00:06 | 05 يناير 2025
رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير
شوقي محمد

د.لو ينغ بوه يكتب العالم العربي وتدشين مسيرة التصنيع

الخميس 02-01-2025 12:11 م
د.لو ينغ بوه يكتب العالم العربي وتدشين مسيرة التصنيع
متابعات

بصفتي أستاذاً متخصصا في اللغة العربية وثقافتها في إحدى الجامعات الصينية، تمكنت من تكوين علاقات الصداقة مع العديد من الأصدقاء العرب خلال مسيرتي المهنية في التدريس التي دامت ما يقرب من عشرين عاماً، ومن بينهم مسؤولون حكوميون وأساتذة جامعيون، وكانت أغلبيتهم من الطلاب العاديين. وفي عملية التفاعل والتبادل معهم، يمكنني أن أتعمق في شعوري بأن أصدقائي العرب معظمهم يقدرون تقديرا عاليا لنتاج سياسة الإصلاح والانفتاح التي طُبقت في الصين منذ عام 1978م، والتي تعتبر نقطة الانطلاق للتصنيع في الصين والدافع والسبب المباشرين للتطور الاقتصادي السريع، وكان إصرار السيد دنغ شياو بينغ زعيم الصين حينذاك ومثابرته على عملية التصنيع يضع البلاد على الطريق الصحيح للثورة الصناعية لأول مرة منذ حركة التغريب في عام 1861م حيث لم تجد بدا من أن تلجأ إلى الدول الغربية لتقتدي بها في نمط التنمية لتقوية قوة الدولة وباءت بالفشل مرارا وتكرارا مهما كانت الوسائل والطرائق التي حاولت بها. وفي السنوات الأربعين الأخيرة منذ بداية تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح، أكملت الصين ثورتها الصناعية الأولى بعد أكثر من مائة سنة من التجربة الفاشلة، والتي كانت مهمتها الرئيسة تتلخص في تحويل الحبوب الغذائية الزائدة إلى سلع استهلاكية صناعية (مثل المنسوجات)،  ثم على أساسها بدأت الثورة الصناعية الثانية في أواخر التسعينات، والتي كانت تتميز بإنتاج الآلات على نطاق واسع، مما شجع على مواصلة تطوير الإنتاجية ومهد الطريق للسوق لكي يتوظف بفاعلية مع تدخل الحكومة ان دعت الضرورة لتجنب مساوئ اقتصاد السوق الذي قد تتعطل من حين الى آخر بسبب من الأسباب.  وخلال هذه الفترة انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية، مما أتاح لها الفرصة السانحة لزيادة اندماجها في تقسيمات الأعمال في السوق العالمي حتى يتشكل الدائرتان الاقتصاديتان للبلاد محليا ودوليا.
على الرغم من أن العالم العربي يعاني من مشاكل عدم توازن في توزيع الموارد وعدم التكافؤِ في خطوات التنمية، إلا أن المنطقة العربية بأكملها مليئة بموارد الأيدي العاملة الناجمة عن نسبة الشباب العالية في المجتمع من الشرق إلى الغرب، وإذا أمن البدء بالتصنيع في هذا السياق، فمن الممكن تحويل هذه الميزة إلى عائد ديمغرافي ضخم قد يطلق سراح كمية هائلة من قوة الإنتاج بما يفوق حسبان كل الناس، حيث سيتم تحقيق التنمية الذاتية والسير قدماً على طريق التحول من دول نامية إلى دول متقدمة صناعيا.
سيأتي افتتاح هذا المسار شهادة على تحسين القوة الجوهرية لأي بلد أو منطقة أو أمة، مما يجعلها لم تعد تابعة لأي قوة دولية، تماما مثل أي تغيير نوعي أساسي طرأ على تاريخ البشرية ولا يمكن تحقيقه من خلال الترقب أو التعهد أو التوسل، ولا ينفع أن نعلّق آمالا عريضة على غيرنا للحصول على التقنية الجوهرية لدفع تدشينه، والسبيل الوحيد لتحقيقه هو الاعتماد على العمل الدؤوب باستغلال الموارد البشرية والمادية والفكرية للبلاد والأمة برمتها للتغلب على شتى العراقيل الممكنة في طريق تطورها حتى الاهتداء إلى سر النجاح، وهذا مثل جاء في المثل العربي: الجاهل يعتمد على أمله والعاقل يعتمد على عمله.
إذا استطعنا أن نستكشف بعض الإلهامات من مسار التصنيع في الصين على مدى الأربعين عامًا الأخيرة، وتمكنّا من تنوير استكشاف التصنيع في العالم العربي، فإننا نعتقد أنه يجب استيفاء الشروط التالية لإطلاق هذه العملية:
أولا: السياسات الفعالة
ينبغي أن يكون لدى دوائر الحكومة الخاصة بصنع القرار الاقتصادي فهم عميق للخصائص الاقتصادية للبلاد ومزاياها النسبية وخصائص القوى العاملة لها لصياغة سياسات اقتصادية كلّيّة طويلة الأجل تتماشى مع مستويات التنمية المحلية ويمكن أن تحفز ريادة الأعمال وتنشّط حماسة الشباب في العمل والمحاولة، مما يساهم كوسيلة في حماية القوى الإنتاجية وتطويرها، ومن ثم إيجاد نقطة انطلاق للمشاركة في تقسيم الأعمال العالمية. 
ثانيا: الحكومة الواعدة
لا يمكن للحكومة أن تترك السوق تمر دون رادع، ومن الضروري إمساك زمام المبادرة في يدها لتحقيق التعديل الكلّي في عملية توزيع موارد السوق مع توفير ظروف صالحة لتنميته، وذلك لتجنب الأزمات الاقتصادية الناجمة عن تعطل السوق هذه الأيدي غير المرئية عن توزيع موارده.
ثالثا: الوقت الكافي نسبياً 
اذا ألقينا نظرة عامة على مراحل التصنيع في العالم فليس من الصعب أن نجد أنها وردت نتيجةً للجهود المتواصلة والمنهجية للسياسات القائمة على نظرة بعيدة والتي طُبقت لفترة زمنية طويلة نسبيا، فلقد مرت الدول الغربية مثل بريطانيا والولايات المتحدة بمرحلة استمرت مائتيْ عام بعد إطلاق الثورة الصناعية، كما خاضت الصين مرحلة دامت أربعين عامًا منذ عام 1978م الذي يعتبر مستهل عملية التصنيع. نعتقد أن توقيت بدء الثورة الصناعية قد يختلف من مكان إلى آخر، لكنها في المجمل عملية طويلة وتقاس بالعشر سنوات لكل وحدة، وإنّ ما إذا كان يمكن للمنطقة العربية (أو أي دولة من الدول العربية) أن تحقق السلام والاستقرار على مدى عشر سنوات من عدمه، سيشكّل عاملاً رئيسياً في إنجاح عملية التصنيع فيها ولها.
رابعا: روح ريادة الأعمال
لقد تطلبت الثورة الصناعية عدداً كبيراً من رجال الأعمال الباحثين عن الربح والمجازفين لفتح الأسواق الناشئة وفي المجالات الجديدة، وبوسعنا أن نفهم هذا من خلال النظر إلى أوروبا في القرنين السادس عشر والسابع عشر و"تيار الأعمال التجارية" التي كان يعمّ الصين شمالا وجنوبا في التسعينيات من القرن الماضي. أما في عصر المعلومات اليوم، فعلى الرغم من انخفاض التكاليف الزمانية والمكانية للاتصالات بين الناس، إلا أن وجود العدد الكبير من رواد الأعمال لا يزال عاملاً رئيساً لتحفيز عملية التصنيع. وبشأن هذا، يتمتع العرب بميزة فريدة لا مثيل لها في أي أمة من الأمم في العالم لأنهم أمة تجارية أصلا على مر التاريخ، حيث كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) نفسه تاجراً ناجحًا وشجاعًا ومقدامًا للغاية مما جاء كأسوة سلوكية ذات شخصية مثالية للأجيال القادمة من المسلمين الذين ازدادت أعدادهم يوميا.
أما الإلهام الأخير الذي استمددناه من عملية التصنيع الصينية فهو العلاقة الجدلية بين اليأس والأمل. إن تاريخ الصين الحديث مليء باليأس والإذلال، ولكن في اليأس السائد والدائم وجد الناس شرارة الأمل، وأنشأوا جمهورية الصين الشعبية بعد أن تعرضوا للعديد من النكسات، ثم وجدوا المفتاح لفتح الباب أمام التصنيع بعد تكرار المحاولات الفاشلة. لقد قال المفكر الصيني العظيم منشيوس من قبل: "تولد الازدهار والحيوية من الحزن والمعاناة بينما أقبل الهلاك والفناء من الهناء والضياع". وبدلاً من العيش في الأمل الزائف أو التشاؤم المفرط، فمن الأفضل مواجهة اليأس الذي يعتريه مجتمعنا وبلدنا وأن نحوله إلى شجاعة الإصلاح والمحاولة في نفس وقت محاسبة أصحاب البصيرة في العالم العربي أنفسهم: في حالة فشلنا في السير على طريق التصنيع، وعندما ينفصل العالم العربي بأكمله تمامًا عن العالم الغربي سياسيا واقتصاديا وإمداديا، فهل يمكننا كأمة وهيئة سياسية مستقلة أن نحيى حياة كريمة؟
قد يقول البعض إننا دخلنا الآن القرن الحادي والعشرين، حيث لن تسمح فطرة الناس وضميرهم ووعيهم بأن تتحول صراعات العالم الحادة إلى حالة حياة أو موت أو انفصال إطلاقي بين الشرق والغرب، ولكن إذا لم يتم التطوير في اتجاه التصنيع ولم يتم تكوين القوة الذاتية الوطنية، فإن العالم العربي المترامي الأطراف جغرافيا قد يصبح مثل "بلدان الجنوب الغفيرة" التي ستستمر في الانحطاط والتحول إلى دول مستوردة للمواد الخام وأماكن إغراق الأسواق بالسلع بالنسبة للدول الصناعية الغربية في المستقبل المنظور ولن يجد ملجأ آمنا للحفاظ على حريته وكرامته اللتين دائما ينظر اليهما على أنهما من أثمن شيء للعرب سلالة امرؤ القيس وعنترة بن شداد وغيرهما من الأبطال المناضلين من أجل حريتهم وكرامتهم بكل التفاني حتى اللحظة الأخيرة في حياتهم.

بقلم متابعات
متابعات
رئيس مجلس إدارة شركة ريكون للمقاولات يحتفل بتخرج نجله حسن مهندساً
بقلم شوقى الشرقاوى
شوقى الشرقاوى
د. الخشت يتفقد أول اختبارات الميد تيرم بجامعة القاهرة الدولية
بقلم ساره أيوب
ساره أيوب
اسيا تورتشييفا تشهد معرض من اول السطر
بقلم سمير شحاته
سمير شحاته
نائب المحافظ: الدفع ب ١٠ سيارات لشفط تراكمات المياه الناتجة عن كسر ماسورة مياه بمحيط سور مجرى العيون
بقلم سمير شحاته
سمير شحاته
الأرصاد تحذر من طقس الأيام القادمة
بقلم عبدالناصر عبدالله و حماده يوسف وساره أيوب
عبدالناصر عبدالله و حماده  يوسف وساره أيوب
"أهمية العمل التطوعى وتنمية البيئة" حملة توعية أطلقتها جامعة مدينة السادات لطالبات المدن الجامعية
بقلم شوقى الشرقاوى
شوقى الشرقاوى
فوز عضو هيئة تدريس بقسم جراحة المخ والأعصاب بجامعة الأزهر بالمركز الأول في الإنتاج العلمي
بقلم احمد سامي
احمد سامي
ميدو: الأهلي تعاقد مع مدرب "معلم" وهذا دور حسام غالي
بقلم احمد سامي
احمد سامي
الزمالك يتوصل لاتفاق نهائي مع محمود جاد.. وموافقة إنبي تحسم الصفقة
بقلم احمد سامي
احمد سامي
فيريرا يعلن قائمه الزمالك لمباراة الهلال السعودي
المزيد من مقالات الرأى

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر