رجب حميده يكتب عودة المياه إلى مجاريها بين مصر وقطر.. قراءة في إدارة ملف الإعلام
يظن البعض أن الإعلام في مجمله مستقل، يتكلم من وحي ضميره المهني بشكل كامل، والحقيقة ليست كذلك، الإعلام أداه من أدوات الأنظمة والتيارات والاحزاب ورجال الأعمال في معركة المصالح الكبرى للمُلّاك.
الخلاف فقط في أن هناك إعلام مهني وإعلام "ردّاح"، حتى في أمريكا هناك إعلام مناصر للحزب الجمهوري وهناك إعلام مناصر للحزب الديمقراطي، كما أن هناك إعلام إقتصادي بحت، وهو ما يعرف نظريًا بالإعلام المستقل، وهو ليس كذلك فحتى ذلك الإعلام، لا يعمل إلا وفق أجندة من يملكونه.
الإعلام مهنة، مثل الطب، والهندسة، والبيزنس،فمثلًا على المستوى الداخلي لدينا منّصات إعلامية لخدمة مصالح رجال الأعمال مثل "المصري اليوم" و "صدى البلد" و "مصراوي" هدفهم على الترتيب رعاية استثمارات "صلاح دياب" و "محمد أبو العينين" و "نجيب ساويرس".
إلى ذلك، كان البعض ينتظر بشغف، بعد زيارة الرئيس السيسي إلى الدوحة مواقف الإعلاميين المحسوبين على مصر، ونظرائهم المحسوبين على قطر.
قناة الجزيرة في أعوام ماضية وفي إطار دعم الدوحة لجماعة الإخوان ضمن مشروع أكبر تقوم عليه أجهزة ودول كبرى أطلقت أسلحتها الثقيلة في مواجهة النظام المصري، وهي قناة على المستوى المهني جدًا ثقيلة، فكان طبيعيًا أن يتم مواجهتها بما يتوافر لدى النظام المصري من إمكانات مالية وفنية أعتقد أنها لم تكن عند المستوى لكنها قامت بدورها نوعًا على النحو المطلوب.
في إطار تلك المستجدات لم يكن غريبًا أن تتوقف أصوات عن صراخها الذي استمر لسنوات، مع أو ضد الأنظمة في البلدين، مصر وقطر، وأن تُغيّر أخرى محل إقامتها، إلى عواصم بديلة.. وإن كانت تحمل نفس الأهداف.
الإعلام أشبه برقعة الشطرنج تتحرك فيها القطع وفقًا للمستجدات التي تفرضها تحركات اللاعبين.. لكن يبقى على تلك الرقعة قطع لها مكانتها، حركاتها جدًا مؤثرة، وقطع أخرى تتحرك مثل العساكر، في لعبة لا يحزن أطرافها من خسارة العساكر، لكنهم يحرصون بقوَة على الاحتفاظ بالأحصنة والطوابي والافيال وأكثر منهم الحرص على سلامة الوزير ومن قبله الملك.
في الفترة القادمة هناك أصوات ستسقط من الرقعة مثل العساكر لن يهتم لسقوطهم أحد، هؤلاء سيخرسون تمامًا، وهناك أصوات سيتم تحريكها، ولكن بعد صمت وفي هدوء، أو يملّ اللاعبون من استكمال الماتش، لكن الرقعة ستظل باقية لفتحها وقت اللزوم.
فمثلًا آل أديب ( عماد وعمرو ولميس) توقفا تمامًا عن مهاجمة الدوحة مباشرة بعد قمة العُلا بين الامير محمد بن سلمان والأمير تميم يناير 2021، تمامًا كما غيّرت قنوات الإخوان محل إقامتها من اسطنبول إلى لندن مباشرة بعد تفاهمات مصرية تركية.
الإعلام كاشف لحالة العلاقات السياسية بين الدول، والتيارات كما هو كاشف أيضًا لمصالح رجال الأعمال فيها.
في عصر مبارك شنّت جريدة "المصري اليوم" هجومًا كاسحًا على سامح فهمي وزير البترول، على خلفية تعقيدات واجهها صاحب الجريدة صلاح دياب من الوزارة في ملف حقل الأمل للبترول الذي يملكه صاحب الجريدة، لكنها بعد تفاهمات بين "دياب" و"فهمي" لم تكتب "المصري اليوم" كلمة واحدة مسيئة لوزير البترول، وهي صيغة استمرت بين الوزارة والصحيفة حتى مع تبدّل الوزراء، وتبدّل رؤساء التحرير.
إلى ذلك تبقى وسائل الإعلام مثل الأسلحة والجيوش، تحظى بالدعم والرعاية، حتى لو لم تكن هناك حروب، وجودها يكفي ليُشكل ردعًا في مختلف الظروف.