المسئولين عن التقصير أو الإفساد في الأرض هي من قبيل الحكمة والحنكة السياسية، حتي يكون نموذجاحيا،ولمن خلفه عبرة وعظة، لكن بعيدا عن منطق الزعيم الكوري الذي لا يعرف سوي الإعدام والتنكيل،
كما أن فكر القناعات المتفردة والرؤية الحازمة لسياسة أمور الحياة قد يكون لها ما يبررها ، في توقيتات فاصلة من عمر الأوطان، وربما تحقق أمجادا ذاتية، لكن بكل المقاييس لا تصلح أن تكون منهج حياة.
وأن تقيل أو تنحي مسئولا أخفق في أداء مهمته ، أو اختلف معك في طريقة إدارته ورؤيته للأمور ، فهذا أمر مقبول ، أما أن تتخلص منه فورا بالإعدام، والإنتقام، فهذا هو فكر الزعيم الكوري كيم جونج ، المثير للدهشة ،حيث يمتلك رؤي خاصة وحاسمة في إدارة الدولة ، واستراتيجية تجمع ما بين الحسم والترهيب المستمر..
بهدف تثبيت دعائم وأركان نظامه ويراها المؤيدون حلا مثاليا للإصلاح والحسم ،لكن تكرار فكرة الإعدام مع بعض الساسة المخالفين له في الرأي، يثير العديد من التساؤلات ، فجل جريمتهم أنهم نصحوه بالانفتاح علي العالم ، بعد أن تسببت سياساته العدائيه في المزيد من الكوارث والأزمات المالية، نتيجة للحصار والعقوبات الإقتصادية.
كما أمر " كيم" بإعدام عدد من تجار العملة المتلاعبين بسوق الأوراق المالية عقب تفاقم جائحة كورونا ،وأكدت تقارير بإقدامه علي إعدم رئيس
لجنة حكومية فشلت في تطبيق استراتيجة التعليم عن بعد ، وإجراء محادثات فيديو بالمؤسسات التعليمية ،وغيرهم!!
وستظل تجربة كيم جونج ، تجربة مثيرة ،بها الكثير من الدروس ، مابين العثرات والإنجازات، ومحاولات الاكتفاء الذاتي،واستقلال القرار ربما نأخذ منها ما صفا وندع ما فيه الكدر !.
ومن القراءة الفاحصة ،لتطورات الأحداث تبقي الحقيقية التي لا تدع موضعا للريبة ،أن كوريا الشمالية حجزت موقعها في الترتيبات المستقبلية للنظام الكوني الجديد ،وسيكون لها دور فاعل في المستقبل القريب المنظور والبعيد.
