13:13 | 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير
شوقي محمد

رواية لماذا أنتِ؟ الحلقة الخامسة

الأحد 20-09-2020 02:40 م
رواية لماذا أنتِ؟ الحلقة الخامسة
رضا صبحى

الحلقة الخامسة من رواية لماذا أنتِ؟ .. الرواية للكاتبة الروائية أماني عطا الله .. رواية تأخذك في عالم رومانسي لذيذ، تعيش فيها صراع رهيب بين العقل بكل ما يحمله من عقد وبين القلب بكل ما يحمله من حب.
بطل هذه الرواية رجل أعمال شرقي ملتزم إلى حد التزمت، الزواج بالنسبة له لم يكن أكثر من صفقة عليه دراستها جيدًا للحفاظ على اسم عائلته واستمرارها، لكنه رغم ذلك يجد نفسه أسيرًا لإغواء إلهام، التي حلت بديلًا مؤقتًا لسكرتيرة مكتبه بسبب مرض والدة الأخيرة.

ما أكثر الجزاءات التى لحقت بموظفي الأقسام التى مر بها في طريقه إلى قسم الحسابات..؟! يبدو أن وجوده المباغت وخطواته السريعة لم تتح الفرصة للإبلاغ عن زيارته فلم يهيئوا أنفسهم لاستقباله ولم يأخذوا حذرهم كما كانوا يفعلون في المرات السابقة.
اقترب من قسم الحسابات فصمّت أذنيه تلك الضحكة الرنانة وأرغمته على التراجع قليلاً ليلقي نظرة متأنية على اللافتة المعلقة فوق الجدار وكأنه يتأكد من كونه القسم ذاته الذي زاره منذ أقل من شهرين.. 
أهذا هو قسم الحسابات وتحت رئاسة عبد العظيم..؟!
كانت إلهام قد جلست فوق أحد المكاتب ووضعت ساقًا فوق أخرى فارتفعت تنورتها القصيرة لتكشف عن ساقيها اللامعتين في مشهد يفيض إغراءً وفتنة بينما انطلقت ضحكاتها المرحة لتملأ المكان ضجيجًا. 
استندت على قبضتيها واستدارت في حدة لتحدق في المتطفل الذي سلب زملاءها فرحتهم وجعلهم ينهضون فجأة فوق أقدام مرتعدة لم تعد تقوى على حملهم. 
بقيت طويلًا على وضعها وكأنها لقطة فوتوغرافية أُخذت في غفلة أو تمثال شمعي شيده فنان مجنون فوق المكتب في لحظة أكثر جنونًا.. ساد صمت قاتل حصد كثيرًا من القلوب التي سقطت صرعى لرهبة وجوده.
لم تنهض هذه المرة.. هل هي رغبة مكبوتة في التحدي تاقت إليها طويلًا..؟ أم أن صدمتها لرؤيته الآن فاقت صدمته لرؤيتها في وضع كهذا..؟
 قالوا أنه في رحلة عمل منذ فترة طويلة.. قالوا أيضًا أنه لا يزور هذا القسم إلا نادرًا.. تحدثوا كثيرًا عن تلك الزوبعة التي تسبق مجيئه.. 
فكيف ولماذا أتى الآن بهذه الطريقة البوليسية؟!
لم يكن مُرتديًا تلك النظارة الداكنة هذه المرة.. تستطيع الآن أن ترى عينيه اللتين تطلقان نارًا لهيبها قادر على حرق القسم كله.. بل المؤسسة كلها.. 
شعرها الأحمر الذي جعدته حول وجه زينته بمساحيق أشد صخبًا من ضحكاتها.. ذكراه بالعاهرات اللواتي يتسكعن في شوارع لندن ليلًا.. ترى هل تعثر بها مازن هناك؟ 
ليتها ظلت تتظاهر بالحياء وتمثله لكان هذا أهون كثيرًا مما يراه الآن.. كيف يمكنه أن يبقيها في مؤسسته بهذا الشكل الفاضح؟ ستكون كالفيروس تدمرها قسمًا بعد آخر حتى تهدم أساساتها.. ألم يخبره صلاح بأن المؤسسة كلها تعرفها وليس قسم الحسابات فقط؟!
تنحنح عبد العظيم وهو يحاول التحكم في صوته المرتعد قائلًا:
- إلهام.. أستاذة إلهام.. هذا أدهم بك. 
للوهلة الأولى بدا وكأنها لم تسمعه.. ولكنها ما لبثت أن قفزت من فوق المكتب في حركة زادت من عري ساقيها مما زاده جنونًا فهتف في صوت خشن دون أن يرفع عينيه عن وجهها:
- ما الذي يحدث هنا يا عبد العظيم؟
تلعثم الرجل وكأنه فقد النطق فجأة.. فتابع أدهم في لهجة أكثر قسوة:
- يبدو أنكَ شخت مُبكرًا ولم تعد قادرًا على قيادة موظفيك.
- أبدًا يا سيدي ولكن.....
- سأكتفي هذه المرة بخصم أسبوع واحد من راتبك. 
حوَّلت نظراتها إلى عبد العظيم الذي أحنى رأسه وصمت مُستسلمًا.. مسكين عبد العظيم.. هي السبب في الخصم الذي تعرض له.. مررت أصابعها في خصلاتها علها تتغلب على العصبية التي أصابتها.
يا لها من وقحة وكأن الأمر لا يعنيها.. أليس لديها قليلاً من الحياء..؟! ها هي تتمادى دلالًا وتداعب شعرها في لامبالاة وكأنها بريئة من الخصم الذي وقعه للتو على عبد العظيم..! 
صاح من جديد وهو يدور بعينيه بين موظفي القسم المذعورين:
- سأكتفي بمجازاة عبد العظيم هذه المرة.. ولكن لو تكرر هذا الأمر في زيارة أخرى ستكون قراراتي أكثر حزمًا.. أرجو أن تنتبهوا لأعمالكم التي كُلفتم بها بطريقة أفضل.
لم تعد تحتمل الصمت مدة أطول فهتفت:
- نحن في فترة الراحة يا أدهم بك.
وكأنه كان ينتظر حديثها بصبر نافد لينفجر فيها:
- فترة الراحة يا أستاذة لا تعني أن تتحول المؤسسة إلى كباريه.
اتسعت عيناها وفتحت فمها لتعترض ولكنه لم يمهلها بل عاد يصرخ من جديد وهو يلتفت إلى صلاح الذي وقف يرتعد بجواره آمرًا:
- عامل الأمن الذي سمح لها بالدخول للمؤسسة بهذا الشكل الفاضح يتحول للتحقيق فورًا.
ارتعدت شفتاها قائلة:
- لا يحق لكَ أن تتـ...........
- إن كان والديكِ قد سمحا لكِ بالخروج من منزلك بهذا المنظر.. فمن حقي أنا أن أمنع دخولك إلى مؤسستي به.
أصابتها الصدمة بخرس مفاجئ عجزت معه في الدفاع عن نفسها.. أشاحت بوجهها عنه حتى لا يرى مبلغ انهيارها بينما قال زملاؤها في محاولة للدفاع عنها:
- إلهام زميلة عزيزة لم نجد منها ما يسوء.
- أدهم بك.. إلهام إنسانة مهذبة رقيقة لا تستحق هذه القسوة.
- أدهم بك تمهل بها رجاءً.
تأملهم ساخرًا قبل أن يلتفت إليها ويقول في لهجة أكثر سخرية:
- كل المدافعين عنكِ من الرجال.. لماذا يا ترى؟
قالت إحدى زميلاتها في توتر:
- يكفي أن إلهام جعلتنا نحب العمل في هذا القسم.
- وكيف لا تحبونه بعد أن صار ملهى ليلي..؟ حفل سمر تأتون إليه لتريحوا أنفسكم من هم الأعباء المنزلية؟!
تجولت عيناه فوق ملابسهم التي أصبحت أكثر وقارًا وأناقة.. مظهرهم المهندم رفع من شأن القسم كثيرًا.. بل من شأن المؤسسة ذاتها.. لو لم يجدهم في هذا الوضع المخزي لربما كان كافأهم. 
النباتات والزهور التي انتشرت في المكان حولته إلى حديقة غناء تزهو بنسيمها وأريجها العطر.. نسيم معطر برائحة الطبيعة وصفائها.. رفاهية يفتقدها هو شخصيًا في مكتبه المكيف.. كيف له أن يتساءل بعد كل ما يراه عن سر السلام المفاجئ الذي يملأ وجوههم؟
تسمرت عيناه قليلًا فوق المكتب الخشبي الذي بدا براقًا لامعًا.. كان مختلفًا.. الملفات فوقه رتبت بعناية فائقة في مجلدات ملونة ليست من تلك التي يوزعونها في المؤسسة.. وكأنه مكتب لمدير عام وليس لمجرد موظفة صغيرة لم تكمل شهرها الثاني بعد في هذا القسم.. أيقن أنه يخصها حتى قبل أن يقرأ تلك اللافتة الصغيرة التي وضعتها فوقه في اعتزاز "إلهام صبري".
رغم هذا فقد سأل بصوت جهور:
- لمن هذا المكتب؟
أجابه عبد العظيم في ارتباك:
- مكتب الأستاذة إلهام.
- ولماذا يختلف عن بقية المكاتب؟
عضت على شفتيها بغيظ.. من أين لها بكلمات تعبر عن مبلغ آلامها وغضبها الآن..؟ لكم تود أن تصفعه أمام الجميع ثأرًا لكرامتها التي أهدرها أمامهم؟!
أردف بعد قليل وهو يشير لأحد مرافقيه:
- احضر لي بعض العمال من الخارج.
هل يعقل أنه سيفعل ما تفكر فيه الآن..؟!  
أيقنت صدق استنتاجها عندما جاء العمال فأمرهم في حسم:
- أحضروا لي مكتب آخر مثل بقية المكاتب.
استدارت إليه في حدة قائلة:
- كان الأجدر بكَ أن ترتقي بمستوى القسم لا أن تنحدر به.. المخازن بها عشرات المكاتب الخشبية المكدسة.. تكفي لهذا القسم وتفيض.
- أنا المدير هنا يا أستاذة.. حذار أن يعلو صوتكِ مرة أخرى.
رفعت رأسها في كبرياء قائلة:
- يسعدني أن تقبل استقالتي إذًا.
أجابها في لهجة باردة:
- سوف أفصلك أنا.. ولكن بعد أن تدفعي ثمنًا لوقاحتك أولًا.. وكلما استمريت في وقاحتك.. كلما ازداد دينك.. وحينها لن أفصلك فحسب.. بل وسوف أسجنكِ أيضًا.
- ماذا..؟ من تظن ذاتك؟
أشار بسبابته محذرًا:
- اقرأي شروط العقد الذي وقعتِه مع الشركة قبل أن تتفوهي بشيء وتندمي عليه لاحقًا.
تركها حائرة مصدومة واستدار ليوجه حديثه للعمال قائلًا:
- افرغوا محتويات هذا المكتب الخشبي وأعيدوه إلى المخازن.
ما إن أفرغوا محتويات الدرج الأول حتى غمغم وهو يمسك بها ساخرًا:
- مرآة.. أدوات تجميل.. زجاجة عطر.. وماذا أيضًا؟
استدار إليها وتابع في وقاحة:
- هل نكمل إفراغ ما تبقى من الأدراج أم أن بها ما يخدش الحياء..؟ 
زفرت في عصبية فهتف في عصبية أكبر:
- ما هو عملكِ بالضبط هنا..؟
أغمضت عينيها وتماسكت بصعوبة.. كيف يطلب منها أن تصمت إن كان يحدثها بهذه الوقاحة.. لن يكفيها قتله عقابًا على ما يفعله بها.. ولا التمثيل بجثته أيضًا.. يومًا ما سوف تنتقم منه بطريقتها الخاصة. 
انتهى العمال من مهمتهم وقال أحدهم:
- هل تأمرنا بشيء آخر يا سيدي؟
أشار إلى النباتات التي ملأت الغرفة قائلًا:
- ضعوا هذه في الطرقات والممرات.. ليس من العدل أن يستأثر بها قسم دون آخر.
استدارت إليه في ثورة قائلة:
- الحديقة مكتظة بالمئات مثلها.. كانت مهملة تغطيها الأتربة.. ليس من العدل أن تأخذها من هنا بعد أن تعبنا في......... 
اختنق صوتها فلم تستطع أن تكمل جملتها بل أشاحت بوجهها عنه من جديد.. فليذهب للجحيم هو ونباتاته ومكاتبه الخشبية بل ومؤسسته بكاملها...
قال بعد فترة صمت:
- اتركوا لهم بعضًا منها.. إكرامًا لدموع الأستاذة.
غادر بعدها القسم وتركهم في حالة من الوجوم قبل أن يلتفوا جميعًا حول إلهام التي ارتمت فوق المكتب الحديدي الذي تركه لها وراحت تنتحب في هيستيريا غير مبالية بالغبار الذي غطاه وانطبع فوق جلدها وملابسها.. تذكرت الآن ذلك الشرط البغيض الذي يتحدث عنه في العقد.. قرأته جيدًا يومها ولكنها لم تتوقف عنده طويلًا.. لم تكن تتخيل أبدًا أنه قد يستغله لمعاقبتها وإجبارها على العمل في مؤسسة لطالما حلمت بالعمل فيها.. 
لن يحق لها ترك هذه المؤسسة قبل قضاء سنة كاملة من العمل فيها.. وإن فعلت يكون من حق مدير المؤسسة اتخاذ الإجراء الذي يناسبه.. 
سوف يسجنها...! 
هذا هو الإجراء الذي وعدها بأن يتخذه ضدها.. أمامها خياران لا ثالث لهما.. إما أن تقضى سنة كاملة تحت استبداده وإهاناته التي يبدو أنها لم تبدأ بعد.. وإما السجن.. بالنسبة لها فالسجن أهون كثيرًا.. ولكن ماذا عن والديها..؟ ترى هل سيتحملان أمرًا كهذا؟
**
عادت أخيرًا إلى العمل بعد غياب استمر ثلاثة أيام متتالية.. لم يكن تهديده وحده هو ما أرغمها على العودة إليه.. بل ذلك الإلحاح الذي لم ينقطع من قِبل والديها أملًا في أن تخرج من حالة الاكتئاب التي ألمت بها.. أخبرتهما بأنها قد رأت حادثًا في طريق عودتها للمنزل وبأن فتاة شابة لقت حتفها خلاله.. تعللت بأن ذكرى المشهد هي ما يؤرقها ويحزنها.. وكيف كانت ستخبرهما بكم الإهانات التي تعرضت لها من ذلك المستبد؟
ساعدتها نظارتها الشمسية الداكنة في تجاهل النظرات التي سُلطت عليها منذ دخولها من باب المؤسسة الخارجي حتى وصولها للقسم الذي تعمل به.. يبدو أن المؤسسة بكاملها قد علمت بما فعله معها في زيارته الأخيرة. 
استقبلها زملاؤها في حفاوة بالغة كادت تبكي لها وهي تقول بصوت أقرب للهمس:
- أشكركم.. وأرجو أن تقبلوا اعتذاري عن كل ما سببته لكم من إزعاج بلا قصد. 
نظرت إلى عبد العظيم وأردفت في تأثر:
- أغفر لي يا أستاذ عبد العظيم.. تسببت في إهانتك بسبب طيشي وتهوري.. لم أكن أتخيله مستبدًا لهذا الحد.. سوف أتحمل أنا الخصم بدلًا منكَ. 
أجابها سعيد أحد زملائها في القسم:
- القسم كله سوف يتحمل هذا الخصم.. بفضلك يا إلهام توحدنا.. منذ الآن سوف نقتسم الخير والشر.. خاصة إذا كان الأمر يتعرض لكبيرنا الأستاذ عبد العظيم. 
علقت علا التي لطالما اشتهرت بعدائها الشديد له:
- صدقًا يا أستاذ عبد العظيم.. لو أن أدهم بك خصم الأسبوع من راتبي ما كنتُ حزنتُ كما حزنتُ من أجلكَ. 
وافقتها فاتن قائلة:
- نعم يا أستاذ عبد العظيم.. كلنا فداء لكَ.. لقد أصبحت أخًا أكبر لنا جميعًا وكرامتك قبل كرامتنا.. سوف نبذل قصارى جهدنا مستقبلًا حتى لا نعرضك لكلمة واحدة قد تخدش كرامتكَ.
قال عبد العظيم مبتسمًا في تأثر لما لمسه في كلماتهم من حب صادق يشعر به للمرة الأولى:
- لا عليكم.. الخصم الذي تعرضت له ما هو إلا ثمن بخس لهذا الدفء الذي صرت أشعر به معكم.
لم تمض أيام قليلة بعدها حتى توقف عبد العظيم ذعرًا عندما وجد أدهم بك أمامه مرة أخرى.. حاول أن يحذر إلهام علّها تغلق مسجلها الصغير وتوقف تلك الموسيقى التي اعتادت العمل على نغماتها.. ولكن أدهم أشار إليه بالصمت. 
وقف يراقبها طويلًا وهي منهمكة في عملية حسابية دقيقة استولت على تركيزها كاملًا.. رفعت رأسها أخيرًا واتسعت عيناها في دهشة ما لبثت أن تحولت إلى عدوانية قبل أن تتجاهله وتعاود النظر إلى أوراقها من جديد. 
ضغط على أزرار المسجل في غضب فتوقفت الموسيقى وهو يصيح فيها قائلًا:
- عندما تتحدثين إلى رئيس القسم يتوجب عليكِ أن تقفي له احترامًا.. وأنتِ الآن تتحدثين إلى رئيس المؤسسة شخصيًا.
أخذت نفَسًا عميقًا وهي تنهض على مضض متحاشية النظر إليه.. استندت بكفيها فوق مكتبها وتسمرت عيناها فوق أوراقها أملاً في أن يذهب ويتركها ولكنه جذب الملف الذي تعمل عليه وراح يدقق النظر فيه.. عملها كان رائعًا بالفعل ويستحق الإعجاب ولكنه ألقى بالملف في طريقة زادتها سخطًا قبل أن يأمرها قائلًا:
- افتحي أدراج المكتب. 
حدقت فيه مستنكرة قبل أن تنفذ ما طلبه منها مرغمة.. عجبًا.. أين ذهبت أشياؤها الخاصة.. أين اختفت مرآتها وأدوات زينتها.. لا تتذكر أنها أخذتها معها للمنزل.. ربما كانت في درج آخر.. سوف يعثر عليها بلا شك. 
يا الله.. لم تكن في مزاج يسمح لها بتقبل المزيد من إهاناته.. سوف تدافع عن نفسها هذه المرة وليكن ما يكون.. حانت منها نظرة إلى فاتن التي غمزت لها مبتسمة.. هي من أخفتها إذًا عندما رتبت لها أغراضها في المكتب الجديد.
ابتعدت مطمئنة لتفسح له الطريق ليفتح بقية الأدراج.. لم يجد شيئًا سوى المزيد من الملفات.. أغلق الأدراج أخيرًا وعاد يتطلع إليها في حدة بادلته إياها قائلة:
- هل تريد أن تفتش حقيبتي أيضًا؟
تجاهل عبارتها وراح يتجول ببصره في القسم بحثًا عن هذه الروح الجديدة التي تملأه.. كانت أقوى من أن يكسرها.. تأمل المفارش الناعمة التي غطت مكاتبهم جميعًا بما فيها مكتب عبد العظيم.. الملفات رتبت فوقها بعناية ونظام قلما وجده في الأقسام الأخرى.. الإطارات والصور الزاهية الألوان تشع إشراقًا فوق الجدران وكأنها شموس خاصة بهم وحدهم.. المكان نظيف عطر الرائحة ينبض بالحياة والبهجة. 
قال في نبرة هادئة:
- أخبرتني تهاني بالحوافز الإضافية التي منحتها لكم تشجيعًا للانتهاء المبكر من كل ما يخص حسابات السنة المالية الماضية. 
نظروا إليه في ترقب.. هل سيتراجع عن منحهم الحوافز الإضافية التي وقعتها رئيسة مكتبه نيابة عنه وينتظرون صرفها الأسبوع القادم؟
قال أخيرًا:
- تستحقون مكافأة أخرى نظير عنايتكم بالمكان.. وكذلك بمظهركم الذي أصبح مشرِّفًا.. سوف أطالب بتعميم ما قمتم به في هذا القسم حتى نرتقي ببقية الأقسام. 
غمرت الفرحة وجوههم وهم يرددون عبارات الشكر والامتنان.. هي أيضًا كانت تبتسم ولكن ما إن نظر إليها حتى اختفت ابتسامتها وعبس وجهها مجددًا.
غادرهم على النقيض تمامًا هذه المرة.. كانوا يتنفسون سعادة وفرحًا.. اقتربت فاتن من إلهام وقدمت لها أدوات الزينة قائلة:
- حدثني قلبي بأن هذا سوف يحدث لذلك أخفيتها ونسيتُ أن أعيدها إليكِ.. ها هي ولكن من الأفضل أن تضعيها في حقيبتكِ. 
***
- أدهم بك.. أدهم بك...
هز رأسه وهو يتطلع إلى تهاني وكأنه استيقظ من غيبوبة.. ما الذي يحدث له..؟ لماذا يؤرقه التفكير في قسم الحسابات لهذا الحد؟!
- أدهم بك هل أنتَ بخير؟
- نعم.
- هناك بعض الأوراق تحتاج إلى توقيعك.. إن كنتَ متعبًا الآن يمكننى أن آتي في وقت لاحق. 
- حسنًا.. اتركيني ساعة واحدة استرخي فيها قليلًا. 
ابتسمت تهاني وهي تغادر المكتب متمنية له الراحة والسعادة.. ولكن من أين له بالراحة والسعادة وهو يتذكر نظرات عبد العظيم المتيمة إليها.. يستطيع أن يجزم بأن وحشه الصغير سقط في فخها.. لا شك في أنها تعمدت إغواءه حتى سقط في حبائلها.. هذه الوقحة.. لابد أنها تعلم بكونه متزوجًا ولديه أبناء صغار أحدهم مايزال في المرحلة الابتدائية على ما يتذكر.. فماذا تريد من رجل مثله..؟
لا يبدو أنها تهتم به على الإطلاق.. كان يأكلها بعينيه بينما هي منهمكة في عملها وكأنها لا تراه.. لو كانت تضعه في حسبانها لحظتها ما خرجت حساباتها بهذه الدقة التي راجعها بنفسه، ولا بهذا النظام والخط المنسق.
لم تكن الساعة قد انتهت بعد عندما فوجئت به تهاني يغادر مكتبه.. فهتفت بدهشة:
- أدهم بك.. ما......
- سأعود سريعًا.


انتظروا تكملة الرواية أحبائي..


 لينك الحلقة الثالثة 
 https://bit.ly/3hF8Mzo
 لينك الحلقة الرابعة 
 https://bit.ly/3hF8Mzo

 

بقلم شوقى الشرقاوى
شوقى الشرقاوى
د. الخشت يتفقد أول اختبارات الميد تيرم بجامعة القاهرة الدولية
بقلم ساره أيوب
ساره أيوب
اسيا تورتشييفا تشهد معرض من اول السطر
بقلم سمير شحاته
سمير شحاته
نائب المحافظ: الدفع ب ١٠ سيارات لشفط تراكمات المياه الناتجة عن كسر ماسورة مياه بمحيط سور مجرى العيون
بقلم سمير شحاته
سمير شحاته
الأرصاد تحذر من طقس الأيام القادمة
بقلم عبد الناصر عبد الله وحماده يوسف
 عبد الناصر عبد الله وحماده يوسف
"أهمية العمل التطوعى وتنمية البيئة" حملة توعية أطلقتها جامعة مدينة السادات لطالبات المدن الجامعية
بقلم شوقى الشرقاوى
شوقى الشرقاوى
فوز عضو هيئة تدريس بقسم جراحة المخ والأعصاب بجامعة الأزهر بالمركز الأول في الإنتاج العلمي
بقلم احمد سامي
احمد سامي
ميدو: الأهلي تعاقد مع مدرب "معلم" وهذا دور حسام غالي
بقلم احمد سامي
احمد سامي
الزمالك يتوصل لاتفاق نهائي مع محمود جاد.. وموافقة إنبي تحسم الصفقة
بقلم احمد سامي
احمد سامي
فيريرا يعلن قائمه الزمالك لمباراة الهلال السعودي
بقلم سعيد سعدة
سعيد سعدة
"التعليم" تشارك في فعاليات ملتقى شباب العاصمة الإدارية الجديدة غدًا الإثنين
المزيد من مقالات الرأى

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر