عصام البنانى يكتب: جنون برامج التسلية على الصائمين
تحت أي مسمى؛ لا يمكن وصف برامج السخرية والاستهزاء بالقيم الإنسانية بأنها للتسلية وإمتاع الصائمين بعد إفطارهم، وكأن صيامهم حرمان وفى إفطارهم راحة من عذاب. هكذا فلسفة القائمين على برامج "التسلية على الصائمين" التى قبل ضيوفها أن يكونوا شركاء فى نقل قيم لا تليق بما يقدمونه؛ إفتراضا؛ من فن ورسالات متعددة عبر أعمالهم على تنوع مجالاتهم وتخصصاتهم، وخاصة أننا لم نتلق أنفاسنا من هجمة الأعمال السينمائية والتليفزيونية التى تكرس العنف والصراع وترسخ لمفهوم القوة الغاشمة المطلقة. دعونا نتحدث عن برنامج رامز جلال "رامز مجنون رسمى"؛ والذي ثار خلاف حول كونه عملا فنيا أم إعلاميا، وتدخل نقابة الإعلاميين طرفا فى الأمر بشأن حصوله على تصريح من عدمه لتقديم برنامج يحمل اسمه، وهنا القانون واضح بشأن العمل بمجال الإعلام لغير المنتمين للنقابة. ثم كيف يمكن تحديد جهة المساءلة القانونية، وهى هنا جهات متعددة بتعدد الآثار السلبية للبرنامج على النشء والمجتمع، ومخالفة عدة قوانين ومواثيق شرف بدعوى تحقيق التسلية والترفيه للمشاهدين. البرنامج بحسب بيان وتقرير مستشفى العباسية للصحة النفسية التابع لوزارة الصحة؛ يسخر من المرض النفسي ويكرس لجريمة التعذيب؛ وهو أمر محل تحقيق فى بلاغ جديد إلى النائب العام؛ يحمل رقم ٦٩١ لسنة ٢٠٢٠ عرائض؛ يطالب بإصدار أمر بوقف إذاعة البرنامج المعروض على قناة (مصر MBC) وتقديم المبلغ ضده للمحاكمة الجنائية. لكن علينا هنا أن نؤكد وقائع التحريض على التنمر والتعذيب ونشر العنف فى المجتمع، والإضرار بالصحة النفسية وفقاً للدليل الفنى المرفق من مستشفى الصحة النفسية بالعباسية، بخلاف التعبير الصريح عن السخرية والاستهانة بالآخرين ولو كانوا ضيوفا قبلوا بالأمر فى نهايته، لكن المشاهد لم يقبل بالضرورة؛ والعقد القائم بينه وبين القناة المفتوحة غير المشفرة هو ميثاق الشرف الإعلامي. ناهيك عن الترويج لسلوك التلذذ بآلام الآخرين والتنمر عليهم بما يتنافى مع آدمية الإنسان، كما أن للمرض النفسى؛ والمريض النفسى؛ خصوصيته واحترام حقه فى محنته ومرضه؛ وعنوان البرنامج يبدو وكأنه يروج لوصمة المرض النفسى والتى تحاول الدولة جاهدة فى إزالتها بحسب قانون رعاية المريض النفسى رقم 71 لسنة 2009 . كل هذا إلى جانب وجود تهديدات محتملة على الصحة النفسية للطفل الذي يميل إلى التقليد وينساق بسهولة خلف التصرفات الظاهرة للأشخاص؛ وأخطرها فى البرنامج التباهى بممارسة النفوذ؛ النرجسية؛ واستمتاعه بقهر الآخرين؛ التنمر؛ والتلذذ بمعاناتهم وتعذيبهم؛ السادية؛ وهو عامل مؤثر فى تغيير سلوك النشء والفرد عموما. أعجبني موقف المستشار مرتضى منصور الذي أعلن تغريم لاعب زملكاوى شهير ظهر مع رامز جلال، فعلم ضيوف البرنامج بتفاصيله مسبقاً يمثل رسالة سلبية شديدة الخطورة لكل أفراد الشعب المصرى وهى أن الغاية "المكتسبات المالية" تبرر الوسيلة "قبول الذل والخضوع وتحقير النفس"، وهذا الموقف يؤكد من زاوية أخرى رفض رجال القانون جريمة التعذيب البدني أو اللفظي أو النفسي ومظاهرها وأشكالها ولو قدمت فى برامج بدعوى التسلية. فيما يبدو الأمر مستغربا حينما تصمت ألسنة نسوية عن مهاجمة جريمة إهانة نساء ظهرن بمثل هذه البرامج؛ أو إدانة مواقف من وافقن على إذاعة مشاهد تحمل أفعالا بها من المهانة لهن مالا تقبله آخريات. أتصور أن ضجة كبيرة حول مثل هذه البرامج والأعمال الدرامية المشابهة؛ تبدو أعلى مستوى من قيمة محتواها، لكنها تمثل صدى كبيرا لغضبة مجتمعية يوجهها ذوو القيم تجاه من أرادوا تدميرها لدى أبنائنا؛ عن قصد أو دون قصد، ولا أظن أن شركات إنتاج وقنوات ستفرط فى فرص إعادة إنتاج برامج وأعمال مماثلة طالما حققت لها رواجا وأتت إليها بالرعايات والإعلانات.