د.احمد ابو العلا يكتب مهنة بلا حماية

الأربعاء 28 مايو, 2025

أنا طبيب، أعمل في القاهرة، لكن قلبي هذه الأيام مع زملائي في محافظات مصر المختلفة. مع من يقفون في غرف الطوارئ ليلًا ونهارًا، يحاولون أن يصنعوا من القليل أملًا، ومن التعب خدمة، ومن الضغط مهنة لا تزال تنبض بالضمير.
أسمع منهم كثيرًا، حكايات تتكرر بصيغ مختلفة، لكن جميعها تشترك في شيء واحد: الخوف.
الخوف من أن تتحول المستشفى، في لحظة، إلى ساحة فوضى.
الخوف من أن يتحول الطبيب من مُنقذ إلى ضحية.
مؤخرًا، سمعت عن حادث في أسوان، ما زال صداه يتردد في الوسط الطبي.
بلطجي دخل إلى قسم الطوارئ، يحمل "سنجة"، يلوّح بها في وجه الأطباء والممرضين والمرضى، ناشرًا الذعر والهلع داخل مكان يفترض أن يكون ملاذًا للشفاء.
لحظة واحدة من الفوضى كانت كفيلة بأن تُرعب الطاقم الطبي، وتُهدد سلامة الجميع، وتُسقط كل ما تبقى من هيبة المكان.
لكن الكارثة الحقيقية لا تقف عند حدود ما حدث في تلك الدقيقة المشؤومة، بل في ما تتركه خلفها.
تنهار ثقة المريض في المكان، ويشعر الطبيب أنه يعمل بلا حماية.
الخوف يُصبح حاضرًا في كل وردية، والقلق يتحول إلى رفيق دائم.
يبدأ الكثيرون في التفكير بالرحيل... لا إلى الخارج فحسب، بل أحيانًا إلى مهنٍ أخرى، أكثر أمانًا وأقل خطرًا.
كيف نبني نظامًا صحيًا نطمح إليه، في بيئة لا يأمن فيها الطبيب على حياته وهو يؤدي قسمه؟
نحن لا نحمل دروعًا، بل سماعات. لا نحمل سلاحًا، بل أقلام وصفة.
ومع ذلك، أصبحنا في مرمى الخطر، في وقت يفترض أن نكون فيه الحصن الأخير للمريض.
ربما نحتاج أن نُذكر الناس بأن الطبيب أيضًا إنسان.
له أم تنتظر عودته بقلق، وله أبناء يسألون لماذا لا يراه أحد.
يقف في المستشفى لساعات طويلة، في صمتٍ، تحت ضغطٍ نفسي هائل، يحاول أن يُنقذ حياة، ويربت على قلب، ويُحافظ على نفسه متماسكًا في مواجهة الموت، والإهمال، وأحيانًا... السلاح.
لكن حتى الإنسان الصبور له طاقة، وحتى الجندي الشجاع يحتاج حماية.
دول عديدة حول العالم أدركت خطورة الاعتداء على الطواقم الطبية، فسنت قوانين صارمة لحمايتهم.
في المملكة العربية السعودية، تم تغليظ العقوبات بحق كل من يعتدي على طبيب أو ممرض أو عامل صحي، لتصل إلى غرامة قدرها مليون ريال، والحبس عشر سنوات، في رسالة حاسمة بأن كرامة المهنة خطٌ أحمر.
وفي دول أخرى مثل ألمانيا وكندا والهند، تُعامل هذه الحوادث باعتبارها جرائم اعتداء على موظف عام أثناء تأدية واجبه، وتُواجه بعقوبات حاسمة، لحماية من يقف في الصفوف الأولى في مواجهة الألم والمرض.
إن تكرار هذه الاعتداءات يستدعي وقفة جادة من الدولة والمجتمع معًا.
لا يكفي أن نُدين، أو أن نُصوّر، أو أن نكتب بيانات شجب.
نحن بحاجة إلى تغليظ العقوبة على كل من يعتدي على طبيب، أو ممرض، أو منشأة طبية.
بل نطالب بتحويل من يرتكب مثل هذه الجرائم إلى محاكم عسكرية عاجلة، لأن الاعتداء على المستشفيات ليس مجرد مخالفة، بل تهديد مباشر لأمن المجتمع وسلامة مواطنيه.
المستشفى يجب أن تبقى دائمًا ملاذًا للنجاة، لا ساحة للرعب.