د.تامر عبدالحافظ يكتب وزير التربية والتعليم الجديد.. ما عليه وما علينا
عند إعلان اسم وزير التربية والتعليم الجديد، سعى جميع المهتمين بالشأن التعليمي لمعرفة من هو؟ وما تاريخه وإنجازاته؟ خاصة بعد أن زادت علامات الاستفهام حول اختيار وزير من القطاع الخاص، وهو أمر لم يتوقعه أحد على الإطلاق، خاصة في قطاع التعليم الذي يأتي على رأسه أساتذة من الجامعات أو برلمانيين سواء متخصص في التربية أو غيرها، ما دام عمل في حقل التعليم الجامعي أو قبل الجامعي. بينما هذا أمر غير مستغرب بالنسبة لتعيين وزراء من القطاع الخاص على رأس وزارات مثل الصناعة أو السياحة وغيرهما؛ لعدم وجود فجوة ذات شأن في طبيعة العمل بين الحكومي والخاص إلا في إدارة العمل وهرميته والقوانين المنظمة له بشكل عام.
حينها أردت أن أسيطر على الانطباع الأول لهذه الفكرة، وأكون منصفًا للحكم على هذا الترشيح، خاصة لأنه على قمة وزارة لا تهتم بحاضر الناس فقط مثل باقي الوزارات، وإنما تهتم أيضًا بأحلام ومستقبل شعب كامل لهم الحق في تحقيق غد أفضل لأبنائهم.
وبحثت عن أي شيء يدلني عن الشخص الجديد الذي تولى المسئولية وعن أفكاره حول التعليم، ولم أجد غير بودكاست واحد فقط تم استضافته فيه على قناة يوتيوب تابعة للشركة التي يرأسها ومن خلالها يدير مجموعة مدارس عائلية.
ومن الواضح جدًا أنه يتحدث عن إنجازات المؤسسة والمدرسة التي يقوم على إدارتها.
وحاولت تقييم رؤيته حول التعليم بناء على المعايير التي طالبت في منشور سابق قبل إعلان التشكيل الوزاري أن تكون وزارة التربية والتعليم وزارة سيادية، يرأسها وزير سياسي ذو رؤية تربوية ولديه القدرة على المبادرة، وقد وجدت الآتي:
١- سياسي: رغم أن الحوار كله عن مؤسسة ومدرسة خاصة، إلا إنه من الواضح أنه يتعامل مع التعليم كسياسة، من خلال حديثه عن كيفية غرس الوطنية والانتماء لدى الطلاب بشكل عملي وليس بشكل نظري. الأمر الآخر هو نظرته حول أهمية تعليم الطلاب وتوعيتهم حول القضية الفلسطينية؛ مما يعني أن لديه نظرة خاصة بوطنه بشكل خاص، والقضايا العربية بشكل عام، وهذا وعي عملي وتطبيقي لدور التعليم في حماية الأمن القومي.
٢- الرؤية التربوية: عند حديثه ظهر جليًا أنه مع بدايات تكنولوجيا التعليم أسس نموذجًا تربويًا في مدرسته وحاول تطبيقه بشكل تدريجي، والانتقال من مرحلة إلى أخرى، في وقت كان ينظر إلى تكنولوجيا التعليم نظرة رفاهية.
والأهم من ذلك، أن مفردات الحوار التي تناول بها الموضوع وخطوات تنفيذ مشروعه تدل على أنه على دراية وخبرة كبيرة في هذا المجال. يتحدث بلغة التربويين المتخصصين في تكنولوجيا التعليم، لغة متخصصة جدًا نستطيع أن نعرف بها نحن أهل الاختصاص من يفهم جيدًا في هذا التخصص وكما يقال "معجون فيه"، ومن يدّعي معرفته به، ويدندن بكلمات ذات خطوط عريضة تحمل فراغ كبير من المعرفة والخبرة.
الأمر الذي عكس لدي إحساس أن هذا الاختيار بمثابة العودة للمسار الذي بدأه الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم الأسبق، حتى يكتمل المشروع على أكمل وجه، وعلى أيدي متخصصين، خاصة بعد تعيين أستاذ في الشبكات نائبًا للوزير للتعليم الفني، بجانب نائب الوزير للتطوير التكنولوجي، بغض النظر عن الأسماء ولكن أتحدث عن التخصصات والخبرة، مما يدل على توجه عميق من الدولة حول تطوير التعليم بناء على نموذج تكنولوجي كبير في القطاعات كافة، سواء التعليم العام أو الفني، وكذلك إذا نظرنا إلى وجود أستاذ تكنولوجيا تعليم أيضًا على رأس الأكاديمية المهنية للمعلمين، تتضح لنا الصورة جيدًا، بهذا الاهتمام المتزايد نحو تكنولوجيا التعليم والتعليم التكنولوجي التطبيقي، وتعليم الطلاب المهارات المتقدمة في تكنولوجيا المعلومات والبرمجة والذكاء الاصطناعي، والدعوة إلى غزو هذا المجال بقوة في السنوات القليلة القادمة، وكذلك تمكين المعلمين من أدوات العصر التكنولوجي بكل أبعاده.
أكرر، أقول هذا الكلام بعيدًا عن الأسماء، ولكن أتحدث عن التخصص الذي يقع في قلب العلوم التربوية، جامعًا لها ومقدمًا نموذجًا تربويًا وتعليميًا فريدًا وحديثًا ومتطورًا.
٣- المبادرة: ظهر من الحوار أيضًا أنه شخصية مبادرة، حيث مع تفشي جائحة فيروس كورونا، قام بتطوير منصة تعليمية رقمية، ووفرها بشكل مجاني للجميع ليقوم الطلاب من كل المدارس بالاستفادة منها أثناء إغلاق المدارس ولمدة عامين، مما يعني أن له دور مجتمعي وليس تعليمي داخل أسوار مدارسه فقط، قبل أن يعود البرنامج بمقابل مادي بعد انتهاء الجائحة.
وما إن انتهيت من تكوين انطباعي الأوليّ عن شخصية الوزير الجديد، إلا وظهرت زوبعة كبيرة لم تنتهي بعد حول سيرته الذاتية ومؤهلاته، والمشكلة هنا أن من نقل السيرة الذاتية للناس بداية استقاها من خلال البودكاست، الذي كان رئيس تنفيذي لمؤسسة يتحدث فيه عن نفسه وليس وزير، وبالتالي بدلاً من أن تثير إعجاب الناس، أثارت الكثير من الجدل.
لذا رسالتي إلى الوزير الجديد، التي أرجو أن يتقبلها بصدر رحب:
١- أصبحت على رأس وزارة تولاها أعظم الشخصيات في تاريخ مصر، ولم يسلموا هم أيضًا من أي انتقاد، وأنك تتولى تعليم شعب يؤمن بالمثل القائل "لا كرامة لنبي في وطنه"، هذا مذهبه مع الأنبياء (مجازًا)، فما بالك برجل أعمال من عائلة عريقة تولى وزارة.
٢- أدعو الله لك بالتوفيق والنجاح لصالح شعبنا وأمتنا ومستقبل أولادنا، دعائي هذا لمصلحة بلدي قبل أي شيء آخر.
٣- أدعوك إذا كان لك رؤية تؤمن بها جيدًا وسوف تصنع فارق في مستقبل التعليم في مصر، ألا تتخلى عنها مهما سمعت من انتقاد أو واجهت من تحديات، ما دمت على رأس عملك وزيرًا، أما غير ذلك فعليك مراجعة حساباتك.
٤- تذكر أن سيدنا يوسف عليه السلام، عندما طلبه الملك ليقربه إليه ويجعله على خزائن الأرض، أبى ذلك قبل تبرئته من التهمة التي حُبِس بسببها، أبى أن يُقال مسجون ومتهم تولى السلطة - وهو نبي - واشترط تبرئة ساحته حتى يستطيع تحمل المسئولية مرفوع الرأس.
اذا؛ أدعوك لإنهاء هذا الجدل حول الشهادات، وأن تأمر بأن تكون كل مخاطباتك الرسمية بلقب "الأستاذ"، وسوف يزداد قدرك في نظر الجميع، فالشهادة ليست مسوغًا لتولي الوزارة، وستكون قدوة لكل من يعمل تحت مسئوليتك، وإلا فإن المخادعين كُثُر ولن تسلم منهم.
٥- تذكر أنه تم اختيارك ومنحك الثقة، في ظل وجود مئات الأساتذة في الجامعات المصرية المتخصصين في شتى فروع التربية وغيرها، وكذلك الحاصلين على الدكتوراه من العاملين بالوزارة، والذين لهم خبرات محلية ودولية في هذا المجال، والحاصلين على درجات علمية من الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، والأكاديمية الوطنية للتدريب، وغيرها، بل ومديري مدارس لهم رؤى وخبرات، أعطى لهم ترشيحك أمل في أن علمهم وخبراتهم في يوم من الأيام سوف تؤتي ثمارها، سواء بتولي منصب، أو الاستفادة من خبراتهم.
حاول أن تتعاون مع كل هؤلاء وأجعل علمهم وخبرتهم للوطن ولك.
٦- أحسن اختيار المعاونين، ولا أزيد عن ذلك.
أما رسالتي للجميع:
قد تعتقد أن الاختيار كان خطأ، ولعدة أسباب، وردي على ذلك:
١- بغض النظر عن صحة أو خطأ الترشيح من وجهة نظرك، تذكر قول الله تعالى "قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِي ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ". الأمر كله بيده الله.
٢- الوزير من القطاع الخاص: وسوف يخصخص التعليم وغيره من التوقعات السلبية، يجب أن نعلم أن مجانية التعليم الحكومي مكفولة ومحمية بالدستور والشعب الذي وافق عليه، أما أي مشروعات تعتقد أنها خصخصة حتى لو بدا لك ذلك، لا تنسى أن هناك فئات أخرى من الشعب تستفيد من التعليم الخاص كما تستفيد أنت من التعليم الحكومي، فلا تخلط الأوراق ببعضها.
ويجب أن ننتظر ونعرف رؤية الوزير التي سنعرفها بعد أيام قليلة.
٣- الوزير غير حاصل على الدكتوراه: أو غير متخصص، عندما تستمع إلى حوار الوزير، ستقع في حيرة من أمرك، كيف لغير متخصص يتكلم بهذا العمق والشرح لمشروعاته التربوية والتكنولوجية؟ لذا أطلب منك إعادة التفكير.
أما عدم حصوله على الدكتوراه، أرد عليك وأنا حاصل عليها بالفعل، أكرر أن "وزير سياسي ذو رؤية تربوية ومبادر" أفضل بكثير من أستاذ دكتور لا يحمل هذه المواصفات. عمومًا هذا يعطيك أملاً أن تكون أنت المرشح القادم عند توفر هذه الشروط الثلاثة لديك.
٤- علينا جميعًا أن ننتظر ما ستؤول إليه الأيام القادمة ونمنح الوزير فرصة ليقوم بدوره وأن يصحح مسارات عدة.
وإذا لم يحقق أهداف الدولة وآمال الشعب، فأنتم "ليس لكم عزيز" كما يقال، وأدواتكم في ذلك لا تعد ولا تحصى.
انتظروا وأدعو الله أن يفعل لنا جميعًا الخير.
