حسين عثمان يكتب: رفع المعنويات وقاية
واقعة إقالة مدير مستشفى المنشاوي العام، والمكلف بإدارة عزل المدينة الجامعية بـ”سبرباي”، تستحق التوقف ولفت الانتباه، خاصة وأن توقيتها عشية حلول شهر رمضان المبارك، جاء متزامنًا مع مشهد ازدحم بما قد يخطف الأنظار بعيدًا ولا يزال، كان الدكتور طارق رحمي، محافظ الغربية، قد أصدر قراره يوم الخميس الماضي، بإعفاء الدكتور متولي أبو رية من منصبه وإحالته للتحقيق، ومع إيقافه عن العمل لمدة ثلاثة أشهر أو لحين انتهاء التحقيق معه، في بعض المخالفات الإدارية بشأن الإجراءات الاحترازية في مواجهة “كورونا”، ولم يأت قرار رحمي إلا استجابة لانتقادات واسعة، صاحبت تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو يظهر فيه الدكتور أبو رية، مصاحبًا مجموعة من الطاقم الطبي، يرقصون بصحبة متعافين من “كورونا”، احتفالًا بشفائهم وخروجهم من مستشفى العزل بـ”سبرباي”، حيث طالب عدد كبير من المتفاعلين، بالتحقيق مع مدير مستشفى المنشاوي العام، لعدم التزامه بالإجراءات الوقائية وارتداء الكمامات الطبية، وكذلك لإخلاله بهيبة جيش مصر الأبيض، حائط الصد في مواجهة “كورونا”.. كلام كبير جدًا. لم تقف نقابة الأطباء بمحافظة الغربية موقف المتفرج، فقد أصدرت بيانًا رسميًا السبت الماضي، طالبت فيه محافظ الغربية بالعدول عن قراره، وجاء في نص البيان: “إيماءً إلى مكاتبة من الدكتور متولي أبو رية، مدير مستشفى المنشاوي العام، والمكلف مؤخرًا بإدارة العزل بالمدينة الجامعية في “سبرباي”، يتضرر فيها من قرار إقالته، بعد نشر فيديو علي مواقع التواصل الاجتماعي، قد يعتبره البعض غير مناسب، ولكننا نرى أن الفريق الطبي المعالج، قد تفوق فرحته بشفاء المرضى، فرحة أهل المرضى أنفسهم، خاصة في ظل جائحة كورونا، والذي يؤدي إلى ضغوط صعبة على الفرق الطبية حول العالم، من معدل إصابات عالية وحالات حرجة ووفيات متسارعة”. تابع البيان: “التعبير عن الفرحة مرتبط بثقافة المجتمع، وتوجد العديد من الفيديوهات لفرحة الطاقم الطبي بخروج وشفاء المرضى، ومنها العديد في مجتمعات شرقية مثل الصين وإيران وتركيا وإيطاليا”.. وأضاف البيان: “ونحسب لإدارة مستشفى العزل في المدينة الجامعية في “سبرباي” استجابتها السريعة، وتذليل كافة العقبات أمام الفريق الطبي المعالج، بالتنسيق مع إدارة مكافحة العدوى ومديرية الصحة، ما انعكس على الأداء العام للعزل، بخروج 16 مريضًا وتحول أكثر من 20 حالة إلى سلبي، وسلبية عينات الفريق الطبي بعد أسبوع من العمل في العزل”.. واختتم البيان: “نلتمس من سيادتكم العدول عن القرار الصادر في حق الدكتور متولي واستمراره في عمله”.. كلام معقول جدًا. ذهبت أشاهد مقطع الفيديو محل الواقعة، مدته 50 ثانية بالمناسبة، فلم أجد الدكتور متولي أبو رية إلا مرهقًا، يقف على قدميه بالكاد وسط احتفال طاقمه الطبي بتعافي مرضاهم، قبل أن ينشغل في مكالمة على تليفونه المحمول، بينما يلح بعض زملائه في الإمساك بكلتا يديه متمايلًا بها يمينًا ويسارًا، وموسيقى المهرجانات تحتل خلفية المشهد مثلما تحتل خلفية حياتنا بشكل عام، صحيح أن الجميع في الفيديو لم يهتم بتفعيل إجراءات “كورونا” الاحترازية من مراعاة مسافات الجوار وارتداء الكمامات، ولكنها ظاهرة في مشهد “كورونا” العام، قبل أن يختص بها محافظ الغربية الدكتور متولي أبو رية، مبررًا قراره المتعسف في تقديري بإقالته والتحقيق معه. تقييم الأمور في الظروف العادية، لابد وأن يختلف عنه في الظروف غير العادية، وإذا كانت رسالة “كورونا” القوية، أن الموت في بعض الأحيان يكون رخيصًا، وإلى حد أن يأتي على يد فيروس مجهول ليس له تاريخ، وفي عصر يقوم فيه العلم على تحدي الطبيعة، فإن رسالة الإنسان في المواجهة، لن تكون إلا الحياة بكل ملامح التشبث بها، ومنها صيحة الانتصار وشحنة الفرحة وانطلاقة البهجة، تعبيرًا عما ساهم في العودة بحياة إنسان من على حافة الموت، تَزَيُد محافظ الغربية في معالجة الموضوع ليس في محله الحقيقة، رفع المعنويات وقاية في مواجهة “كورونا”، على حد تعبير المبدع الكبير السيناريست محمد حلمى هلال. ---------------