"الكبسولة السحرية".. من المجموعة القصصية "الحصان" للكاتبة سميحة المناسترلي
بسط باسم كف يده محملقا إلى كبسولة كبيرة بيضاء اللون في تردد، متذكراً كلمات زميله "أحمد" لحظة خروجهما من لجنة الإمتحان:الكبسولة دي، لها مفعول السحر .. إنت وجهك واضح عليه الإجهاد، خد الكبسولة دي، حتخليك تواصل المذاكرة يومين متواصلين، حتشعر إنك كتلة من النشاط، وحتدعي لي، بس ما تنسنيش من الحلاوة يا سي باسم لما تظهر النتيجة .
عاد باسم إلى منزله، تحدث مع والدته طالبا رضاها، ودعاءها له، طمأنها على أدائه بالامتحان، دخل غرفته مترددا بخصوص نصيحة أحمد .. فقد ورث باسم من خصائل والده المرحوم عبد القوي عدم اللجوء إلى أي دواء إلا فيما ندر.
إرتمي باسم على سريره، وكاد ان يغفو محتضنا الكبسولة بكف يده .. ومازال يفكر، حتى اتخذ قراره، وتناول الكبسولة، مقنعا نفسه : يعني ممكن يحصل أيه ؟ أهو من باب التجربة.. بعد قليل شعر بقوة وطاقة طاغينين على حركته وتفكيره .. صار عقله يعمل بنشاط مفاجىء، تملكته طاقة زائدة، جعلت منه إنسانا ذو فاعلية ونشاط، كالدمية التي كانت تعمل بنصف طاقة بطارية، ثم حولت إلى الشحن الكهربائي، فازدادت قوة عارمة، وعظمت بها وتيرة الحركة فهي تعمل بلا كلل ولا ملل .. !!
تحول باسم إلى المرآة، فإذا بوجهه مفعم بالحياة والحيوية والنضارة.. يشع من عينيه بريق ووهج، يعكسان قوة حضور لم يلاحظهما بحياته..!!
انتهز الفرصة، أسرع إلى مكتبه لمراجعة المادة التي سيمتحن بها اليوم التالى .. وكلما أنهاها .. قام بمراجعتها مرة أخرى، فكانت طاقته تفوق مراجعته لها لمرة واحدة .. الأم تتابع ابنها وهي فرحة به، ظلت ساهرة على خدمته حتى بزوغ فجر يوم مشرق جميل .. سألته أن يأخذ قسطا من النوم أويستريح قليلا ، لكنه كان يرفض متعللا بأنه سينام عند عودته إلى البيت بعد أن يتم إختباره على خير .
أنهي باسم مذاكرته، واستعد لمغادرة المنزل إلى لجنة الإمتحان وكله خفة ونشاط .. يشعر بالسعادة بما أنجزه من تحصيل ..أثناء خروجه من غرفته، تعرقل بأمه أثناء قيامها بالصلاة .. فلم يلحظها في سجودها على الأرض، لكنه تفاداها ونظرت إليه أمه نظرة متفحصة قلقة .. في تساؤل : أنت بخير يا باسم ؟ !!
طمأنها وهو يقبل يدها ورأسها، متمتما أنا بخير يا أمي ، إدعيلي .. وللحظة خاطفة مر أمام عينيه بريق ساطع أزعجه قليلا، لكنه لم يهتم .
لا يعلم باسم كيف وصل إلى لجنة الإمتحان .. قواه تخور تدريجياً .. قدماه تخذلانه.. عيناه تحدقان في لا شيء، مفاصل جسده تؤلمة، يجف ريقه .. شعر بضربات قلبه تبدو سريعة عالية، وكأنها تأتي من داخل أذنيه وليس من صدره .
دخل اللجنة يجر قدميه، وسط نظرات متفحصة من زملائه، ومراقب اللجنة حتى زميلاته ، الكل يحدق فيه بتساؤل عما حل به.. شعر بالنظرات ترشق في جسده تخترقه کالسهام ، تؤلمة ، تعذبه من كل اتجاه ، ولا يدري لماذا تذكر صورة تاج الشوك وعذابات السيد المسيح في تلك اللحظة .. ؟ !!!
صمد إلى أن قام المراقب بتوزيع ورق الاختبار .. قبض علي الورقه بكل قوه, وكله ثقة في هزيمته لواضع الأسئلة هزيمة نكراء .. لا يوجد سؤال بالمنهج سواء مباشر أو غير مباشر إلا ويستطيع تفنيده, وإعطاء إجابة نموذجية له , فقد حفظ المنهج عن ظهر قلب .. سيُفحم المصحح, وينال الدرجات النهائية بالمادة.
تناولت عيناه السؤال الأول .. وكانت دهشته أنه وجد نفسه أمام معضلة فالحروف أمامه كأنها لوغاريتمات.. ألغاز لا يُفقه منها شيئاً، يريد من يفسرها له !! كذلك كان السؤال الثاني، والثالث، ثم الرابع، وبينما كان يتساءل عما يحدث له ,اذا به يرى زميلته بجانبه ترفع طرف تنورتها، وتقوم بنقل الإجابات المنقوشة على فخذها العاري ، نظر إليها ببلاهة لافتة للنظر فاغراً فاهه .. مقهقهاً كالأبله بعينين زابلتين زائغتين ..!! عندما التفت بالاتجاه الأخر وقف فجأة منادياً على الرقيب بصوت عال ليثبت حالة غش، لزميل يتلقي الإجابات عن طريق سماعة بلوتوث، غير مرئية .. نظر حوله ، وجد الكل ينظرون إليه بتعجب ، ويشيرون إليه ما بين ساخر ومشفقة، أو مندهشة ومصدوم.
شعر بالإحراج ، أحس أنه في حاجة ملحة للذهاب إلى الحمام ليقضي حاجته .. ترك مكانه بدون استئذان من المراقب خارجا مسرعا من اللجنة ، لكنه تعثر وسط اندهاش الجميع .. !! وعند سقوطه انتفض من على سريره.. استيقظ من غفوته، ناظرا إلى سقف حجرته ، شعر بوخز في كف يده اليمنى، عندها فتح كفه ببطء شديد ، بينما كانت أصابعه تقبض بشدة على الكبسولة السحرية المفتتة المبللة بعرقه.. ضحك وحمد الله على غفوته التي أنقذته من تناول الكبسولة .