كتب اللواء حسام بدر الدين بين الضرورات الاقتصادية والضرورات الوطنية دور المجتمع المدني في مواجهة الأزمات
الثلاثاء 15-04-2025
09:01 ص

في ظل تصاعد الأزمات الاقتصادية وتقلص الخيارات أمام الحكومات، تتسع الفجوة بين متطلبات الضرورات الاقتصادية وحاجات الضرورات الوطنية. فبينما تضطر الدولة إلى اتخاذ إجراءات إصلاحية أو تقشفية لمواجهة تحديات العجز، الديون، والتضخم، تبقى الطبقات المتوسطة والفقيرة الأكثر تأثراً بهذه السياسات، مما يهدد السلم الاجتماعي ويضعف الروح الوطنية الجامعة. وهنا، يبرز الدور الحتمي — بل والإنقاذي — لمؤسسات المجتمع المدني، التي يجب أن تنتقل من الهامش إلى المركز في معادلة البناء الوطني.
الفجوة التي تتسع
الطبقة المتوسطة، التي طالما كانت صمام الأمان لأي مجتمع، تتآكل تدريجياً تحت وطأة الغلاء، ضعف الدخل، وانعدام الأمان الاقتصادي. أما الفقراء، فقد باتوا في مواجهة مباشرة مع احتياجات يومية لا تحتمل التأجيل. وفي خضم هذا المشهد، تبدو الدولة وحدها عاجزة عن تلبية كل المتطلبات، لا سيما حين تكون مقيدة ببرامج إصلاح اقتصادي تمليها مؤسسات التمويل الدولية أو واقع السوق العالمي.
الضرورة الوطنية: حماية النسيج المجتمعي
الحفاظ على التماسك الاجتماعي وحماية الفئات الأكثر تضرراً من الانهيار ليست فقط مسؤولية أخلاقية، بل ضرورة وطنية، لأنها ترتبط بالأمن المجتمعي، الاستقرار السياسي، واستدامة التنمية. إن تجاهل هذه الضرورة يؤدي إلى نتائج كارثية على المدى البعيد، ويُفقد الدولة قدرتها على الحفاظ على شرعيتها الاجتماعية.
مؤسسات المجتمع المدني: من العمل الخيري إلى الشراكة التنموية
لم تعد مؤسسات المجتمع المدني مجرّد أدوات لتقديم الإغاثة المؤقتة أو المساعدات الموسمية. بل باتت مطالبة اليوم بلعب دور أكثر عمقاً وتأثيراً، من خلال:
1. بناء شبكات أمان اجتماعي: توفير برامج مستدامة لدعم الأسر محدودة الدخل، عبر التعليم، الرعاية الصحية، التوظيف، والتمكين الاقتصادي.
2. التكامل مع الدولة: التعاون مع الجهات الحكومية لتنفيذ المبادرات التنموية والتخفيف من آثار السياسات الاقتصادية على الفئات الهشة، دون الدخول في منافسة أو تناقض.
3. الرقابة والمناصرة: تمثيل صوت المواطن أمام صناع القرار، وضمان أن تكون السياسات الاقتصادية أكثر توازناً وعدالة.
4. دعم الطبقة المتوسطة: من خلال خلق منصات تمويل صغيرة، مبادرات دعم رواد الأعمال، ومراكز تدريب تساعد في الحفاظ على هذه الطبقة كمحرك أساسي للنمو والابتكار.
المسؤولية تشاركية
لا يمكن أن تتحقق الضرورات الوطنية بدون استنهاض كل طاقات المجتمع، وخاصة تلك الكامنة في منظمات المجتمع المدني. فالدولة بحاجة إلى شركاء، لا متفرجين. والتحديات التي نواجهها تتطلب أن يتحرك الجميع — حكومة، قطاع خاص، مجتمع مدني — كفريق واحد تحت راية الوطن.
خاتمة
في معادلة الضرورات الاقتصادية والضرورات الوطنية، على المجتمع المدني أن يكون الجسر الذي يعبر عليه الوطن نحو التوازن والعدالة. هذه ليست لحظة للانتظار أو الترقب، بل لحظة للفعل والمبادرة، من أجل وطن لا يسقط فيه أحد، ولا تُترك فيه طبقة كاملة على الهامش.