مأساة لبنان .. ونموذج الوهن واللادولة !!

أصبحت وأضحت وأمست مأساة لبنان نموذجا مأسويا عصريا للفوضي والأزمات والكوراث ، وتسير الأمور وتداعيات الأحداث من سييء إلي أسوأ.. وتنذر بخراب دمار وفتنة يحاك لها تحت رماد القوي المتصارعة، والتي تؤسس بالصمت المريب تارة،والمناطحات تارة أخري لمزيد من التردي والتراجع!.

هناك من يريد بها كل السوء، ويتربص بمقدراتها شرا.. لبنان لم تستفق بعد من تداعيات تفجير مرفأ بيروت،ولم تبرح مكانها منذ أزمات كورونا ،ووصلت الليرة اللبنانية إلي منحدر مرعب زاد عن 38 ألف مقابل دولار واحد.
 وقد تجاوزت معدلات الفقر كل الحدود الآمنة وفقا للحسابات الديمجرافية ،وارتفعت الديون الخارجية لما يزيد عن 100 مليار دولار ،دون إنتاج،ودون تعمير ونماء، ودون جهود تنموية حثيثة لتنشيط حركة التجارة وتعظيم الاستفادة من الموارد، حتي فكر الكثيرون في الهجرة والفرار من هموم وأوجاع لديار عربية كانت جميلة،وقبلة للفن ،الثقافة وللسياحة والترفية !! 

ومع تصاعد حدة الخلافات السياسية حين غابت قبضة الدولة تضاعفت المآسي والكوراث، وجاء الحصاد مرا وسريعا ، مع ارتفاع معدلات التضخم
والأزمات المتصاعدة في توفير الطاقة والانقطاع شبه المستمر للتيار الكهربائي ،وبدأ الظلام يحوم حول البلاد ،ويقتل الأفراح بالأنكاد، مع تفشي الفساد والكساد !. 
 
وتدريجيا ألقي التدهور السياسي بظلاله السلبية الموجعة علي حركة الحياة اليومية وعلي تزايد الضغوط والمشكلات الاقتصادية.

إن استمرار أزمة المصارف منذ أكثر من ثلاث سنوات،ومشهد هجوم المودعين خلال الأيام القليلة الماضية علي عدد من البنوك اللبنانية وإطلاق النيران ،والتهديد بالقوة ،لاسترداد أموالهم أو جزء منها يعكس جليا عمق الأزمات والمشكلات علي مختلف الأصعدة والمحاور.

والأدهي والأمر أن تقف الأجهزة والسلطات في حالة عجز للخروج بحلول وحماية المتلكات الدولة وحفظ حقوق المواطنين ،وهو مؤشر 
 خطير لغياب دور مؤسسات الدولة، فهل يتصور أحد أن لا تفي البنوك بإلتزامتها، وأن تعجز حتي عن توفير أرصدة المودعين،والأموال اللازمة لتسيير دفة الحياة.

وبطبيعة الحال، عمقت الأزمات الاقتصادية الأممية وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية المستعرة جراح مأساة لبنان مثل العديد من الدول ،كما ألقت بظلالها ومردوداتها السلبية علي الحاضر والمستقبل الغامض!.

ولكن الحقيقة المؤكدة أن هناك مخططات خبيثة تعبث في هذا الملف الشائك،وفي الأفق والمستقبل اللبناني ،كما  أشعلت من قبل نيران الصراعات والحروب الأهلية في الماضي ،وتسببت في شلل الحياة السياسية والاقتصادية لسنوات طويلة.

إن المشهد اللبناني المظلم اليوم يضاف لمشاهد موجعة بدول عربية أخري لا يراد لها أن تستفيق ، كالعراق وسوريا وليبيا واليمن  وغيرها.

إن رسائل تزييف الوعي وغرس الشقاق،وإغراق الدول في مشكلاتها وصراعاتها،وشغل شعوبها في تحصيل قوتهم ومستلزمات حياتهم، ومداوة جراحاتهم النازفة إثر الكوارث والأزمات المتتابعة ، أتصور أنها استراتيجية شيطانية خبيثة لوأد الطموحات والتطلعات وحلقة من حلقات الإلهاء، ونظرية "الفوضي الخلاقة" في جعبتها الكثير من السيناريوهات والمخططات المفزعة،
ولن ينجو من شراكها إلا من امتلك قراره وقوته ،وحصن بلاده من الولوج في دوامات العالم الجديد وقوانينه المغايرة !

والحق المر أن كل الأطراف والأطياف السياسية، بما فيهم حزب الله أسهمت في هذا التردي والوهن المزري، وأسهمت بصورة مباشرة وغير مباشرة في إضعاف سلطة الدولة وفشلها المتتابع في إدارة أزماتها،واتخاذ قرارات وإجراءات سياسية واقتصادية من شأنها وقف نزيف هذا الجرح،واسترداد عافيتها الاقتصادية.

ويكفي أن نعلم أن إسرائيل كعادتها التي تجيد توظيف النكبات والمستجدات،قد تجرأت علي حقول الغاز اللبناني،وبدأت فعليا في سرقة كميات ضخمة منها، متجاوزة كافة الأعراف والقوانين الدولية التي تحدد أطر سيادة الدول وحدود المياه الدولية والإقليمية.  

أتصور أنه يجب يعود جميع الفرقاء لصوت التعقل والحكمة،وأن تضطلع جامعة الدول العربية ومنظماتها بمهامها المختلفة لإيجاد آلية لرأب الصدع بين مختلف الأحزاب والقوي المتصارعة، والتأسيس لحياة سياسية تستوعب الجميع، وتعتمد علي الكفاءات، بعيدا عن هذه العبث والجمود والإصرار علي الفهلوة والمحاصصة في كل الاستحقاقات النيابية والسياسية. 
كما أن لحكماء العرب دور أساسي في تقديم يد العون الاستراتيجي والإنساني واللوجيستي لانتشال لبنان من محنته ومآسيه، التي فاقت كل الحدود !.